نابغون

من “أمينة حنفي” إلى “سميرة سلحدار”.. رائدات عربيات اقتحمْنَ حقلَ الهندسة وبَرَعْنَ فيه

إبانَ حصولِ الدول العربية على استقلالِها وإنشاء الجامعات، ظلتْ شُعبة الهندسة مِن الشُّعبِ العلميةِ والتقنية المُحتَكَرة من طرف الذكور في العالَم العربي، وكان التحاق الإناث بهذه الشعبة ضئيلاً جداً ودون المستوى المطلوب، غير أن هذه الهيمنة والاحتكار الذكوري؛ لمْ يَمنع من ظهور رائدات عربيات في أرجاءَ مختلفةٍ من الوطن العربي؛ اقتحمْنَ منذ أربعينات القرن العشرين حقلَ الهندسة وبَرَعْنَ فيه. ومع مطلع الخمسينات تخرجتْ من كلية الهندسة في القاهرة أولُ مهندسةٍ مصريةٍ وعربية؛ وهي الدكتورة “أمينة محمود الحفني”.

وفي العام الموالي تخرجتْ من كلية الهندسة ببغداد كُلاًّ مِن الدكتورة “سُعاد علي المظلوم” و”جوزفين غزالة”. وفي عام 1953م التحقتْ بهذا الثالوث النسوي السوريتان “ثبيتة الكيالي” و “سميرة السلحدار”.

 تُعتبرُ “أمينة محمود حنفي” أولَ امرأةٍ عربية حصلتْ على شهادة مهندس؛ وهي من مواليد عام 1926م، التحقتْ عام 1945م بكلية الهندسة بجامعة فؤاد ‏(جامعة القاهرة‏)،‏ وتخصصتْ في الهندسة الكيميائية‏ وتخرجتْ منها سنة ‏1950م‏. وأمينة؛ هي ابنة الطبيب المصري محمود حفني الذي شارك في ثورة 1919م، وتم فصلُه من كلية الطب، قبلَ أن يسافر إلى ألمانيا حيث أكمل دراستَه وتعرف على والدة أمينة وتزوجها. وكانت أمينة حفني كذلك أولَّ مصرية تحصل على درجة الماجستير في الهندسة الإدارية من الولايات المتحدة عام ‏1961م‏ ثم على الدكتوراه سنة ‏1970م‏. وكان موضوع رسالة الدكتوراه هو “قياس ورقابة الكفاءة الانتاجية للجهاز الحكومي”؛ وهو من تطبيقات الهندسة الإدارية. وقد نشطتْ حفني ضمن ” جمعية الهندسة الإدارية‏”‏ التي تأسستْ في مطلع السبعينيات وأقامت العديد من المؤتمرات العلمية من أجل نشر هذا العلم والتعريف به. كما كان لها نشاطٌ مُميّزٌ في الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقِها في التعليم؛ وكانت ترى أن عقلية الرجل هي التي تقف حائلا دون إكمال البنات لتعليمِهِنَّ ووصولهن للمناصب العليا؛ وليس عدم كفاءة المرأة‏.

أما في العراق فقد استقبلتْ كلية الهندسة في بغداد في العام 1945م أول طالبتيْن في الدراسات الهندسية وهما “سعاد علي مظلوم” و “جوزفين غزالة” اللتيْن تخرجتا عام 1951م. ولئن لم تتوفر الكثير من المعلومات حول “جوزفين غزالة” فإن العديد من المصادر تحدثت عن “سعاد مظلوم” لأسباب مختلفة منها انتماؤُها لعائلة مرموقة وتقلدُها وظائفَ عامة مختلفة؛ وكذلك لمكانة زوجها المهندس هشام المدفعي الذي تقلد مناصب رفيعة في العراق. وتقول المصادر أن “سعاد علي مظلوم” ولدت في بغداد سنة 1926م؛ وهي تنتمي لعائلة بغدادية مثقفة، فوالدها “علي مظلوم” كان مدرسا معروفا وهو مؤلف كتاب الرياضيات الذي ظل يستخدم في المدارس العراقية لفترات زمنية طويلة. كما كان أخويْها من كبار المهندسين المعماريين في العراق. عملتْ بعد تخرجها في دائرة المباني في بغداد ثم في موانئ البصرة ثم في إدارة الوقاية الصحية بوزارة الصحة؛ قبل أن تحصل على إجازة دراسية في المملكة المتحدة لمدة عامين؛ درست خلالهما التصميم الداخلي في كلية هامرسمث في لندن؛ وعادت إلى بلدها عام 1957م. التحقت بوظيفتها التي كانت تشمل مراقبة التزام المصانع والمؤسسات بالشروط الصحية وعدم إضرارها بالصحة العامة. وسافرت سعاد مظلوم إلى لندن من جديد عام 1961م لدراسة الهندسة الصحية؛ وهو ما أكسبها خبرة كبيرة في هذا الاختصاص النادر أفادتْ به بلدها على مدى عقدين من الزمن. وكانت وفاتها في أيلول عام 1984م بعد صراع طويل مع المرض.

وشهدت سوريا من جانبها تخرُّجَ أول مهندستيْن في صيف عام 1953م من جامعة دمشق. إذ كان من بين خريجي تلك السنة من كلية الهندسة طالبتين هما “سميرة سلحدار” و”ثبيتة كيّالي” لتكونا أول مهندستيْن في سوريا. وكانت “ثبيتة كيّالي” المولودة في حلب عام 1931م؛ أول فتاة سورية تنتسب لكلية الهندسة عام 1947م غير أنها توقفت عن الدراسة مدة عامين بسبب المرض قبل أن تلتحق بها زميلتها “سميرة سلحدار” ليتخرجا معا. وعملتْ الكيالي بعد تخرجِها في مكتب هندسي يملكه أحد أساتذتها بكلية الهندسة؛ ثم شغَلَتْ رئاسة عدة مصالح في بلدية حلب قبل أن تفتتح مكتباً هندسياً خاصاً بها، وتصبح وكيلا لشركة أميركية للمصاعد؛ وتساهم في تجهيز العديد من الأبنية الأهلية والحكومية بالمصاعد الكهربائية. وقد شاركت ثبيتة كيّالي في مؤتمر المهندسين العرب الذي عقد في الإسكندرية بمصر عام 1953م؛ ورحب بها كأول مهندسة على المستوى العربي تحضر المؤتمر.

أما سميرة سلحدار فهي من مواليد حلب كذلك عام 1929م، وقد انتسبت إلى الكلية بعد زميلتها ثبيتة بعام وتخرّجتا في آن معاً. والتحقتْ بعد تخرجها بِبلدية حلب، فكانت أول امرأة موظّفة تدخل البلدية، واستمرت في عملها حتى عام 1988م وشغلت مديرة الدِّراسات الفنّية. لم يكن من السهل على هؤلاء الرائدات اقتحام هذا المجال الذي ظل حكرا على الرجال لسنوات طويلة. لكنهُنَّ مَهَّدْنَ الطريق أمام بنات أوطانهن لخوض غمار الهندسة بمختلف تخصصاتِها بعد إزالة أهم عقبة كانت تحول دون ذلك ألا وهي العقبة النفسية.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى