منوعات

الذكاء الاصطناعي ومخاوف البطالة التكنولوجية

أدى الانتشار السريع فى استخدام الذكاء الاصطناعي والربوتات فى الإنتاج والاقتصاد, إلى التوسع فى استخدام (التشغيل الآلي) أو ما يعرف بـ “الأتمتة”. ويمكننا أن نقول إنه وعلى المدى البعيد سوف يجري استبدال العديد من الوظائف بالأتمتة. فضلاً عن خلق وظائف جديدة في مجالي الابتكار والبرمجة. وإن كان هذا الوضع سيعود بالنفع والازدهار لمالكي الروبوتات ومن يتمتعون بقدرات تكنولوجية مذهلة, إلا أن تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD يقلل من خطورة هذه الاتجاه على والظائف البشرية.

تأثير الأتمتة على العمليات الاقتصادية

       يشير مفهوم الأتمتة إلى استخدام الآلات والتكنولوجيا لجعل العمليات تعمل من تلقاء نفسها دون قوة بشرية. والتبني المبكر لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي (المنصوص عليها كزيادة سريعة في التنفيذ بداية من عام 2025) من شأنه أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1.4 % سنويًا. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة في جودة المنتجات والخدمات المتاحة للاستهلاك من خلال المنافسة وانخفاض الأسعار، وهذا بدوره سيزيد من الأجور الحقيقية للعمال في القطاعات التي تشهد هذه التحسينات في الإنتاجية.

مثال عملي على ذلك:

أدى إدخال أجهزة الصراف الآلي (ATMs) إلى زيادة الطلب على صرَّافي البشر، حيث إن غالبية ساعات العمل التي كان يقضيها صرافو البشر قبل تقديم خدمة الصراف الآلي كانت تتمثل في منح العملاء نقودهم وتحديث حساباتهم المصرفية. ولقد أدى الـ ATM إلى إعادة تخصيص وقت الصرافين البشريين لأنشطة أكثر ربحية، مثل: تحسين خدمة العملاء وزيادة المبيعات للعملاء. وفي الوقت نفسه خفضت أجهزة الصراف الآلي مقدار المساحة والاستثمار اللازمين للتعامل مع الوظائف المصرفية الأساسية؛ مما سمح للبنوك بفتح المزيد من الفروع الصغيرة بتكاليف أقل.

الإمكانات العالمية للأتمتة

       لا تزال نسبة كبيرة من الشركات حول العالم تتميز باعتماد منخفض على الروبوتات، وهذا أمر مثير للدهشة في البلدان المتقدمة وخاصة في أوروبا، حيث يمكن أن يكون التشغيل الآلي وسيلة لزيادة الإنتاجية وإبقاء الشركات في مكانها، وتعد السويد والدنمارك وألمانيا استثناءات ملحوظة على مستوى الدول الأوربية، ولكن حتى في تلك البلدان فإن عدد الروبوتات أقل بكثير من الدول الآسيوية المتقدمة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان.

وتعتبر فرنسا حالة خاصة في هذا الشأن، حيث إنها تُعدُّ دولة معروفة بصعوبة الحفاظ على القدرة التصنيعية المحلية، إلا أنه لا يزال عدد الروبوتات الصناعية بها منخفضًا. ووفقًا لدراسة حديثة من الاتحاد الدولي للروبوتات (IFR)، كان هناك 127 روبوتًا لكل 10000 موظف في قطاع التصنيع في فرنسا في عام 2015، مما وضع الدولة في المرتبة 14 في العالم، وفي هذه الحالة قد يكون الاعتماد الأكبر على الروبوتات هو الحل المطلوب لزيادة الإنتاجية وإنقاذ الوظائف المحلية بها.

خوف ليس وليد اللحظة

       دفعت التطورات السريعة في مجال الذكاء الصناعي والروبوتات – آخرها الروبوت صوفيا في المملكة العربية السعودية – صانعي السياسة والاقتصاديين إلى القلق من خطر انتشار البطالة، لأن الآلات ستهدد وظائف العمال.

       وتتناسب التخوفات الحالية من حدوث البطالة التكنولوجية، وهي البطالة الناتجة عن استبدال البشر بالروبوتات، مع السيناريو الكلاسيكي منذ 500 عام تقريبًا، حينما استشهدت الملكة إليزابيث الأولى –  ملكة بريطانيا – بنفس الخوف عندما نَفذ مخترعًا إنجليزيًا يُدعى وليام لي براءة اختراع لحياكة تلقائية. وقالت: “إنني أُعير اهتمامًا كبيرًا للنساء الفقيرات والشباب غير المحميين الذين يحصلون على خبزهم اليومي من خلال الحياكة”. إلا أن عدم منحه براءة الاختراع في نهاية المطاف لم يمنع المصانع من هذه استخدام الآلات.

       وعلى الرغم من أن الملكة إليزابيث الأولى كانت تخشى فقد بعض الوظائف القائمة عندما رفضت براءة اختراع لي، إلا أن تقنية النسيج انتهى بها الأمر إلى توفير المزيد من فرص العمل للحائكات، وبحلول نهاية القرن التاسع عشر كان عدد النساجين في المصنع أكبر بأربعة أضعاف ما كان في عام 1830.

تجربة أمازون

       وتُقدم شركة أمازون مثالًا أكثر حداثة لهذه الظاهرة، حيث زادت الشركة على مدى السنوات الثلاث الماضية عدد الروبوتات العاملة في مستودعاتها من 1400 إلى 45000 روبوت، ولم يتغير المعدل الذي يتم به توظيف العمالة البشرية، كما هو موضح في الشكل رقم.

الدول المتقدمة.. أقل مخاوف

       في عام 2013، أثار الباحثون في أوكسفورد الخوف من ثورة الروبوت، عندما قدَّروا أن ما يقرب من نصف الوظائف الأمريكية من المرجح أن تصير تلقائية، أي تعتمد كليًّا على الربوتات. ولكن بعد ثلاث سنوات وصلت دراسة أجراها معهد ماكينزي العالمي إلى رقم مختلف جدًا بعد تحليل 830 وظيفة، خلُص إلى أن 5 ٪ فقط منها يمكن أن تكون مؤتمتة بالكامل.

       وأوضح تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن هناك عدد أقل بكثير من العمال معرضون لخطر الإطاحة بهم من قبل الروبوتات في الاقتصادات المتقدمة (حوالي 14% فقط)، مقارنة بما كان متوقعًا في الماضي، حيث كانت التقديرات السابقة تشير إلى أن 47% من الوظائف فى الولايات المتحدة معرضة للخطر بسبب الروبوتات، وأن مخاطر هيمنة الروبوت في دول منطقة التعاون تتركز بشكل كبير على العمال ذوي المهارات المنخفضة، وتتمثل المخاطر في مزيد من الاستقطاب في سوق العمل بين العمال ذوي الأجور المرتفعة.

       وتأثُر الاقتصادات المختلفة بالذكاء الصناعي لا يرجع في المقام الأول إلى وجود قطاعات تصنيع أكبر ولكن لأن الوظائف تتم بطرق مختلفة. على سبيل المثال، الوظائف الأكثر عرضة للخطر في الدول المتقدمة هي تلك التي تتطلب أقل قدر من التعليم خاصة عمليات إعداد الطعام وعمال النظافة والعمال اليدويين في قطاعات مختلفة مثل التعدين والبناء والتصنيع، مثال ذلك: انخفضت نسبة العاملين في الوظائف ذات المهارات المتوسطة من 49٪ في عام 1995 إلى أقل من 40٪ في عام 2015، كما هو موضح في الشكل رقم.

ماذا عن الدول النامية؟

       يرى بنك التنمية الآسيوي أن الروبوتات في الدول النامية ستدعم الوظائف بدلًا من تدميرها، وأن المنافع الاقتصادية الأوسع نطاقًا ستفوق المخاوف من انتشار استخدام الروبوتات الصناعية، التي ستعمل جنبًا إلى جنب مع البشر، والتي من غير المرجح أن تحلَّ محلَّ موظفي المصانع في الدول النامية في آسيا. ويرى ياسويوكي ساوادا – كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي – أن إدخال التكنولوجيا الجديدة في المصانع سوف يؤدي حتمًا إلى تحسين الإنتاجية وخفض تكاليف الإنتاج وزيادة الطلب.

