في قرية “باراكادافو”.. ثورة الزراعة العضوية تنضج على مهل
الكثير من المجتمعات في دول جنوب العالم وشماله صارت تدرك الكوارث التي تحملها الزراعة الكيميائية التي اجتاحت العالم ردحا من الزمن، لكن التحول عن ممارسة تلك الزراعة الكارثية إلى الزراعة البيئية العضوية قد يحتاج إلى عامل حفز، وقد يأتي عامل الحفز هذا في شكل بنك تعاوني محلي.
قرية باراكادافو Parakkadavu هي إحدى قرى ولاية كيرالا الهندية، وهي من أكثر الولايات الهندية توجها للزراعة العضوية.
وتشهد هذه القرية منذ ست سنوات تحولاً كبيراً نحو الزراعة العضوية، وكانت القوة الدافعة وراء هذا التحول هي بنك محلي في باراكادافو، بذل جهدا إضافيا لتحفيز الناس في المنطقة على اتباع أساليب الزراعة العضوية.
حيث ساعد بنك Parakkadavu Service التعاوني في زرع بذور الزراعة العضوية في أذهان الناس بهدف أساسي هو مساعدتهم على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الخضروات غير الملوثة، فضلا عن الأرز، والأسماك، وإنتاج اللحوم، والبيض والحليب.
اعتمد البنك في ذلك، إلى جانب خطط القروض الجذابة والإعانات وبطاقات كيزان الائتمانية، على تزويد الناس بالمبيدات العضوية والبذور والشتلات اللازمة مجانا، وعلى تجهيز مخزن يوفر السماد العضوي أيضا.
وإلى جانب معرفة القائمين على البنك أن التربة في القرية خصبة بطبيعتها، فإن ما مكن موظفي البنك في المقام الأول من حشد تركيز القرويين نحو آفاق الزراعة العضوية، كان وقوع القرية على إحدى ضفاف نهر شالاكودي Chalakkudy، وهذا يعني أن القرويين لن يتعبوا أبدا في البحث عن المياه لتلبية احتياجاتهم من الري.
بدأ البنك مبادرته لدفع الناس نحو الزراعة العضوية عبر توفير الشتلات، بهدف تشجيع زراعة الشرفات في القرية، وانتهى هذا الأمر بالنجاح إلى درجة أن الناس تجمعوا في أقرب وقت لتشكيل مجموعات الزراعة العضوية في باراكادافو. ووصلت الحركة إلى ذروتها عندما تعاونت هذه المجموعات، التي تعززت أعدادها شيئا فشيئا، للانتقال من الشرفات إلى استثمار الحركة لإنعاش الأراضي والحقول القاحلة في قريتهم.
ووفقا للتقرير المنشور في أبريل من عام 2018، فقد اتسع البرنامج إلى شبكة زراعية كبيرة تضم أكثر من 48 مجموعة زراعية من 800 أسرة في باراكادافو، في كل مجموعة منها ما لا يقل عن خمسة إلى عشرة أعضاء.
وبعد أن بدأت الحركة بزراعة الخضروات المختلفة مثل الموز والذرة والأرز، امتدت نشاطات هذه المجموعات الآن إلى مشاريع مثل تربية الدجاج والبط، وتربية الأسماك، وزراعة الزهور، وغيرها.
ويباع الحصاد للناس في القرية نفسها، كما تمكن القرويون من توفير دخل من بيع الفائض من الإنتاج، وانتشرت ثقافة الزراعة العضوية بينهم من خلال شعار “خضروات خالية من السموم للجيل القادم”.
الملهم في قصة قرية باراكادوفو عدة أمور:
– التغيير عادة ما يكون تدريجيا، خاصة إذا ارتبط بتغيير القناعات والعادات: فكما شهدنا مما هو متاح من تغطية لقصة القرية (وكلها تغطيات منشورة في أبريل 2018) أن الأمر انتقل من شتلات زراعة الشرفات، إلى حركة اتسعت تدريجيا لتصل في ذلك التاريخ إلى 800 أسرة، وهو ما يجعل عدد المنخرطين في الحركة يقارب 4 آلاف إنسان (إذا اعتبرنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة خمسة أفراد)، ووفقا لإحصاء عام 2001، فإن عدد سكان القرية كما ورد في موقع الويكيبيديا يقارب 30 ألفا، ومن ثم فإن هذا يعني أن نسبة المنخرطين في حركة الزراعة العضوية فيها يبلغ حوالي 13% من عدد السكان، وهو رقم قد يبدو قليلا، ولكنه يمثل نواة تغيير، وإذا استمرت هذه النواة في نجاحها كما هي حتى الآن، فإنه ولأن النجاح يعدي، فإن تلك الحركة مرشحة للاتساع.
– اعتماد نجاح التجربة حتى الآن على عاملين:
• عامل الدعم والتحفيز المالي الواعي المتمثل في البنك، والذي لابد لنا هنا أن نلاحظ أنه ذو خصيصتين: أنه بنك محلي (وهي سمة لا نراها عادة في البنوك التجارية) وهو ما يعني أن القائمون عليه يعرفون مشكلات واحتياجات وتوجهات أفكار الناس في المكان، ومن ثم فهم قادرون على ترجمته إلى برامج للتنمية المحلية إذا توافر الوعي وحسنت النيات والأداءات. الخصيصة الثانية أنه بنك تعاوني، بما للفكر والحركة التعاونية من انعطاف طبيعي نحو الناس، لأن من طبيعة التعاونيات على اختلاف مجالات نشاطها، أنها طوعية، أي أنها نابعة من الناس، ومتوجهة للناس، وطالما استمر هذا العامل يساند حركة الناس نحو تنمية حياتهم وقريتهم، فإن هذا يضع أساسا لاستمرار وانتشار هذه الحركة.
• عامل قدرة الناس على تنظيم أنفسهم في مجموعات عمل واهتمام مشترك في مجال اقتصادي، وهو أمر يصبح عادة عزيزا وشحيحا في المجتمعات التي يضرب الاستبداد بجذوره فيها، كون الاستبداد عادة ما يدفع الناس بعيدا عن التكوينات الاجتماعية، ويجعلهم يتشبثون بالفردانية الأنانية غير الواثقة في الآخرين، وغير القادرة على الانتظام في عمل جماعي، خاصة إذا ارتبط بسبل المعاش. وطالما استمر أصحاب التجربة على قدرتهم على العمل التعاوني في مجموعات، فإن هذا يساهم في تعزيز فرص استمرار نجاح التجربة.
• يبقى أن هناك عامل ثالث، وهو العامل الفني المرتبط بالعملية الزراعية نفسها، واحتياجها ربما لبرنامج إرشاد زراعي يساعدها على تجنب العثرات المستقبلية ضمانة لا تتاح مما هو منشور من القصة تفاصيل عن وجودها من عدمه.
د. مجدي سعيد