كورونا.. وعصر الفعاليات الافتراضية
بحسب الأبحاث زادت الفعاليات الافتراضية فى ظل جائحة كورونا عبر الإنترنت بنسبة مائة في المائة في أبريل (2020) مقارنة بالشهر نفسه من عام 2019، وهو ما كشف عنه تقرير استشاري صادر مؤخراً لوحدة الدراسات التحليلية لدى “W7Worldwide” للاستشارات الاستراتيجية والإعلامية بعنوان “خطوات تنظيم الفعاليات الافتراضية الناجحة”.
ومما جاء في سياق التقرير الاستشاري: نمو قطاع إدارة وتنظيم الفعاليات العالمية القائمة على السحابة من 3.8 ملايين دولار (2019) إلى 8.2 ملايين دولار بحلول 2025، بمعدل نمو سنوي مركب 13.68 في المائة، ومن الخطوات الرئيسية لتنظيم فعالية افتراضية ناجحة في عهد «كورونا»: «التخطيط للفعالية والأجندة»، والتأكد من إنشاء المحتوى المناسب الخاص بالفعالية، وتنويع محتوى البرامج للحفاظ على تفاعل الجمهور. والخطوة الثانية لتنظيم الفعالية الافتراضية: الاهتمام بتأسيس “المنصة الرقمية” التي تتيح مميزات متقدمة من خلال إنشاء «ردهات افتراضية، وقاعات عارضين، ومساحات اجتماعات»، ويعد «تمييز الفعالية بعلامتها التجارية»، من الخطوات الرئيسة؛ لتعزيز فرصها، وزيادة ولاء العملاء لها.
ومن الخطوات: «مشاركة المحتوى» مع ضيوف الفعالية الافتراضية، من خلال المدونات ومقاطع الفيديو الخاصة بالمتحدثين ومنشورات الوسائط الاجتماعية؛ لإحداث التأثير المطلوب، ويُعد «الرعاة والشركاء» بمثابة العمود الفقري للفعاليات الافتراضية؛ لذلك حث التقرير على إشراك الرعاة من خلال «الجلسات الدعائية» و«استطلاعات الرأي والاستفتاءات»، والتشارك مع المتحدثين والسفراء الآخرين.
التواجد في القاعات قبل الجائحة، كان يسمح بتبادل النقاش الشخصي، وإجراء محادثات على مدار اليوم، ولكن في عصر الوباء أصبح الانتقال من محادثة إلى أخرى يتم بمجرد نقرة زر، مع تقليل فرص الترابط إلى حدها الأدنى.
تطبيقات تفاعلية
القيود التى فرضتها الجائحة، دفعت العديد من الشركات في “وادي السيليكون” للعمل على تقديم العديد من الأفكار الجديدة لتحسين الوضع، ومنها شركة “هوبين” التي تأسست عام 2019، واكتسبت زخماً كبيراً مع انتقال آلاف المؤتمرات الأكاديمية والمهنية إلى الإنترنت. وعلى عكس تطبيق زووم، فإن “هوبين” يتطلب بعض الإعداد قبل الاستخدام، حيث يتعين على العميل أن يأخذ الكثير من القرارات التحضيرية بدءاً من مخططات الألوان المستخدمة، والشعارات، وانتهاء بالرعاة والجداول الزمنية. وقال مؤسس هوبين، جونى بوفارات، في تصريحات لمجلة ويرد: «يمكن تشبيه الحل الذي نقدمه بعملية استئجار مبنى كبير لاستضافة حدث ما، من المحتمل أن يحتوي هذا المبنى على غرفة اجتماعات، مثل زووم، ولكن في باقي أرجاء المبنى هناك غرف تصلح لتنظيم الحدث الذى تريده سواء كان ليلة توظيف أو مؤتمر أو لقاء».
وبينما يركز تطبيق «هوبين» على الكفاءة، فهناك شركات أخرى تعمل بنشاط أكبر على إعادة إنشاء مناخ يشبه جو العمل التقليدي، حيث تأتي تطبيقات المكاتب الافتراضية التي تقدمها «تيم فلو» و«برانش» بمكاتب شخصية، ومناطق مشتركة، وغرف اجتماعات خاصة. وفي تطبيق «تيم فلو» يظهر الفيديو الخاص بك على شكل فقاعة تتحرك على المكتب الافتراضي، ويمكن التنقل بها إلى جميع أنحاء المكان، وذلك عن طريق الكتابة على لوحة المفاتيح.
