عبد المقصود خوجة.. كَنَف الثقافة وظل “الإثنينية”الوارف
هكذا وصفته جريدة الشرق الأوسط اللندنية, وبرحيله طويت مسيرته العلمية والأدبية, فهو الذي انبرى للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في مدينة جدة، وحوّل دارته ومنتدى “الإثنينية” الذي ارتبط اسمه به، إلى منصة لتكريم المئات من رموز الفكر والمعرفة في السعودية والعالم العربي على مدى أربعة عقود.
عبد المقصود محمد سعيد خوجة (1925 – 20 أغسطس 2022)، أديب ورجل أعمال سعودي، قاد العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في السعودية أبرزها تأسيسه منتدى الاثنينية الثقافي الأدبي. في مدينة جدة عام 1403 هـ / 1982، الذي استضاف من خلاله كبار مسؤولي الدولة والعالم من علماء وباحثين في مختلف العلوم المعرفية والعلمية والتطبيقية، وتكريم أكثر من 500 شخصية بارزة في مجالات مختلفة؛ إلى جانب جمع وطبع ونشر نتاج “الاثنينية” في 187 مجلداً.
وتلقى خوجة الذي ولد عام 1936م في مكة المكرمة، تعليمه في مدارس الفلاح بمكة المكرمة ثم أتم تعليمه في المعهد العربي الإسلامي في دمشق، وقد تدرج في العمل الحكومي حيث عُيّن مندوباً من الديوان الملكي لدى المفوضيّة السعوديّة في بيروت، وعمل في المكتب الصحفي في السفارة هناك، وشغل منصب مدير المكتب الخاصّ للمديريّة العامّة للإذاعة والصحافة والنشر بجدة قبل إنشاء وزارتي الثقافة والإعلام في المملكة، كما شغل منصب مدير الإدارة العامة للصحافة والإذاعة والنشر بجدة.
وقدم الأديب عبدالمقصود خوجة للساحة الثقافية العديد من الدراسات المختصّة في المجال الثقافي والإعلامي؛ وكرم من قبل مجموعة من المجالس والمنتديات في المملكة وخارجها، وتوج من قبل سمو أمير منطقة مكة المكرمة بجائزة مكة للتميز عام 1430هـ في مجال التميز الثقافي، وحصل على الزمالة الفخرية من رابطة الأدب الحديث بالقاهرة تقديراً لجهوده الكبيرة في الحركة الأدبية والفكرية في المملكة والوطن العربي.
وفي حديث خاص لوكالة الأنباء السعودية بين معالي وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقاً الدكتور مدني بن عبدالقادر علاقي أن فراق شخصية كبيرة بحجم الأديب عبدالمقصود خوجة، مؤلم حيث ملأ الساحة الأدبية والثقافية بإسهاماته، متوجة لعقود مضت، بتكريم شخصيات من مختلف الأطياف، في اثنينته الأسبوعية، والتي حرص من خلالها، على أن يكون اختيار الشخصيات المكرمة، وفق معايير موضوعية، تبعًا لإسهاماتها الوطنية في مختلف المجالات، ولم تقتصر على المجال الأدبي فقط.
ولفت إلى أن الاثنينية برزت كمعلمٍ، يحرص الكثير على الحضور والتواجد، وتحولت إلى منتدى ثقافي إقليمي إن لم تكن على المستوى العالمي؛ كتجمع ملهم للحراك الثقافي والأدبي والفكري.
دعم الحراك الثقاتفي والادبي
بدوره تطرق معالي وزير الثقافة والإعلام سابقاً الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة لدور الأديب عبدالمقصود خوجة في خدمة مسيرة الثقافة والأدب في المملكة؛ وقال “إنه إثراء أدبي ورمز للعطاء في المجال الثقافي؛ وأكبر دليلٍ على ذلك هو إطلاقه لاثنينيته التي تشكل رمزاً أدبياً وملتقى لكبار رجال الأعمال والإعلام والفكر والثقافة والتاريخ والأدب على مدار عقودٍ من الأزمنة” .
وأشار معاليه إلى أن الأديب الراحل كان عنواناً للرجل الداعم للعمل الثقافي؛ وهذا امتداد لوالده محمد سعيد عبدالمقصود خوجه؛ الذي يعد أحد رؤساء تحرير جريدة أم القرى؛ فتجده داعماً للحراك الثقافي والأدبي ومشاركاً في مختلف الفعاليات، واستضافة النخب الثقافية والفكرية في داره؛ لحرصه على مد جسور التواصل مع رجالات الثقافة والأدب، وإيجاد مساحة للمناقشة والتحاور خدمة للحركة الثقافية بشكل عام.
منارة يستضاء بها
من جانبه أوضح أستاذ الأدب والنقد الدكتور عبدالمحسن بن فراج القحطاني أن الأديب عبدالمقصود خوجة زرع بصمته “الاثنينية” حتى غدت منارة يستضاء بها ليس على مستوى المملكة ولا حتى العالم العربي بل العالم الإسلامي؛ لأنه أنشأها لهم جميعاً وسخر لها ماله ووظف لها موظفين يتولون تفريغ التكريم بمداخلاته، فيطبعها طباعة أنيقة وطبع أعمال الرواد في مجلدات متعددة .
وعن الاثنينية قال الدكتور القحطاني “أنا أعدها أشهر صالون أدبي على مستوى العالم العربي والإسلامي، وشهرتها جاءت بزفّ ما يقال فيها طباعة وتسجيلاً وقامت بنفسها بحفظ ذلك كله، طباعة ومرئياً على حد سواء؛ لذا كانت مطبوعاتها مصدراً ومرجعاً للباحثين وشداة العلم”.
الحضور الاقتصادي والثقافي
بدوره أفاد رئيس نادي جدة الأدبي الثقافي الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي أن الأديب عبد المقصود خوجة شخصية شكلت علامة بارزة بحضوره الاقتصادي والوطني والثقافي في اثنينيته التي هي الأبرز على مستوى العمل الثقافي في الوطن ، وشكلت معلما بارزا لسنوات طويلة.
وقال الدكتور السلمي “إن الأديب خوجة استطاع أن يوائم بين الاقتصاد والثقافة فربما وظف قدراً من المال من أجل العمل الثقافي الرائد، وكانت الاثنينية عامرة تشكل في جدة مائدة معرفة كل أسبوع من كل شهر”.
الإثراء الأدبي والفكري
وأبرز الناقد والأديب الدكتور سعيد بن مصلح السريحي الإثراء الأدبي والفكري الذي كان محل دعم واهتمام فقيد الثقافة عبدالمقصود خوجة؛ الذي جعل من اثنينيته واحة غناءة ينهل من مناشطها وفعالياتها المختلفة كبار من شرفوها بالحضور والمشاركة في موضوعاتها المختلفة النواحي؛ التي وصل صيتها مختلف نواحي المملكة والوطن العربي.
وقال رجل الأعمال الدكتور محمد بن عبود العمودي “إن الأديب عبدالمقصود خوجة جمع بين ممارسة العمل التجاري الذي تعايش معه وخاضه فترة من الزمن، وبين تجنيد جل وقته لدعم الثقافة والأدب والاهتمام بتكريم رجالها من داخل المملكة وخارجها؛ عبر اثنينيته التي حملت اسمه منذ تأسيسها.
وعد مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة محمد بن إبراهيم آل صبيح، الأديب الراحل أحد أهم صناع الثقافة في المملكة، وكان منزله منارة للثقافة والفنون ونافذة مضيئة في المشهد الثقافي.