منوعات

“الكيت كات” و”سارة” استثناء.. ذو الاحتياجات في الدراما العربية.. “عبيط” حتى إشعار آخر!

مازالت صورة الأشخاص ذوي الاحتياجات في الدراما العربية بشكل عام، وخصوصا في السينما، مشوهة إلى حد بعيد. ومن المؤسف أن بعض صناع الدراما العرب لا يجيد فن التعاطي دراميا مع هذه الفئة، وهو الأمر الذي يخدش كرامتهم ويشعرهم بالدونية والاضطهاد أحيانا.

فيلم الكيت كات
فيلم الكيت كات

ويرى النقاد أن تناول الدراما التليفزيونية والسينما لصورة المعاقين، جاء من المرتبة الثانية، مثلما يتم التعامل معهم في الحياة أحيانا، باعتبار أن الفن عمل موازٍ للحياة، فهم في الحقيقة والواقع مثل التمثيل، يظهرون إما في صورة “عبيط القرية”، الذي يقول الحكمة أو الألغاز غير المفهومة مثل شخصية “ابن صبيحة”، الأبله الذي يموت برصاصة طائشة في النهاية، رغم أنه لا يُعادي أحدًا، ويُلقي بالكلمات غير المفهومة والتي أداها الفنان محمد توفيق في فيلم “حسن ونعيمة”. أو في صورة الأعمى ذي الروح الفكاهية والذي يتغاضى أمام الناس عن عاهته رغم أنها تقتله داخليًا مثل شخصية “الشيخ حسني” التي قام بها الفنان محمود عبد العزيز في فيلم “الكيت كات”، أو القزم الذي يظهر للسخرية منه فقط!.

الفنان محمد توفيق ومشهد من فيلم حسن ونعيمة

استغلت الدراما العربية في معظم الأعمال التي تناولت شخصية المعاق، نفسيته وتعامله مع الآخرين، من أجل التأثير عاطفياً على المشاهد وكسب شفقته

واستغلت الدراما العربية في معظم الأعمال التي تناولت شخصية المعاق، نفسيته وتعامله مع الآخرين، من أجل التأثير عاطفياً على المشاهد وكسب شفقته، وهذا التأثير جعل من المعاق في المجتمع مستدراً للعطف ويتم التعامل معه وفق الصورة التي قدمتها الدراما، فقد أثبتت الكثير من الدراسات النفسية المرتبطة بوسائل الإعلام دور التجسيد المرئي للشخصيات في إحداث التأثير على المتلقي وتغيير سلوكه الحياتي سلباً أو إيجاباً تجاه كثير من القضايا التي تتعرض إليها الدراما في أشكالها المختلفة.

ويرى البعض أن الأعمال التلفزيونية تتحمل المسؤولية الكبرى عن سيطرة الصورة الكوميدية والسفيهة عن المعاق، في الدراما العربية، ذلك لأن التلفزيون هو الوسيط الإعلامي الأكثر شهرة وانتشارا في البيوت وبين مختلف الفئات العمرية، فقد ساهمت أغلب المسلسلات في تقديم صورة مشوهة غالبا من حيث الأداء الذي قدمه الفنان والقيم الإنسانية التي يملكها حقيقة شخصية المعاق، بالإضافة إلى تصوير بعض القدرات والمواهب الخارقة التي قد تظهر عند بعض المعاقين خاصة أصحاب مرض التوحد، وسير العباقرة.

بالغت بعض المسلسلات في تشويه صورة ذوي الاحتياجات، حيث أظهرتهم على شكل أناس خطرين ومجرمين ولصوص

من جهة أخرى، بالغت بعض المسلسلات في تشويه صورة ذوي الاحتياجات، حيث أظهرتهم على شكل أناس خطرين ومجرمين ولصوص، كما جاء في مسلسل “باب الحارة”، الذي قدم شخصية “صطيف الأعمى” على أنه جاسوس وقاتل وسارق، وهذا التجسيد أثر في سلوك الأفراد تجاه المعاقين جسديا، وفقد صورته المتعارف عليها حياتيا، لتحل محلها الصورة التي قدمتها الدراما والتي يعتمد عليها شكل التعاطي مع المعاق كشخصية شريرة.

أما الفنانة “سميرة أحمد”، فكانت الوحيدة التي مثَّلت 5 أفلام تعبر عن المعاقين، وهي أفلام “أغلى من عينيَّه” في العام 1955 والتي تجسد فيه دور العمياء التي تحب شخصًا مشوَّهًا، ثم “جسر الخالدين” في العام 1960 التي أدت فيه شخصية الفتاة الضريرة التي تقاوم صعوبات الحياة لتثبت أن بإمكانها أن تعيش مثل الآخرين.

وفيلم “رجل في حياتي”، ثم فيلم “قنديل أم هاشم”، الذي جسَّد الوضع الفعلي للمعاقين في المجتمع في هذه الفترة الزمنية، ثم فيلم «العمياء» العام 1964، والذي تظهر فيه في شخصية “نعيمة” العمياء، والتي تعيش مع اثنين من الشباب هما “خليل” و”أديب”، فالمعاق هنا لا يحرِّك العالم، بل العالم هو الذي يحركه، بالإضافة إلى فيلمها “الخرساء”، حتى أن كثيرًا من النقاد أطلقوا عليها لقب “ممثلة العاهات”؛ نظرًا لاهتمامها الشديد بهذا القطاع العريض من الجماهير.

فيلم الحرامي والعبيط

أزمة “الحرامي والعبيط”!

حين عرض فيلم “الحرامي والعبيط” عام 2013 طالب المجلس القومي لشؤون الإعاقة في مصر، بوقف عرضه لإظهاره المعاق بصورة سلبية، وطالب المجلس خلال اجتماع لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، المصري، بتغيير نظرة المجتمع للمعاقين، موضحاً أن مصر بها 4 ملايين طفل معاق.

وعلى مستوى الدراما التليفزيونية لم يختلف الأمر كثيرًا، فقد ظل المعاق على هامش الأعمال الفنية، مثل شخصية “العبيط” التي قام بها الفنان أشرف عبد الباقي في مسلسل “وما زال النيل يجري”، كذلك شخصية “وليد” المعاق ذهنيًا في مسلسل “الرجل الآخر” بطولة الفنان نور الشريف، إلا أن مسلسل “سارة” الذي قامت ببطولته الفنانة المعتزلة حنان ترك، يُعد الاستثناء الأهم في تعامل الدراما بشكل إيجابي مع المعاق من خلال قصة فتاة وُلدت بإعاقة ذهنية.

مسلسل “سارة” الذي قامت ببطولته الفنانة المعتزلة حنان ترك، يُعد الاستثناء الأهم في تعامل الدراما بشكل إيجابي مع المعاق

حيث توقف نموها العقلي عند مرحلة الطفولة ثم تدخل في غيبوبة لعدة أعوام، إلا أن الأقدار تضعها أمام طبيب شاب يقرر خوض مغامرة إنقاذها من غيبوبتها وتعليمها، وينجح في أن يجعلها تسترد حياتها وثروتها من أسرتها التي تجاهلتها ومنعتها من حقوقها، وكأن المسلسل يشير إلى الأسرة الأكبر وهي المجتمع الذي يمارس أدوارًا سلبية اتجاه المعاق، وقد استطاع المسلسل الدخول إلى عالم النفس وتحليل المشكلة ومحاولة حلها، الأمر الذي جعله المسلسل الوحيد تقريبًا الذي حفظ للدراما ماء الوجه أمام المعاقين.

وبجانب هذه الصورة السلبية التي قدمتها الدراما بشقيها التلفزيوني والسينمائي، فإن الأغاني العربية قدمت شخصية المعاق كجزء من حكاية الأغنية التي تعتمد على الإضحاك والأسلوب الكوميدي، مستغلة جانبا ومشهدا بصريا من الإعاقات. كما ظهر هذا واضحاً في كليب أغنية “قرّب ليّا” للمطرب ساموزين وأغنية “وين أنت” للمطرب حبيب علي، وفي أغنية نجاة الصغيرة “لا تكذبي” اعتمدت صورة قلقة ومريبة للمعاق تقوم على الشك والتوجس.

ولذلك، أصبحت الحاجة ماسة وضرورية لعرض شخصية المعاق وقضاياه بدون مجاملات أو مبالغات أو تسفيه أو تهريج، لأن هذه الفئة تشكل شريحة كبيرة في مجتمعاتنا، ومعالجة همومها من خلال الدراما بكافة أشكالها يساهم في خلق صورة إيجابية وواقعية ومتفائلة عنهم، باعتبارهم جزءا من المجتمع له حقوق وعلى كافة المؤسسات المعنية مساعدته في الحصول عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى