مقالات

العربية ملكة اللغات المتوجة.. وهذا هو الدليل

في حضرتها يوم عيدها.. في عيدها وكل يوم عيدها، تبدو صاحبة الجلالة والفخر طوق جيدها، فهذا كهل يكتب خاطرة وطفل يشدو لتميم البرغوثي في القدس، ينتشي ذلك الطفل ثم قرر أن يعيدها، “في القدس من في القدس، لكن لا أرى في القدس إلا أنت”، فيشدني طفلي متوجها للعربية أقول لها من جديد، لكن لا أرى في القدس قداسة الزمان والمكان والعلم والقرآن إلا أنت، في عيدها يتجدد التمسك بها، العربية أيها السيدات والسادة زمرد زبرجد عسجد وأقحوان، لماذا نحتفل بالعربية، بل لماذا لا نحتفل بالعربية؟

لغة النغم والحركة واللون والطعم

العربية تلك اللغة التي تعج بالحياة، لغة الصوت والصورة التي صورت لنا إرهاق أهل النار في جهنم بحرف واحد في سورة المعارج في قوله تعالى على لسان أهل النار “ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه” حيث أظهر هذا الحرف (حرف الهاء) لهاث الكافرين وتعبهم ومدى الندامة الظاهرة في صوتهم.

كما صورت ابتسامة سيف عنترة في المعركة عندما تذكر عبلة، بل لعلك تسمع قرع تلك الضربة التي تمناها عبد الله بن رواحة في سبيل الله يوم قال “وضربة ذات قرع تقذف الزبد”، أما إن نعمت ببضع و10 أبيات وصف بها جدنا المتنبي أسدًا يمشي متبخترًا، فيقول “كأنه آس يجس عليلا”؛ فوصف ذاك التبختر المتأني الذي يرفع قدمًا ويضع أخرى كذاك الطبيب الذي يفحص مريضًا بتؤدة خشية تألم المريض، ولعلك تجد مرارة السقم في فم السقيم بل في شعر المتنبي “ومن يك ذا فم مر مريضًا” فتأمل تلك الحروف النابضة لحنًا ونغمًا وأنينًا.

العربية في اللغات العالمية

أظهرت الدراسات أن معظم لغات العالم قد أخذت من اللغة العربية كلمات؛ ذلك أن اللغة العربية هي اللغة الأولى عالميًا من حيث عدد الكلمات، فوفق ليلى جبريل في دراسة معجمية أجريت عام 2021، تعداد كلمات اللغة العربية 12 مليونًا و302 ألف و912 كلمة، تليها اللغة الإنجليزية بعدد كلمات 600 ألف كلمة لتزيد عنها اللغة العربية قرابة 25 ضعفًا، في حين أن الفرنسية لا تتجاوز 150 ألف كلمة، وعدد الكلمات الروسية 130 ألف كلمة، في حين أن مفردات الصينية 122 ألفًا و800 كلمة، وبلغ عدد الكلمات التركية 111 ألف كلمة، فقد دفع الفارق الفلكي بين هذه اللغات إلى الاستعانة باللغة العربية واستعارة بعض الكلمات التي تثبت علو كعب اللغة العربية بين اللغات؛ فقد أظهرت الدراسة أن هذه اللغات العالمية قد أخذت من العربية، مع اختلاف بسيط أو تحوير في لفظها أو مخرجها.

كما أظهرت الدراسة أن اللغة الإنجليزية أخذت من العربية قرابة ألف كلمة، في حين أخذت اللغة الفرنسية 700 كلمة، وقد أخذت البرتغالية 3 آلاف كلمة من العربية، وبينما يرجع أصل 400 كلمة ألمانية إلى اللغة العربية، و6 آلاف في اللغة التركية إلى العربية أيضًا، أما أكثر اللغات أخذًا من العربية فهي الأوردو حيث ما يقرب 7500 كلمة منها عربية، أرأيت تفضلت وتفوقت على مثيلاتها غير المساويات لها من اللغات العالمية.

لغة الاشتقاق تملأ الآفاق

لعل خاصية الاشتقاق في اللغة العربية جعلت منها لغة ولودًا وغزيرة مدرارة للمفردات، مما جعلها قادرة على استيعاب كل جديد من الأوضاع والمكتشفات وبطريقة رائعة نابضة بالحياة، فعلى سبيل المثال، بعد اختراع السيارة كان سهلًا بل وبديعًا من اللغة العربية أن تطلق على هذه الآلة سيارة؛ ذلك لأنها تسير وتسير وما ذاك إلا اشتقاق على أجمل ما يكون الاشتقاق، أما اذا نظرت إلى سيد الماضي القريب والحاضر والمستقبل “الحاسوب”؛ ذلك المنتج الذي يحسب خوارزميات معقدة ومعادلات شائكة لتنفيذ مهمة معينة، لقد اشتق لهذا الحاسب من فعله اسمًا، ولكن الجمال الأخاذ أن تتم صياغته على وزن اسم الآلة فاعول والذي جمعه فواعيل.

العربية وضخامة المفردات

يسعد العرب ويفخرون بأن لغتهم لغة عظيمة نضاخة بالمفردات عميقة بالمعاني، حيثما وجدت وأينما وضعت سدت مسدًا لا يسده سواها، كما حبّر شاعر العربية حافظ إبراهيم على لسان العربية:

وســعت كتـــاب الله لفظا وغايـــة        وما ضــقت عن آي به وعظـــات

واستدل العرب على علو كعب لغتهم بين اللغات على أنه – منذ فجر التاريخ – لم يسجل أن استعارت العربية مصطلحًا واحدًا أو كلمة، قد يستعير العرب في المحكي من لسانهم، لكن العربية لا تستعير، فالعربية تنحت لكل شيء من فعله أو من أصله اسمًا لا يدل على سواه؛ فقد نحتوا لتلك الآلة التي تحمل الناس في الأبراج والبنايات الشاهقة فتصعد بهم إلى حيث يشاؤون اسمًا فقالت “المصعد”، وأما ذلك الجماد المتكلم الذي يذيع على الناس ما حولهم من أخبار وأحداث، فقد أطلقوا عليه اسم “المذياع”، والأمثلة أكثر من أن تحصى.

ستبقى العربية لغة عالمية بما تحتويه من جواهر وبما احتواها من علوم وأجلها كتاب الله الكريم، لن يضير العربية إهمال البعض لها؛ إذ أن قيمتها في ذاتها ليس في شيء آخر.

د. عبد الرحمن إبراهيم سليمان اصليح

باحث ومحاضر في مجال مناهج اللغة العربية وتعليمها بجامعة العلوم الإسلامية الماليزية

مدونة الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى