منوعات

كيف يبدو مستقبل المدن في مواجهة تكاثر الأزمات؟ المدن الكبيرة تفقد بريقها

ربما لم يسمع أغلب سكان العالم عن مدينة ووهان الصينية قبل شهر يناير/ كانون الثاني 2020، لكن ذلك تغير، إذ التصقت بها سمعةٌ سيئة لأنها مهد جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي يضرب العالم حاليًا.

وعلى الرغم من أن كثافة المدن وديناميكيتها وحيويتها كانت سابقًا عوامل جذب للسكن فيها، فقد أصبحت حاليًا مصدرًا للخطر، إذ كانت العواصم الاقتصادية والثقافية العالمية، مثل هونج كونج ولندن ونيويورك وميلانو وسيول، أولى المدن التي تفشت فيها الجائحة.

نقطة حرجة للمدن والمناخ

تتمثل أهم الأولويات حاليًا في حماية الأرواح. وقد يغير هذا الوباء شكل الحياة في المدن لأعوامٍ مقبلة، وتمثل هذه الأعوام أيضًا فترةً حرجة للأزمات المناخية. وقد يؤدي هذا الوباء على المدى القصير إلى انخفاض غير مسبوق في انبعاثات الغازات الدفيئة؛ إذ أدى الإغلاق في الصين إلى انخفاض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 25%، وربما يشهد العالم في نهاية هذا العام أكبر انخفاض سنوي في الانبعاثات الكربونية بنسبة 4% بالمقارنة مع العام 2019.

وتختلف القدرة على مواجهة الوباء الحالي باختلاف مستوى المعيشة، فالأغنياء أكثر قدرة على المواجهة؛ لأن منازلهم واسعة ومصادر دخلهم مستقرة وصحتهم جيدة. لكن الفقراء في الأحياء الداخلية ليس لديهم هذه القدرة، ويلتزم الملايين حاليًا بالبقاء في منازلهم دون الخروج إلى المساحات الخضراء أو التعرض إلى ضوء الشمس، ويعمل آخرون في وظائف أساسية ويتقاضون رواتب منخفضة ويتعرضون إلى خطر الإصابة بمرض كوفيد-19، ومنهم السائقون وعمال النظافة ورجال الشرطة والمعلمون وأفراد المتاجر وأطقم الرعاية الصحية. ويعاني ملايين الأشخاص من أمراض مرتبطة بالفقر مثل سوء التغذية والسكري.

ويواجه الفقراء في المناطق العشوائية موقفًا أكثر خطورة، إذ يفتقرون إلى المياه النظيفة ما يمنعهم مثلًا من غسل أيديهم بانتظام، بالإضافة إلى أن الازدحام في هذه المنازل يعوق تطبيق التباعد الاجتماعي، ويواجه هؤلاء الأشخاص خيارين أحلاهما مر، فإن بقوا في المنزل ولم يذهبوا إلى العمل لن يجدوا قوت يومهم، وإن ذهبوا إلى أعمالهم ستزداد احتمالات إصابتهم بالفيروس.

وقد يتراجع الاهتمام بمشكلة التغير المناخي على المدى المتوسط على جدول أعمال صناع القرار لصالح الصحة العامة والتعافي الاقتصادي، وسيؤدي ذلك زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة مجددًا، ما يهدد النظام البيئي والتنوع الحيوي. وأدى تفشي الوباء إلى عزوف الناس عن استخدام وسائل النقل العام والاتجاه إلى استخدام المركبات الخاصة ما يفاقم أزمة الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية تجعل تحمل تكاليف التحول نحو استخدام المركبات الكهربائية والطاقة الشمسية أمرًا صعبًا.

إجراءات مستقبلية

يجب أن يصبح تشييد المنازل الآمنة في مقدمة أي إجراءات مستقبلية لتوفير خيارات متعددة لسكان المدن، وبدأ فعلًا وضع صنابير عامة في الأحياء الفقيرة في جاكرتا ونيروبي وريو دي جانيرو لمنح الفرصة للسكان لغسل أيديهم بانتظام، ولذا يجب أن يصبح توفير مياه شرب نظيفة وصرف صحي أولوية.

وعلى المدن أيضًا زيادة مسارات المشاة والدراجات لمساعدة الناس على الحركة داخل المدن بأمان ودون تكبد تكاليف مرتفعة. وحولت فعلًا برلين وبوجوتا ومكسيكو سيتي بعض الطرق إلى مسارات للدراجات لضمان تنقل الأشخاص وممارسة الرياضة بأمان، بالإضافة إلى أن الاهتمام بتشجير الشوارع سيقلل ضغط الناس على المتنزهات العامة.

قد يساعد الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة والبنى التحتية لشحن المركبات الكهربائية في توفير فرص العمل بسرعة؛ إذ وفر قطاع الطاقة الشمسية وحده نحو ربع مليون وظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام 2019، وستساعد هذه الاستثمارات أيضًا في الحد من تلوث الهواء الذي ارتبط بارتفاع الوفيات بسبب مرض كوفيد-19.

وعلى الرغم من أن الظروف المضطربة الحالية لا تسمح بالتفكير أو الاستعداد لأي أزمة مستقبلية، لكن التغير المناخي لن ينتظر، فإن تراجعت الإجراءات المتخذة لمواجهته لن نستطيع الحفاظ على الاحتباس الحراري عند أقل من 1.5 درجةً مئوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى