د. فوزية الشهري تكتب: المستقبل بين العلم والتقنية
عندما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ليس الجمال بأثواب تزيننا … إن الجمال جمال العلم والأدب. هل كان يقصد الشعور بجمال العلم المادي وأثره على الناس والحياة؟ هل كان يفكر في علم الجمال أم جمال العلم؟ قد يتساءل الناس لماذا تبدو بعض الأشياء جميلة، وبعضها الآخر غير جميل؟ ونحن هنا نتساءل هل للعلم جمال، ومتى وكيف يكون ذلك؟
نعم، هناك جمال خاص للعلم، جمال وجلال يفوقان وهج ألوان الفيتامينات والألوان الصادرة عن بريق المعادن، جمال يجذب لفهم العالم من حولنا، عندما تتمرد النظريات والتجارب العلمية على المختبرات وتتسرب لتصبح جزءاً من نسيج حياتنا.
فما الذي ساعد على تسرب المعلومات النظرية البحتة من المختبرات وتحولها من مجرد علوم نظرية أساسية إلى علوم تطبيقية صناعية؟
بداية تمثل الاهتمام بالعلم من قبل الحكومات والمؤسسات الخاصة في المجتمعات الحديثة في دعم البحوث الأساسية مما أدى إلى نموها وازدهارها وتطورها، وعندما بدأت هذه البحوث الأساسية تتسرب من المختبرات إلى الصناعة وبدأت تؤتي أكلها وتحولت نواتجها إلى تقنيات ملموسة، أصبح المردود الاقتصادي لهذه التقنيات هو الدافع لاستمرار نقل نتائج البحوث العلمية حيز التطبيق، مما أدى إلى رفاهية المجتمع حيث نما عن ذلك ثقافة وأمن وراحة وصحة وتطور في جميع مناحي الحياة.
ونعني هنا بكلمة تقنية العلم الصناعي المرتبط بالنشاطات الرئيسية لأفراد المجتمع كالصناعة والنقل والاتصال وغيرها. ومن هنا نجد أن ارتباط العلم الأساسي بالعلم الصناعي عامل هام لتطور المجتمع، فعادة ما يصاحب التقنية تغيرات اجتماعية كنتيجة حتمية للتغيرات الاقتصادية وآليات تنفيذ نشاطات الحياة المختلفة. والسؤال الآن كيف يمكن تطبيق الاكتشافات العلمية الأساسية كتقنيات جديدة؟ والمقصود هنا دعم البحوث العلمية الأساسية ومستقبل العلم والتقنية في العالم المتطور والنامي. إن دعم هذه البحوث الأساسية وتحويلها إلى نواتج تقنية تخدم المجتمع أصبح هدفاً هاماً لجميع الباحثين، فلن تؤتي العلوم الأساسية ثمارها إلا إذا دخلت حيز التطبيق وأسفرت عن منتج يخدم المجتمع ويكون له مردود اقتصادي ومنفعة عملية للمجتمع.
وإذا ما أردنا النظرإلى مستقبل العلم كعلم تطبيقي يخدم الصناعة والمجتمع فلا بد من توجيه البحوث العلمية نحو المشكلات التي يعد حلها كأولويات وطنية. إن التطورات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم والتي هي باكورة تطوير التقنيات العلمية المبتكرة كانت نتيجة للربط بين العلوم والبحوث الأساسية وتطوير التقنيات المبتكرة الناتجة عنها كما أدت إلى حفز العلماء وإثارة الفضول العلمي ومحاولة حل المشكلات وتسخير العلم في خدمة المجتمع ونقل المعارف إلى حيز التطبيق، مما أدى إلى نوع من الشراكة بين العلم والمجتمع نحو التطور.
وستتغذى هذه الشراكة من مدى التعاون بين الحكومات والباحثين في تحديد المشكلات التي تمثل الأولويات الوطنية وتمويل ودعم حل هذه المشكلات وهنا يقع العبء على عاتق الحكومات لجعل المجتمعات مستقبلاً متطورة وناجحة اقتصادياً لاعتماد تطوير التقنيات المبتكرة ودعم البحوث العلمية الأساسية بشكل واسع في المجتمعات، مما يؤدي إلى تطورها وجعلها مجتمعات متقدمة تقنياً، فتطور المجتمعات هو ناتج طبيعي لتطور العلم والتقنية. والنمو الاقتصادي المصاحب للبحث العلمي يأتي كنتيجة أن البحوث العملية الأساسية ستؤدي لتقنية جديدة ثم إلى فرص عمل وتطور اقتصادي وازدهار المجتمع.
وإن كنت أرى أن الخطوة الأولى تبدأ بنشر الوعي بالعلم التطبيقي أو الصناعي في قاعات الدراسة ووسائل الإعلام المختلفة، بتوضيح كيفية النظر إلى العلوم والمعارف الأساسية كنواة لتطبيق تقني يحل مشكلات وينفع المجتمعات بنقل هذه العلوم من مفاهيم مجردة إلى واقع ملموس. عندها فقط نكون قد أبرزنا جمال العلم وأثرنا فضول الجيل الجديد ليكون جيلاً مُفكراً تقنيّاً، وأسسنا لحضارة تقنية. وهذا من شأنه أن يمنح المجتمع القوة التقنية الحديثة المنتجة لا المستهلكة.