جديد العلوم

تتميز بصغر الحجم والاستهلاك المنخفض للطاقة.. جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تختبر رقاقة تحاكي بيولوجيا الدماغ البشري

منذ بداية اختراع الكمبيوتر، كان العلماء يأملون في خلق نظام حوسبي له قدرة على محاكاة دماغ الإنسان من أجل تسهيل حياة البشر وحل المشكلات التي تواجههم في حياتهم اليومية وذلك من خلال أجهزة والآلات تؤدي مهام كانت تستنزف الكثير من الجهد والوقت. وفي اربعينيات القرن الماضي طور العلماء ما يعرف باسم الشبكات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks ANN، والتي تعد احد أهم ركائز التطور والتقدم في عالم تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي بدوره عبارة عن محاولة لتعليم الآلات محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. هذه الشبكات عبارة عن نماذج حسابية مستوحاة من الشبكات العصبية البيولوجية، تقوم بتخزين البيانات والمعرفة العملية والمعلومات التجريبية، ومن ثم يتم تدريب الآلات على انتاج الحلول للمشكلات.

اليوم تتطور تقنية الذكاء الاصطناعي بسرعة، بالتزامن مع حدوث ثورة في عالم التطبيقات الجديدة عبر عدة مجالات، تشمل على سبيل المثال لا الحصر: الأتمتة المتقدمة، واستخراج البيانات وترجمتها، والرعاية الصحية والتسويق. كما تعتمد هذه الأنظمة على شبكة عصبية اصطناعية حسابية (ANN)، تتركب من عُقَدٍ مُكوّنةٌ من عدة طبقات، تعمل على تحسين عمليّات اتّخاذ القرارات. وتتم العملية كالآتي: في بادئ الأمر يتم إدخال البيانات المصنفة في النظام “لتدريب” النموذج على الاستجابة بطريقة معينة، ثم يتم تأمين قواعد اتخاذ القرارات، ومن ثَمّ يتم إدخال النموذج في الخدمة على أجهزة الحوسبة القياسية.

في حين أن هذه الطريقة تعمل، إلا أنها لا تستطيع مجاراة الشبكة العصبية الأكثر تعقيدًا وقوةً وكفاءةً، التي تتكون منها أدمغتنا بالفعل.

وفي هذا الصدد يعمل حاليا فريق علمي من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست), على تقديم حلول مبتكرة لتحقيق أعلى معدلات السرعة والكفاءة للذكاء الاصطناعي عبر تحميل الشبكة العصبية التي تحاكي بيولوجيا الدماغ البشري على شريحة ميكروية.. كان للشبكة العصبية “المتصاعدة ” المحاكاة بيولوجياً على شريحة ميكروية الفضل في تمكين باحثي “كاوست” من وضع الأساس لتطوير نظم حوسبة الذكاء الاصطناعي القائمة على أجهزة تتمتع بكفاءة أعلى.

حوسبة مكثفة

يقول وينزي جو، وهو طالب في مرحلة الدكتوراة في «كاوست»، وأحد أعضاء فريق البحث: “تعد الشبكة العصبية الاصطناعية (ANN) نموذجاً حسابياً تجريديّاً، يحمل القليل من التشابه مع الأجهزة العصبية الحقيقية، ويتطلب قوة حوسبة مكثفة”.

ويكمل: “من ناحية أخرى، فان الشبكة العصبية “المتصاعدة” SNN تعمل بنفس طريقة عمل الجهاز العصبي البيولوجي، ويمكنها معالجة المعلومات بطريقة أسرع وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة”.

ويُذكر أن الشبكات العصبية “المتصاعدة” من الجيل الثالث تهدف إلى سد الفجوة بين علم الأعصاب والتعلم الآلي ، وتستخدم نموذجًا يناسب آلية الخلايا العصبية البيولوجية لإجراء الحسابات. وهي تحاكي بنية الجهاز العصبي كشبكة من نقاط الاشتباك العصبي التي تنقل المعلومات عبر القنوات الأيونية في شكل جهد الفعل.

أما العامل الرئيسي الذي يجعل من الشبكة العصبية “المتصاعدة” شبكةً موفِّرةً للطاقة، فيكمُن في ما يسمى “نموذج الدمج والنار المتسرب”، وهو في هذه الحالة سلوكٌ موجَّهٌ تم تطبيقه رياضياً، ويعد أحد الأدوات المهمة في الحوسبة العصبية، فضلاً عن أن هيكل العُقَد المترابطة يوفّر درجة عالية من التوازي، مما يعزز من قوة المعالجة وكفاءتها، ويفسح المجال للتنفيذ مباشرة في أجهزة الحوسبة كشريحة عصبية.

رقاقة قياسية

يقول جو: “لقد استخدمنا رقاقة قياسية منخفضة التكلفة، وتتمتع بوجود مصفوفة البوابات المنطقية القابلة للبرمجة، (دائرة متكاملة صُممت لكي يتم تعديل أو تصميم أنظمة متكاملة حتى بعد عملية التصنيع)، كما طبقنا نموذجًا لمرونة الدماغ التي تعتمد على توقيت الارتفاع، وهي قاعدة تعلُّم بيولوجية تم اكتشافها في أدمغتنا”.

وعلى جانب عظيم من الأهمية، فإن هذا النموذج البيولوجي لا يحتاج إلى تلقين الإشارات أو الملصقات، مما يسمح لنظام الحوسبة العصبية بتعلُّم أنماط بيانات العالم الحقيقي دون الحاجة إلى تدريب.

وهو ما يعنيه جو بقوله: “نظرًا لأن نماذج الشبكة العصبية “المتصاعدة “معقدة للغاية، كان تهيئة إعدادات الشبكة العصبية لتحقيق أفضل أداء طريق محفوفة بالصعاب. ما إن تغلّبنا عليه حتى قمنا بتصميم الهيكل الأمثل للأجهزة، آخذين بعين الاعتبار التوازن بين التكلفة والسرعة واستهلاك الطاقة”.

سرعة وكفاءة

وعليه فقد أثبتت الرقاقة التي تحاكي العقل البشري، المُبتَكرة من قبل الفريق، أنها أسرع بنحو ٢٠ مرة، وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة بمعدل ٢٠٠ مرة من منصّات الشبكات العصبية الأخرى.

ويختتم جو حديثه، فيقول: “هدفنا الأساسي هو بناء نظام حوسبة يحاكي الدماغ البشري، ويتميز بصغر الحجم والسرعة والاستهلاك المنخفض للطاقة. وتتمثل الخطوة التالية في تحسين تصميم الرقاقة، وتعزيز عملية تغليفها، بالإضافة إلى تصغيرها، وتخصيصها لتطبيقات صناعية متنوعة من خلال التعاون مع الجهات المختلفة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى