“السلويت”.. فن الخيال وإظهار حدود الظلال
ثمة مدارس فنية تخصصت بنوع محدد من الفنون الإنسانية بحيث تركت لها بصمة واضحة في تلك الفنون، ويعد (فن السلويت) أو التصوير التضادي من الفنون التشكيلة المهمّة.
أصل التسمية
أصل تسمية السلويت مأخوذة عن اسم عائلة وزير مالية فرنسا في منتصف القرن الثامن عشر وهو إتيان دو سلويت (Étienne de Silhouette)، وكان هذا الوزير قد دعا معاصريه إلى الاقتصاد المعقول، وعاتب النبلاء الفرنسيين على صرف المبالغ الطائلة بغية الحصول على اللوحات الفنية، كانت رسوم الخيال منتشرة ورخيصة حينها، وهو الدافع الذي جعل بعض الظرفاء في ذلك الوقت يطلقون عليها اسم عائلة ذلك الوزير، والتسمية نفسها اطلقت فيما بعد على الصور الفوتوغرافية التي تعتمد على فن اظهار الخيال.
وفن السلويت أحد أنواع الفنون التشكيلي التي تُعنى بإنتاج اللوحات الفنية على هيئة ظلال الأشياء دون وجود تفاصيل وصفيَّة تدل على الملامح الحقيقية لها، ويتم في هذا النوع من أنواع الفنون التشكيلة استخدام بعض الألوان لتكون هي الطبع الغالب في معظم أجزاء اللوحات الفنية، ومن أبزر الألوان المستخدمة في فن السلويت اللون الأبيض واللون الأسود، وعادة ما يستهدف فن السلويت إظهار جانب الظل من بعض أنواع الحيوانات أو ظلِّ الإنسان، ويمكن إنتاج اللوحات الفنية في فن السلويت على أنواع مختلفة من الخامات، كالورق، والجص، والشمع، وغير ذلك.
كما يعتبر السلويت أحد أنواع فن التصوير، التي تظهر فيها الأجسام سوداء تماماً. دون توضيح أي من ملامح الشخصية فقط الشكل المحدد الخارجي سواء كان كائن (إنسان – حيوان – طيور – جماد). وإذا كنت تريد الحصول على أفضل تصوير، عليك باختيار الوقت المناسب حتى تظهر بالشكل المطلوب. ويكون بعد الشروق بنصف ساعة على الأكثر أو قبل الغروب بنصف ساعة على الأكثر. لأن هذه الأوقات تكون الشمس فيها في أعلى الأفق أي أن إضاءتها تكاد تكون معدومة. فإذا كنت تريد تصوير منارة ما أو أخذ لقطة تصويري ذات معنى عميق يمكنك اتباع الخطوات التالية: يجب أن تكون فتحة العدسة ضيقة ويتم ضبطها على الوضع “AV”. أما بالنسبة لضيق العدسة يجب أن يكون يتراوح ما بين F16 وF20. ويجب ضبط حساسية العدسة أو ما يعرف ب ISO على 200 أو حتى على 400. ويفضل عدم استخدام أي إضاءة أمامية أثناء التصوير ولا حتى الفلاش. يكون من الأفضل استخدام ترايبود إذا كان موجود. لا يجب على المصور توجيه الكاميرا بشكل مباشر إلى الشمس، وذلك كي لا يصاب السينسور بأذى.
طريقة تنفيذ السلويت
لا يقتصر هذا الفن في الوقت الحاضر على الرسم، وإنما تعدى إلى فن التصوير، حيث يعتمد على تصوير الظل أو الخيال، أي يتم تصوير حدود الجسم الخارجية فقط، دون إبراز ملامحه، حيث يظهر باللون الأسود، ويمكن تصوير البشر والجمادات والنباتات والأشياء المختلفة بهذه الطريقة.
يُطلب من الشخص الذي يريد الحصول على صورة ظلية له بطريقة فن السلويت، أن يجلس بين لوحة الرسم ومصدر الضوء، بحيث يظهر ظله واضحاً على لوحة الرسم، ويمكن عمل حدود للخيال بحسب الرغبة، حيث يمكن التكبير أو التصغير، وليس شرطاً أن يكون الظل مطابقاً للأصل تماماً.
استخدامات أخرى
وهناك وجه آخر لفن السيلوت يخرج من إطار إنتاج اللوحات الفنية بنمط الظلال، حيث يتم استخدام الضوء من أجل تشكيل بعض المشاهد الناتجة عن وجود بعض الأجسام في الجهة المقابلة للضوء، فتتشكل أثناء حركتها بعض اللقطات الناتجة من تحرُّك الظلال، وهنا قد يتم استخدام فن السيلوت في بعض المشاهد التمثيلة التي تصف بعض المواقف أو المشاهد المستوحاة من الحياة اليومية، واستفادت بعض الصناعات التجارية والرياضية من فن السيلوت، حيث استخدم هذا الفن المشهديّ في عروض الأزياء واللياقة البدنية لغايات وصف المظهر الذي تبدو عليه الأجسام لدى ارتداء هذه الملابس أو ممارسة بعض العروض الرياضية المختلفة.
الفنان محمد القاضي رائد السلويت في الوطن العربي
مبدع من نوع خاص أدواته الورق المقوي والمقص تتجسد فيهما طاقته الإبداعية ليرسم ملامح الوجه بمقصه بعد أن ينسخها في ذاكرته هو الفنان محمد القاضي الذي حمل لواء فن السلويت بعد الفنانة فتنة رشاد التي كانت أول من أدخله لمصر.
محمد القاضي ابن الإسكندرية, بدأ أولي خطواته العملية بعد حصوله علي دبلوم طباعة الأوفست تخصص رتوش ومونتاج عام 1968، قضي حوالي خمس سنوات في الجيش وهي مدة التجنيد الطويلة والتي بدأت من عام 1969 وحتي عام 1974، مر فيها بعدة معارك مرورا بحرب الاستنزاف وحتي انتصار أكتوبر 73، ليعمل بعدها في شركة مطابع محرم الصناعية، وقد تعرف علي فن السلويت بالصدفة البحتة، وذلك من خلال زيارته للمعرض الصناعي الزراعي في عام 1969 وهي بداية مرحلة التجنيد فشاهد جناحاً لفن السلويت لرائدة هذا الفن في العالم العربي الفنانة فتنة رشاد.
ورغم أنها كانت زيارة سريعة خاطفة نظراً لإقبال الجمهور علي هذا الفن وازدحام المعرض الذي لم يمكنه حتي من رؤية وفهم تفاصيله إلا أن قلبه تعلق به وانبهر بقدرة الفنانة علي رسم بروفيل الملامح الجانبية لأي شخصية بالمقص والورق الأسود في ثوان معدودة.
عقب تلك الزيارة الخاطفة تمني أن يصبح مثل هذه الفنانة فقد انبهر بمسألة تلقي رد فعل فوري من المتلقي للعمل الفني، ولكن ظروف تواجده، بالقوات المسلحة لم تمكنه من الإمساك بالمقص للتجربة فكانت وسيلته الوحيدة هي التخيل والرسم علي الرمال بقطعة خشب، وكان يشعر أنه لو أمسك بالمقص سوف يرسم أي شخصية.
وتحقق له حلمه هذا في أول أجازة وأحس برد الفعل من المحيطين به، وخلال فترة لم تتجاوز الأشهر القليلة قام برسم الأقارب والأصدقاء حتي جاء موعد لقائه بالفنانة فتنة في معرضها عام 1970 وكانت قد سمعت عنه من أحد الأصدقاء والتقي بها بالفعل وعرض أعماله عليها التي أشادت بها وهو ما أعطاه دفعة من الأمل.
وكانت نقطة التحول التي غيرت مسار حياته والتي مازال لها الأثر الطيب في نفسه عندما جاء موعد معرض فتنة رشاد متواكبا مع سفرها لقبرص لحضور معرض نيقوسيا الدولي فطلبت منه أن يقوم بالرسم في جناحها الخاص حتي يعرف جماهيرها ومحبيها أنه يوجد من تأثر بها وبفنها ليكون هذا اليوم بمثابة نقطة انطلاقه في هذا المجال ليشارك بعدها في العديد من المعارض الفنية في أماكن متفرقة بالإسكندرية والقاهرة كما سافر بفنه إلي دولة الإمارات العربية وبالتحديد في الشارقة، وذلك لعمله كرسام ومصمم في مجال الطباعة بمختلف فروعها، ثم نقل بعدها إلي المصانع الحربية للعمل بها وبعد عدة سنوات تقدم بالاستقالة ليتفرغ تمامًا لهوايته في مجال السلويت إلي جانب حرفته في مجال الإعداد الفني للطباعة من خلال العمل الحر.