      وكذلك قلل بنك التنمية الإفريقي من شأن مخاوف البطالة التكنولوجية، استنادًا إلى كون التوسع السريع للروبوتات الصناعية والذكاء الصناعي وغير ذلك من أشكال الأتمتة سيعزز من المنافع الاقتصادية للتشغيل الآلي والتعلم الآلي والتكنولوجيات الجديدة الأخرى والتي تفوق الانقطاع في سوق العمل بسبب التكنولوجيا.

       ويرى بنك التنمية الآسيوي أن قطاعات التصنيع الأقل تهديدًا من الأتمتة، هي تلك التي تتطلب درجة عالية من المهارات اليدوية وتعتمد على العمالة منخفضة التكلفة، على سبيل المثال، يجب أن تكون روبوتات الخياطة – على افتراض أنها متطورة بما يكفي للعمل بالنسيج – منخفضة التكلفة بما فيه الكفاية، لتحلَّ محلَّ عامل ملابس بنغلاديشي يكسب 68 دولارًا في الشهر.

خلق فرص عمل جديدة في الوقت نفسه

       إن إدخال تكنولوجيا الذكاء الصناعي التي يمكن أن تعزز الإنتاجية يكون له تأثيرات غير مباشرة على القطاعات الاقتصادية المختلفة، قد تتمثل في توفير المزيد من فرص العمل البشري في بعض القطاعات، أو خفض تكلفة الإنتاج في قطاعات أخرى.

مثال ذلك:

قدّر البيت الأبيض لأوباما في تقرير عن الذكاء الصناعي والاقتصاد، أن ما يقرب من 3.1 مليون شخص قد يفقدون وظيفتهم عند تعميم السيارة ذاتية القيادة. وهذا قد ينتج عنه خلق وظائف جديدة في قطاعات أخرى مع اختفاء هذه الوظائف، مثل: مشغلين عن بعد للتعامل في حالات الطوارئ، وإصلاح أنظمة التشغيل الجديدة وصيانتها، وإعادة تشكيل البنية التحتية لتطويرات تعميم القيادة الذاتية.

ويشير التقرير إلى أن “التنبؤ بنمو الوظائف في المستقبل أمر بالغ الصعوبة، لأنه يعتمد على التقنيات التي لا وجود لها اليوم” .

وإذا كان الأشخاص الذين يخسرون وظائف القيادة لن يتمتعوا بالضرورة بالمهارات اللازمة لشغل الوظائف الجديدة، يمكن الاستجابة للأتمتة من خلال الاستثمار في التعليم، وإنشاء برامج تدريبية للعاملين مثل السائقين، الذين سيتم تشريدهم من خلال تكنولوجيا الأتمتة، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.

الحاجة المستقبلية إلى الأتمتة

       توصلت دراسة ماكينزي إلى أنه مع زيادة سن القوى العاملة وانخفاض معدلات المواليد في الاقتصادات المتقدمة، سيصبح الذكاء الصناعي أكثر ارتباطًا لتعويض النقص في الإنتاجية.  لأنه وفق تحليل ماكينزي، يمكن أن تساهم تقنية الأتمتة في رفع الإنتاجية العالمية بنسبة تتراوح بين 0.8 % إلى 1.4 % سنويَا، هذا فقط إذا استمر البشر في العمل.

      وبالتالي يمكن القول إن تعميم الأتمتة من شأنه أن يخفض حجم العمالة في بعض القطاعات الاقتصادية انخفاضًا حادًا أو إلغاء بعض الوظائف بها، ولكن الوظائف الجديدة التي ستُنشَأ في قطاعات أخرى قد تستوعب هذه الوظائف التي شردت، إضافةً إلى أن استخدام التقنية يؤدى إلى نمو الإنتاجية، مما يعزز بدوره الطلب ويخلق فرص عمل، وعلى المدى الطويل يؤدى نمو الإنتاجية الذي مكنته التكنولوجيا إلى خفض متوسط ساعات العمل في الأسبوع، بما يسمح للأفراد بالاستمتاع بمزيد من أوقات الفراغ.

خارج التطورات التكنولوجية، هناك مشكلات اجتماعية قد تظهر فى حال انتشار استخدام الأتمتة، مثل تراجع دور النقابات العمالية، وإضعاف قوانين العمل، والقوانين الضريبية التي تفيد الأغنياء، والسياسات التعليمية التي قد لا تتكيف مع عالم متغير، وهي مشكلات تتعلق بالسياسات، ويجب إصلاحها بدلًا من إلقاء اللوم على التكنولوجيا.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى