عندما يجتمع إبداع العقول مع حرفية الأيدي “النقش على الخشب”.. كيف استفاد أقدم الفنون من التكنولوجيا الحديثة؟
النحت والنقش على الخشبِ، يعد من أقدمِ الفنونِ التي عرفها الإنسانِ، حيث بدأ الحفر على الخشبِ فعليا عندما نحتَ الإنسان البدائي أول قطعة خشبية لاستخدامِها في الصيدِ، ومعظم حضارات العالم القديمة كالمصرية الفرعونية والصينية والهندية واليونانية عرفت هذا الفن القديم وقدمت للعالم منه آثار عظيمة.
هناك أنواع كثيرة، وفي نوع من هذا الفن، وبدلاً من أن يحفر الفنان أرضية الخشب، ويبرز الرسم أو النقش المطلوب عليه، يبري قطعاً خشبية مختلفة مع ألوانها الطبيعية المنوعة، ويرصفها جنباً الى جنب.
ويشبه هذا الفن كثيراً فن تنظيم الفسيفساء. وفي النوع الحديث من هذا الفن، يستفاد من خشب أشجار الأبنوس والشمشاد، لإضفاء اللون الأزرق على العمل، ومن خشب شجر العناب للونه الأحمر، غير أن الفنانين يستخدمون غالباً ما خشب شجر الجوز أو جذور الأعشاب وأشجار الغابات التي تحمل نقوساً جميلة بذاتها.
الخشب هو المادة الأولى للفنان لعملية النحت عليه، وهذا الخشب يجب أن يتمتع بالقوة والرصانة، وخال من العقد الخشبية؛ الأمر الذي جعل الفنانين يلجؤون إلى استخدام أخشاب قوية ورصينة كأشجار الجوز والعناب والشمشاد، وما شابه ذلك.
إبداع وحرفية
مع تطور الزمن والتقدم التكنولوجي، حصل امتزاج الفن مع التكنولوجيا،، واجتمع إبداع العقولِ مع حرفيةِ الأيدي الماهرةِ؛ فيتأثر هذا الفن بتطورِ الزمنِ وسرعتِه؛ ليُحيلَ هذه الألواحَ الخشبيةَ الصامتةَ الخاليةَ من أيِّ تفاصيلَ إلى قِطَعٍ فنيةٍ نابضةٍ بالحياةِ مليئةٍ بالجمالِ .. قِطعٌ نسجتْها أناملُ ماهرةٌ، وقرائحُ خلّاقةٌ بأفكارٍ إبداعيةٍ وتصاميمَ جذابةٍ؛ فيندمجُ عبقُ الماضي؛ كونَها أحدَ أقدمِ المِهنِ والفنونِ مع حداثةِ الحاضرِ وتطوُّرِه الرقمي، ووسائلِه وماكناتِه وبرامجِه المُحوسبةِ؛ حيثُ تحولتْ من مجردِ صنعةٍ إلى فنٍّ وإبداعٍ، وأضفَتْ على هذه الصناعةِ الكثيرَ من الدقةِ والسرعةِ والإنجازِ.. إنه فنُّ النقشِ على الخشبِ؛ ولكنْ ليس أيَّ نقشٍ؛ بل هو نقشٌ باستخدامِ تقنياتٍ رقميةٍ تُترجمُ ما في العقولِ _مَهما بلغَ تعقيدُه_ بأسرعِ وقتٍ وأقلِّ جهدٍ.. إنه فنُّ النقشِ باستخدامِ تقنيةِ CNC حيثُ أبحرتْ “السعادة” مع مجموعةٍ من الخبراءِ والمصمِّمينَ؛ لمعرفةِ المزيدِ عن هذا الفنِّ وهذه التقنيةِ.
التصميم باستخدام الكمبيوتر
ويشرحُ إبراهيم إرحيم” صاحبُ ورشة نجارة تستخدمُ تقنيةَ CNC قائلاً: رغم أنها من أقدمِ المهنِ التي رافقتْ الإنسانَ؛ حيثُ بدأتْ هذه الصناعةُ يدوياً باستخدامِ أدواتٍ بسيطةٍ؛ ثُم سرعانَ ما تطورتْ بتطوُّرِ الأدواتِ، واستقرارِ الإنسانِ، وظهورِ الآلاتِ والماكناتِ التي سهّلتْ من عمليةِ (النحتِ والنقشِ والقصِّ) حتى دخلَ الحاسوبُ في هذه الصناعةِ، وأضفَى عليها مزيداً من الدقةِ والسرعةِ في الإنجاز، فقد أصبح المصمِّمونَ اليومَ يُدخِلونَ ما يرغبونَ من تصاميمَ ورسوماتٍ وزخارفَ وكتاباتٍ على برامجَ مُحَوسبةٍ مربوطةٍ بماكناتِ حفرٍ رقميةٍ؛ تقُصُّ الأخشابَ، وتنقشُ التصاميمَ، فلم يبقَ شيءٌ إلا ودخلَ الحاسوبُ في تفاصيلِه، وطوّرَ منه؛ حتى هذه المهنةِ التي كانت في الماضي مُكلِفةً في المالِ والوقتِ لِما يُبذلُ فيها من جهدٍ يتطلّبُ عناءً من أصحابِ الحرفةِ.. أمّا اليومَ بعدَ دخولِ برامجِ التصميمِ وماكيناتِ الحفرِ؛ التي يُطلَقُ عليها ماكناتُ( (CNC العاملةُ بالتحكمِ الرقمي؛ ما أتاحَ للمُصمِّمِ أنْ يُطلقَ العنانَ لأفكارِه لعملِ أيِّ زخرفةٍ مَهما كانت معقدةً وإنجازِها بأعلى دِقةٍ وجودةٍ، وبأسرعِ وقتٍ ممكنٍ؛ وبالتالي يقلّلُ من تكلفةِ القطعةِ والوقتِ المستغرَقِ لإنجازِها؛ مقارَنةً بالسابقِ عندما كانت تُحفَرُ يدويا.
أما المهندسةُ ميسون العلمي، مصممةُ وصاحبةُ مشروعِ “عناب للتصميمِ” فتقول: “إنّ فنَّ النقشِ من أكثرِ الفنونِ تعبيراً عن دواخلِ وخلجاتِ المصمّمِ، وكلِّ ما يجولُ في جَعبتِه من إبداعٍ ومشاعرَ وفنٍّ وجمالٍ، فيُحوِّل قِطعَ الخشبِ والألواحَ الخشبيةَ الميتةَ إلى قِطعٍ فنيةٍ تُبهجُ النفسِ، وتُريحُ العينَ، ولابدّ للإبداعِ أنْ يتربّعَ على عرشِ هذه الصناعةِ؛ لتَخرُجَ من كونِها مهنةً وصنعةً؛ فتصبحَ فناً يتطلبُ الذوقَ والخيالَ”.
استخدام البرامج الحديثة
وتشرحُ العلمي أهمِ الخاماتِ المستخدمةِ في النقشِ قائلةً: “إنّ أكثرَ أنواعِ الخشبِ شيوعاً هو خشبُ MDF) ) وخشبُ (الزان) حيثُ أفضِّلُ شخصياً هذا الأخيرَ؛ فهو من أقوى الأخشابِ وأكثرِها مقاومةً للرطوبةِ والماءِ، أمّا بالنسبةِ لآليةِ التصميمِ بعدَ نضوجِ الفكرةِ وتَبلوُرَها، يتمُ رسمُها _بشكلِها النهائي، ومقاساتِها الدقيقةِ_ على أحدِ برامجِ التصميمِ المحَوسَبةِ، ومن ضِمنِها برنامج (الأوتوكاد)، ثُم يتمُ تحويلُها إلى برنامجٍ آخَرَ؛ هو برنامج (الكورل)؛ وهو برنامجٌ مرتبطٌ بماكنةِ CNC؛ لتنفيذِ التصاميمِ على الألواحِ التي تمَ اختيارُ مقاسِها وسَمكِها، وبعد ما يتمُ تنفيذُ النقشِ؛ تأتي عمليةُ الدهانِ، ثُم يتمُ تجميعُ القطعةِ”. وتشرحُ “شاهين” بأنّ الخامةَ الأساسيةَ في هذه المهنةِ هي الأخشابُ بأنواعِها؛ كلُّ نوعٍ حسبَ القطعةِ المُصمَّمةِ، وحسبَ ذوقِ الزبونِ وإمكاناتِه الماليةِ، كما ويمكنُ استخدامُ معادنَ يُطَعّمُ بها الخشبُ؛ لإضفاءِ فخامةٍ وقيمةٍ أكبرَ للقطعةِ، وغالباً يتمُ استخدامُ معدنِ النحاسِ الأصفرِ أو الأحمرِ، ويتمُ رسمُ التصاميمِ على أحدِ برامجِ التصميمِ، مِثلَ برنامج (آرت كام) الذي يعملُ مع ماكينةِ الحفرCNC )) لتنفيذ التصاميم على الألواح بالأبعاد والمقاسات المصممة.
من جانبها، توضّحُ سماح شاهين، صاحبةُ مشروعٍ خاصٍّ للحفرِ على الأخشابِ بتقنيةِ CNC، أنّ هذه الصناعةَ ليست مهنةً فقط؛ بل هي فنٌّ يَنتجُ قِطعاً فنيةً راقيةً؛ تُستخدمُ في الديكورِ الداخليّ لتزيينِ المنازلِ والمحالِّ، ويُمكنُ إدخالُ هذه التقنيةِ في أغلبِ قِطعِ الأثاثِ، والإكسسوارِ، والتحفِ، والبراويزِ، واللوحاتِ الجداريةِ، وساعاتِ الحائطِ، والآياتِ القرآنيةِ، كما تُستخدمُ في صُلبِ التصميمِ الداخلي؛ كأنْ تُستخدَمَ ألواحُ CNC في كسوةِ عمودٍ داخلَ المنزلِ، أو ركنٍ من أركانِ المدخلِ، أو جزءٍ من جدارٍ، بل ويمكنُ تصميمُ وحداتٍ تُثبّتُ على السقفِ؛ كأرضيةٍ للنجفِ والثُريّاتِ، كبديلٍ عن الجبسِ الذي انتشرَ استخدامُه في تزيينِ أسقُفِ المنازلِ؛ فالخشبُ يعطي أناقةً وفخامةً للمكانِ؛ حيثُ أنه من أكثرِ الخاماتِ التي تضفي الدفءَ والجمالَ والحميميةَ للفراغاتِ والتصاميمِ الداخليةِ.