د. موزة بنت محمد الربان.. تكتب: أشكال متعددة من التواصل العلمي
ما يصلح لجمهور ما، لا يصلح لغيره أو لا يؤدي الغرض بالكفاءة المطلوبة. وبناء على ذلك، فإن عدد أشكال التواصل وأساليبه تختلف باختلاف الجمهور والظروف المحيطة، وهنا يظهر الإبداع في اختيار الشكل الأنسب للتواصل. وبمعنى آخر، فإن عدد أشكال التواصل قد يكون لانهائيا، ولا يمكن حصره في شكل طريقة ثابتة. ولكننا سنعطي فيما يلي بعض الأمثلة العامة يمكن تحويرها وتعديلها حسب الحاجة.
المحادثات العلمية
وهي النموذج الأغلب من أساليب تواصل “النشر”، أحد نوعي التواصل مع الجمهور الذي ذكرناه في مقال بعنوان: “أنواع وأهداف التواصل مع المجتمع”. المحادثة العلمية، وكما يدل على ذلك اسمها، هي محاورة بين مدرس أو خبير مع طلاب أو مهتمين حول مفهوم علمي معين يشارك فيه الطلاب أو سيشاركون فيه. قد تكون على هيئة محاضرة مع فتح مجال للأسئلة والأجوبة، أو قد تكون بشكل غير رسمي في محادثة فردية أو أثناء زيارة متحف أو موقع أو حتى في مقهى أو غير ذلك. إنها طريقة ممتازة لمساعدة الطلاب أو الجمهور على التفكير والتعلم الاستقصائي القائم على السؤال وإثارة الحماس والفضول. وتعد المحادثات العلمية فرصة للطلاب والجمهور للتعرف على مفهوم علمي معين، والتفكير في ما يتعلمونه، أو مواجهة التحدي لاستكشاف مفهوم العلم بشكل أكبر.
وأياً كان شكل المحادثة العلمية، يبقى أن عليك، وكما ذكرنا في فصل سابق “العروض التقديمية – المقدمة”، أن تهتم بالأركان الثلاثة لأي تواصل، أي بالسرد (المحتوى) والجمهور ونفسك (المتحدث).
أيضاً، ضع في اعتبارك أن عدم وجودك في مؤتمر دولي لا يعني عدم وجود خبير في الغرفة. لذلك، حاول أن تعرف من سيضم الجمهور، حتى تتحاشى أن تكون المحادثة فوق أو تحت مستوى الجمهور.
ومرة أخرى، وكما أوصينا في الفصل السابق، احرص على أن تتعرف على الأجهزة ووسائل العرض في الغرفة وحاول أن تنسق مع الشخص التقني المسؤول (في حالة أن المحادثة في غرفة معدة لها).
لماذا المحادثات العلمية مهمة؟
إن من أهم أهداف تعليم العلوم هو الفهم العميق وبناء التفكير العلمي القائم على المنطق والتحقق والتثبت، ومن ثم القناعة. وعلى ذلك، ينبغي أن تكون المحادثة العلمية والتعليم بصورة عامة بلغة التفكير، باللغة العربية في حالتنا، من أجل بناء المفاهيم وارتباطاتها العقلية في ذهن الطالب أو المستمع، والتي تخلقها الأسئلة والإجابة والأمثلة والتصورات والخيال…
بالنسبة للأطفال الصغار، تساعد المحادثة العلمية في جعل عملية التفكير أكثر وضوحًا، من خلال استخدام محادثتهم لاستيضاح الأفكار والأسئلة وممارسة تركيزهم. هذا النهج هو مفتاح التحقيق في تعلم العلوم لأنه يمكّن الأطفال من معالجة المفاهيم بمصطلحاتهم الخاصة بعمق بمرور الوقت.
تشمل المزايا الأخرى للمحادثات العلمية في الفصل الدراسي ما يلي:
– تبادل الأفكار والتعاون بين الطلاب والمدرس مما يشجع النشاط العلمي بين زملاء الدراسة.
– بناء القدرات اللغوية من خلال المحادثة.
– تقدير ودعم الأطفال في وجود أقرانهم.
– تعزيز الخبرات وترسيخ الفهم.
حلقات النقاش
تعتبر حلقة النقاش وسيلة فعّالة لإظهار التباين في وجهات النظر والآراء والمعرفة حول موضوع معين. كما أنها تساعد في التوضيح للجمهور أن العلم متنوع وقابل لمناقشة آراء مختلفة قد تكون أحيانا شرسة ومتناقضة. استخدم “حلقة نقاش” عندما تعتقد أن مجموعة المتحدثين ستولد شيئًا أكثر إثارة للاهتمام مما يمكن لأي عضو بمفرده أن يقدمه بمفرده.
حلقة النقاش هي تنسيق محدد يستخدم في اجتماع أو مؤتمر. إنها مناقشة حية أو افتراضية، حول موضوع معين بين مجموعة مختارة من الخبراء الذين يشاركون بوجهات نظر مختلفة أمام الجمهور. عادة يتراوح عددهم بين ثلاثة وأربعة، وهم يردون على أسئلة الجمهور بعد عرض وجهات نظرهم. غالباً، تستمر الجلسة لمدة 60-90 دقيقة.
يمكن تنظيمها لعرضها أمام جمهور مباشر أو تسجيلها لإعادة عرضها، أو عرضها شخصيًا أو عن بُعد، وقد يكون كلا من مدير الحلقة وأعضائها في مكان واحد، أو يكون اجتماعهم عن بُعد، ومع الجمهور في غرفة فعلية واحدة، أو “افتراضيًا”.
كما يجب أن نعرف أن هناك أنواعا من الحلقات تختلف حسب الغرض والموضوع، يجب البحث عنها حسب الحاجة، مثل مناقشات الطاولة المستديرة، وغيرها.
إن كنت أحد المتناقشين في الحلقة، تعرف على زملائك في الحلقة وموقفهم من الموضوع قيد المناقشة، قبل الجلسة.
أما إن كنت من منظمي الحلقة، فاختار الموضوع الذي يهم ويتعلق بالجمهور، وادع مجموعة مختلفة من المتناقشين ومنهم غير العلميين، لإبراز وجهات نظر مختلفة حول الموضوع. وإن أردت تسجيل المناقشة، فينبغي أن تخبر المتناقشين وتبين لهم كيف ستستخدم ذلك التسجيل والغرض منه، وتأخذ الإذن منهم لقيامك بذلك. اختار مدير للحلقة يضبط الوقت ويتأكد من أن جميع الأصوات والآراء مسموعة.
الورش
نستخدم هنا مصطلح “ورشة” كمصطلح شامل يتضمن الاجتماع والعمل مع جمهور من أجل مناقشة وطرح موضوع مثير للاهتمام، وتبيان كيفية القيام بعمل ما أو أداء نشاط معين، حتى يتمكن الجميع من التعلم.
قد يكون اجتماع لمدة ساعة حول طاولة في مركز محلي لمناقشة موضوع علمي معين مع ضيوف من المجتمع، أو قد يكون مناقشة وعصف ذهني لأفكار للطاقة النظيفة أو تنقية المياه مثلا، من أجل توصيلها لمتخذي القرار، أو غير ذلك.
وأيا كان شكل ورشتك، فيجب أن يكون الهدف منها واضح، وأن تكون معدة لجمهور معين.
نوادي الكتاب
نادي الكتاب عبارة عن مجموعة قراءة، تتكون عادةً من عدد من الأشخاص الذين يقرؤون الكتب ويتحدثون عنها بناءً على موضوع أو قائمة قراءة متفق عليها. عادة، تختار نوادي الكتب كتابًا معينًا لقراءته ومناقشته في نفس الوقت. تلتقي نوادي الكتاب الرسمية على أساس منتظم في مكان محدد، وتجتمع معظم تلك النوادي شهريًا لإعطاء الأعضاء وقتًا لقراءة الكتاب التالي. تركز بعض نوادي الكتب على نوع معين من المواضيع حسب الاهتمام. حتى أن هناك نوادي كتب مخصصة لمؤلف أو سلسلة معينة. ويمكنك البحث عبر الانترنت أو في المكتبات المحلية التي توفر مثل هذه النوادي.
مهما كانت مادة القراءة التي تفضلها، إذا لم تتمكن من العثور على نادي كتاب لها، فلماذا لا تفكر في إنشاء نادي خاص بك؟
يوفر إنشاء واستضافة نادي الكتاب طريقة مبتكرة لمناقشة العلوم بتنسيق سهل الوصول إليه وجذاب. وإن فكرت في ذلك، فمن المفيد أن تختار موضوعا شاملا وغير واسع. مثلاً، الكتب التي تضم ” تكنولوجيا المعلومات” أو ” المجموعة الشمسية”، بدلا من “العلم والتكنولوجيا” بشكل عام. كما أنه من المهم اختيار كتب متوفرة في المكتبات المحلية أو عبر الانترنت بشكل سهل وغير مكلف. ويمكنك اختيار مجموعة من الكتب، ليتمكن كل عضوا في النادي من اختيار الكتاب وليأخذ فرصته للمناقشة حوله. وعادة، يقوم مجموعة من الأصدقاء بإنشاء نادي كتاب خاص بهم يناقشون فيه الكتب التي تثير اهتمامهم.
وقد يكون مؤلف الكتاب ضمن المجموعة، أو معلم وطلابه، أو مجموعة من الباحثين في موضوع معين.
نوادي الكتب، يمكن أن تكون واقعية حيث يجتمع الأعضاء في مكان معين، أو قد تكون افتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر.
ومرة أخرى، هذه نماذج لأشكال من التواصل العلمي، ويمكنك أن تبتكر أشكالا متنوعة حسب الغرض من التواصل ونوع الجمهور والموضوع والظروف والإمكانيات المتاحة.
وتذكر دائماً، أن تواصل العلميين مع الجمهور أمر أساسي وضروري وأخلاقي بالنسبة لهم، وأن لا يقتصر تواصلهم العلمي فقط مع أقرانهم في المؤتمرات ونشر الأوراق البحثية أو في الفصل الدراسي مع طلابهم، وبأسلوب تقليدي تلقيني في اتجاه واحد، وأنهم يستفيدون هم ومؤسساتهم منه كما يفيدون المجتمع، لذا أدعو كل واحد منا أن يسعى ويطور مجموعات تواصل مع الزملاء ويطالبون جامعتهم أو مؤسستهم بتسهيل ذلك الأمر وجعله تقليداً لها.