منوعات

اليوم العالمي للإبداع والابتكار.. كيف نحيي المبتكر؟

يصادف الأربعاء 21 (أبريل) “يوم الإبداع والابتكار”، حيث تبنت “الأمم المتحدة UN” هذا اليوم، عام 2017، ليصبح يوماً عالمياً يحتفل به العالم بأسره. وينضم هذا اليوم بذلك إلى عدد من الأيام العالمية، المعتمدة دوليا، مثل: اليوم العالمي للجودة Quality“، و”اليوم العالمي للسعادة Happiness“، وغير ذلك. وترتبط، مثل هذه الأيام، بموضوعات حيوية يجدر بالجميع تذكرها، نظرا لأهميتها المستمرة المؤثرة في الإنسان أينما كان. والتذكر هنا لا يفترض أن يعني خاطرا جميلا يمر على البال، ثم يذهب مرة أخرى إلى النسيان، بل يجب أن يعني خاطرا يحفز العمل في الموضوع، ويزيد النشاط في مضامينه، ويحقق الإنجاز والفوائد في مجالاته.

نريد في هذا المقال، وبمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار، تقديم “تحية للمبدع والمبتكر”، ليس فقط لشكر وتقدير من أبدع وابتكر في الماضي، بل لتهيئة البيئة اللازمة لمن سيبدع ويبتكر في المستقبل أيضا. فالحاجة المستقبلية إلى الإبداع والابتكار كبيرة في هذا العصر، لأن التنافس المعرفي المتسارع حول العالم، يبحث عن أفكار جديدة ومتجددة، تتمتع بقابلية للتوظيف، وتقديم معطيات تحمل “قيمة” للآخرين. فتقديم مثل هذه القيمة خدمة للمجتمع من جهة، ونجاح للمبدع والمبتكر يعود عليه وعلى المؤسسة التي ينتمي إليها بالفائدة والنفع من جهة أخرى.

الإبداع هو تقديم أفكار جديدة رائدة، أو ربما متميزة تتفوق على أفكار سابقة، ولا يكتفي الابتكار بمثل هذه الأفكار فقط، بل يسعى إلى جعلها قابلة للتوظيف وتقديم الفوائد وتعزيز التنمية. ولا يقتصر الابتكار على إعطاء مخرجات علمية وتقنية تحمل قيمة، بل يشمل تقديم معطيات اجتماعية تتمتع بقيمة أيضا. وقد يكون في مثل هذه المعطيات الاجتماعية جوانب ترتبط بالمخرجات العلمية والتقنية، من حيث حسن إدارتها وكفاءة تسويقها، والاستفادة منها بفاعلية، وتطوير أثرها في حياة الإنسان. ولا ينفصل الإبداع عن الابتكار، فأفكار الإبداع تحتاج إلى الابتكار كي تصبح مفيدة، ومعطيات الابتكار تحتاج إلى الإبداع كي تستند إلى أفكار واعدة.

و”المبدع” هو بالطبع مصدر الأفكار الرائدة والمتميزة، و”المبتكر” هو المستوعب لهذه الأفكار وصانع الفوائد التي تحملها هذه الأفكار، وربما نضيف هنا “رائد الأعمال” الذي يستثمر في هذه الفوائد ويقدمها للناس. وقد نجد أمامنا إنسانا واحدا، هو المبدع، وهو المبتكر، وربما هو رائد الأعمال أيضا. وقد نجدهم أشخاصا مختلفين، ثم قد نجد هؤلاء ضمن فريق عمل واحد، أو فرق متعددة. والنتيجة هي أن “الإنسان” هو مصدر الإبداع والابتكار وريادة الأعمال.

الإنسان القادر على الإبداع والابتكار موجود في كل زمان ومكان، لكن تفعيل قدراته وتمكينه من الإبداع والابتكار يرتبطان “بالبيئة” التي تحيط بالإنسان عبر مسيرته في الحياة. وإذا كنا نريد أن نحيي “المبتكر”، فإن علينا أن نبني “البيئة المناسبة” من حوله، البيئة التي تتيح له إبراز إمكاناته، وتسمح له بإطلاق مبتكراته، وتشجعه على المزيد. وترتكز مثل هذه البيئة، بشكل رئيس، إلى ثلاثية “التعليم، والمجتمع، والمؤسسة”، وعلى ذلك فإن “تحية المبتكر” يجب أن تتضمن الاهتمام بهذه الثلاثية وأثرها في رعاية المبتكر وتمكينه.