معظم التطورات التي تحدث حالياً في عالم تطبيقات الاجتماعات الافتراضية تأتي استلهاماً من عالم ألعاب الفيديو. فمثلاً كان يقضي الرئيس التنفيذي لشركة «كومو سبيس»، يانغ مو، ساعات طويلة في ممارسة ألعاب الفيديو دون توقف، الأمر الذي نتج عنه ظهور التطبيق الخاص به والذي تأثر بشكل واضح بألعاب تقمص الأدوار. ووصف مو ما يحدث بالقول: «الأمر أشبه بالذهاب إلى المركز التجاري والتجول مع الأصدقاء».
يتم تنظيم الأحداث التي يستضيفها «كومو سبيس» في غرفة معيشة افتراضية، وبمجرد الدخول يمكن التفاعل مع العناصر الموجودة في المحيط حولك، كما يحدث في ألعاب الفيديو، فعندما تجلس على البيانو مثلاً، يمكن أن تبدأ العزف، وهكذا. ويرى مصممو التطبيق أن ألعاب الفيديو تمنح المشاركين هدفاً يركزون طاقتهم حوله، وهو الأمر الذي يخططون لفعله لتزويد المستخدمين بعدد من الألعاب في البيئة الافتراضية المحيطة، وقال مو: «لدينا بالفعل غرف للراحة داخل التطبيق، وهي سلسلة من 10 غرف مختلفة بكل منها لغز معين، ويجب أن تعمل مع فريقك لحل اللغز قبل الانتقال للغرفة التالية».
ومع استمرار الوباء، وتوسيع الشركات خيارات العمل من المنزل، يراهن المستثمرون على أن الشركات الناشئة التي تعمل في إنتاج تطبيقات الاجتماعات الافتراضية سوف تزدهر في الفترة المقبلة. وأضاف إيلاد جيل، صاحب تطبيق «بلوتو» الذي يعمل كمنصة اجتماعات افتراضية في بيئة ثلاثية الأبعاد تسمح بإنشاء العديد من الأماكن المختلفة لعقد اللقاءات من المالديف إلى النمسا: «في الفترة المقبلة نتوقع أن يتم المزج بين المكاتب الواقعية والمكاتب الافتراضية لأداء الأعمال، وحتى المؤتمرات من الوارد جداً أن توسع مجال المشاركة بدعوة العديد من الأشخاص في البيئة الافتراضية».
وتدرك الشركات الناشئة العاملة في هذا المجال أن التفاعلات الإنسانية البشرية لا يمكن استنساخها بشكل كامل، إلا أنه يمكن الاقتراب منها ومحاولة منح اللقاءات الافتراضية لمحة إنسانية، كما أن هناك العديد من المزايا الأخرى، منها القدرة السهلة على تبادل معلومات الاتصال، وحفظ المعلومات والأسماء، بالإضافة إلى القدرة على التسجيل، ثم تحليل الاجتماعات باستخدام برمجيات تعلم الآلة، وتحسين حفظ السجلات الداخلية، وغيرها من المميزات.
إيجاببيات مدهشة
لا شك أن المؤتمرات الافتراضية التي فرضتها جائحة كورونا قد طرحت العديد من تحدياتٍ أمام المنظمين والحضور والمحاضرين. ولكنها مع ذلك قدمت عددًا من الإيجابيات المدهشة التي تثبت قدرة المؤتمرات الافتراضية، ليس فقط على تخطي هذه العقبات، بل وعلى تغيير مفهومنا عن شكل المؤتمرات في المستقبل.
وراء الكواليس
كشفت المؤتمرات الافتراضية عن إمكانيات جديدة في حلقات النقاش وجلسات الأسئلة والأجوبة. ففي الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان (AACR)، الذي عُقد إلكترونيًّا في أبريل من العام الجاري، طُلب من الحضور التصويت في الوقت الفعلي على الأسئلة المطروحة من خلال قنوات المحادثة، وهو ما “أدى إلى ظهور نوعية أفضل من الأسئلة”، وفقًا لما ذكرته إيميلي كوستا، طالبة الدكتوراة من مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في نيويورك. إلى جانب تحسين الصياغة وطرح أسئلة أكثر عمقًا، شجع هذا الأسلوب شريحةً أوسع من الحضور على المشاركة بفاعلية طوال جلسات النقاش.
من الممكن أيضًا إدارة جلسات النقاش خلال المؤتمرات الافتراضية بطريقة أفضل مقارنةً بالمؤتمرات التقليدية. فقد كشف البروفيسور روس ألتمان -أحد رؤساء “مؤتمر كوفيد-19 والذكاء الاصطناعي”، الذي نظمته جامعة ستانفورد في أبريل- أن المراسلة بين المديرين في قناة منفصلة ساعدت في تحسين النقاشات في الوقت الفعلي. يقول ألتمان موضحًا: “لقد وجدنا مثلًا أن أحد الضيوف يشارك في النقاش أكثر من غيره”، فتوصل مديرو المؤتمر من خلال “محادثة خلفية خاصة” إلى قرار مشترك بطرح أسئلة تشجع الضيوف الأقل مشاركةً على الانخراط في النقاش.
فرص عادلة للجميع
سمحت إقامة المؤتمرات على الإنترنت بمشاركة مجموعة أكبر وأكثر تنوعًا من الحضور؛ فلطالما أثار السفر والابتعاد عن المنزل لفترات طويلة مشكلاتٍ للحضور الذين لديهم أطفال أو الذين يُعانون من إعاقات. وبالمثل فإن القيود المادية وتلك المفروضة على تأشيرات الدخول تمنع القادمين من البيئات المحرومة اقتصاديًّا ومواطني بلدان بعينها من المشاركة في الاجتماعات الدولية. ولذلك فإن إزالة تلك العوائق المرتبطة بالسفر جعلت العديد من المؤتمرات أكثر شمولًا. فبينما اجتذبت الجمعية العمومية للاتحاد الأوروبي للعلوم الجيولوجية (EGU) في فيينا ما يزيد قليلًا عن 16200 مشارك عام 2019، سجل في الجمعية العمومية التي انعقدت عام 2020 على الإنترنت أكثر من 26000 مستخدم. ونظرًا إلى أن المؤتمرات الافتراضية يسهل التوسُّع فيها مقارنةً بالمؤتمرات الفعلية، كان من السهل نسبيًّا استيعاب كل هذا العدد الإضافي من الحضور.
ولزيادة التفاعل الاجتماعي بين المشاركين الموزَّعين عبر مختلِف القارات والتوقيتات، تستخدم المؤتمرات تطبيقات جديدة. على سبيل المثال، يسمح تطبيقا “Braindate” و”Brella” بالتوفيق بين ملفات التعريف التي رفعها الحضور واقتراح عقد مؤتمرات فيديو خاصة لمناقشة الاهتمامات المشتركة. ولا تُعيد هذه التطبيقات تشكيل فرص التعارف التي يسعى إليها رواد المؤتمرات فحسب، بل تقلل أيضًا من صعوبة وصول الشخصيات الانطوائية أو المبتدئين إلى رواد مجالاتهم. عمد منظمون آخرون إلى الاستفادة من قدرة بعض المنصات الإلكترونية على تقسيم المشاركين عشوائيًّا إلى مجموعات لتشجيع التفاعل بين الجميع، بدلًا من مشاهدة المشاركين وهم ينجذبون تلقائيًّا نحو الشخصيات المشهورة.
أكثر رفقًا بالبيئة
كانت البيئة بلا شك من أكبر المستفيدين من تحوُّل المؤتمرات إلى العالم الافتراضي. فقد قدرت دراسةٌ حديثةٌ كميةَ ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تحرُّك كل باحث إلى مؤتمر بما يتراوح بين 0.5 طن متري إلى طنين متريين. ومن المثير للدهشة أن البصمة الكربونية الإجمالية الناتجة عن باحثي العالم، والذين يقدر عددهم بـ 7.8 ملايين باحث، في حال سفر كلٍّ منهم إلى مؤتمر واحد سنويًّا، تعادل البصمة الكربونية الناتجة عن بعض الدول الصغيرة. وفي المقابل، قدر منظمو مؤتمرين عُقِدا افتراضيًّا بصورة كاملة في الولايات المتحدة أن إجماليَّ الانبعاثات الكربونية الناتجة عن هذين المؤتمرين كان أقل من 1 بالمئة من إحدى الفعاليات التقليدية التي تتطلب السفر إليها جوًّا.
الاستمرارية فى المستقبل
أظهر استطلاع غير رسمي أجرته مجلة نيتشر أن 80 بالمئة من 486 مشاركًا في الاستطلاع يعتقدون أن بعض الاجتماعات يجب الاستمرار في عقدها افتراضيًّا، حتى بعد انتهاء جائحة كوفيد-19.
ووفقًا للملحوظات الواعية التي أدلى بها أحد المشاركين في مؤتمر افتراضي مؤخرًا، “فلم يكن تناوُل الوجبات الخفيفة في أثناء الاستراحة أمرًا جديدًا، في حين كان طابور انتظار استخدام دورات المياه أقصر، وكان للمشاركين حرية إحضار مشروباتهم”.