إذا بدأنا “بالتعليم”، نجد أن الابتكار يأمل في الابتعاد عن التعليم التلقيني لمصلحة “التعليم التفاعلي” الذي يبرز إمكانات الناشئة، ويكتشف مواهبهم، ويسعى إلى رعايتها وتنميتها، إضافة إلى تفعيل قدرتهم على الإبداع والابتكار. في هذا الإطار، هناك رأي مهم، في مسألة اكتشاف المبتكر ورعايته، توصلت إليه الباحثة “كينج هي كيم Kyung Hee Kim” التي تعمل أستاذة في “كلية وليم وماري College of William & Mary“، الجامعة البحثية العريقة في ولاية فيرجينيا الأمريكية. يقول هذا الرأي، “إن استخدام نتائج اختبارات “محصلة الذكاء IQ” كوسيلة لاكتشاف الموهوبين القادرين على الابتكار يؤدي إلى إهمال قدرات الابتكار المتميزة لنحو 70 إلى 80 في المائة” من الطلاب”. ويأتي هذا القول معترضا على كثير من الجهات التعليمية التي تعتمد نتائج هذه الاختبارات في سعيها نحو اكتشاف المبتكرين الواعدين.

تركز اختبارات “حصيلة الذكاء IQ” على التميز في المجالات التالية: “التعامل مع الأرقام، والتعامل مع اللغة والكلمات، والقدرة على التصور الفراغي، إضافة إلى القدرة على التحليل المنطقي”. وقد رأت الباحثة أن التفوق في هذه المجالات، لا يعني بالضرورة وجود إمكانات خاصة في الإبداع والابتكار، لأن لهذه الإمكانات عوامل أخرى أوسع من ذلك بكثير، يجب الاهتمام بها وتجنب إهمالها. وتقدم الباحثة، في هذا المجال، توصيات تستند إلى نتائج بحثية، منها على سبيل المثال أن هناك فائزين “بجائزة نوبل” لا يتمتعون بنتائج متقدمة في “حصيلة الذكاء IQ“. وسنعود إلى هذا الموضوع في مقال قادم بمشيئة الله.

بعد مسألة التعليم، يأتي موضوع “المجتمع” وأثره الذي يبدأ من المنزل مع الأسرة، ويشمل الإعلام المحلي والخارجي، ومعطيات الإنترنت، ونوادي الهوايات، فضلا أيضا عن النشاطات المدرسية اللاصفية مثل: “واحات الحوار والابتكار والتجدد”. ولا شك أن “الشغف المعرفي” يجعل التوجه نحو الابتكار “ترفيها”. وعلى ذلك فإن تفعيل مثل هذا الشغف وتعزيزه، عبر نشاطات اجتماعية مختلفة، يوفر له الإمكانات اللازمة ليس فقط لتقديم مبتكرات متجددة، بل للاستمتاع بذلك أيضا، وعد تمضية الوقت فيه “ترفيها وليس عبئا”.

ويبرز أخيرا دور “المؤسسة”، حيث هناك حاليا معايير دولية لإدارة الابتكار في المؤسسات يجري إصدارها من قبل “مؤسسة المواصفات والمقاييس الدولية ISO” تحت الرمز “ISO 56000“. وعلى المؤسسات بكل أشكالها أن تهتم “بالإبداع والابتكار” في مخرجاتها، لأن في ذلك تفوق لها وتميز لمعطياتها. وتشجيعا لهذا الأمر تحتفل “الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة SASO“، الراعية للتوصيات المعيارية الدولية والمحلية في المجالات المختلفة، “باليوم العالمي للإبداع والابتكار”.

ونقول أخيرا، إن هذا المقال يقدم التحية “للمبدعين والمبتكرين الواعدين”، بمناسبة اليوم العالي للإبداع والابتكار. وتدعو هذه التحية إلى “اهتمام أكبر بتطوير البيئة المحيطة بهم”، وجعلها راعية لهم، ممكنة لقدراتهم، ومفعلة لعطائهم، وذلك عبر “تعليم متطور، ومجتمع داعم، ومؤسسات طموحة متجددة”.

أ.د. سعد علي الحاج بكري

جريدة الاقتصادية السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى