عالم مصري يضع نظرية جديدة في علوم الطيران قد تعوض نظريات الطيران القديمة
وضع الباحث المصري الدكتور (هيثم عزت طه) الأستاذ المساعد بجامعة “كاليفورنيا إيرفين” (University of California Irvine) نظرية علمية جديدة في علوم الطيران، تمكن من خلالها حلّ إشكالية استمرت أكثر من 100 سنة، الأمر الذي يعتبر أكبر تقدم في مجال ديناميكا الهواء على مدار القرن الماضي، أي منذ نشأة النظرية الكلاسيكية في الطيران.
ومن المنتظر أن تحلّ هذه النظرية الجديدة التي نشرت في ورقة بحثية في عدد 25 يونيو الجاري من دورية “جورنال أوف فلويد ميكانيكس” (Journal of Fluid Mechanics) محل نظرية العالم الألماني كوتا الذي وضع نظريته في بدايات القرن الـ20.
وعن الظروف التي أسهمت في تحقيق هذا الإنجاز العلمي الكبير وآفاق علوم الطيران في العالم والوطن العربي، تحدث الباحث المصري هيثم طه لموقع الجزيرة نت, عبر البريد الإلكتروني:
من مصر إلى أمريكا
تخرج هيثم في قسم هندسة الطيران بجامعة القاهرة عام 2005 بالمرتبة الأولى على الدفعة وعُيّن معيدا في القسم، ثم حصل على ماجستير في التحكم الطيراني عام 2008 من القسم نفسه.
بعدما يئس من الظفر بمنحة لدراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة، قرر تسجيل الدكتوراه في جامعة القاهرة، وبالفعل درس مدة عام الأمر الذي منحة بعض النضج العلمي عند سفره إلى الولايات المتحدة بعد فوزي بمنحة من جامعة “فرجينيا تك” (Virginia Tech)، وقد ساعده في ذلك العالم الفلسطيني علي نايفة الحاصل على ميدالية فرانكلين، فهو من رشحه للقبول بالجامعة.
تحول بعد ذلك إلى جامعة “كاليفورنيا إرفين” عام 2015، وفي عام 2020 عُيّن أستاذًا مساعدًا في علوم الطيران.
يقول هيثم, “لو اقتصرنا في الحديث على درجة البكالوريوس، فالإجابة نعم وبشكل قاطع والأسباب معقدة ومتشابكة، لكن يمكن تلخيصها في أن دراسة الهندسة في بلادنا تستغرق 5 سنوات في حين تستغرق 4 سنوات فقط في الجامعات الأمريكية”.
يضيف “ولذلك فإن خريج الجامعة الامريكية لا يحصل على المحتوى العلمي نفسه الذي يحصل عليه الطالب في مصر، وهذا ليس سيئا بالضرورة لأن معظم الأعمال في الصناعة قد لا تحتاج إلى التعقيد التقني الذي ندرسه في السنة الخامسة”.
“هذا في مرحلة البكالوريوس، أما بعدها فالأمر يختلف تماما، فالدراسات العليا في الولايات المتحدة أقوى بكثير ولا يمكن مقارنتها أصلا ببلادنا، وذلك لأن الدراسات العليا تعني البحث العلمي، والبحث العملي يحتاج إلى تمويل كبير لا يمكن للجامعات المصرية توفيره”.
يستطرد, “الحقيقة أنه بعد ظهور “الدرونز” أو الطائرات من دون طيار، فإن دعم الحكومات لقطاع الطيران أصبح واجبا اقتصاديا ومسألة أمن قومي، ولنا في شركة “بيرقدار” التركية مثل وقدوة في هذا الشأن، ففي غضون 10 سنوات من الاهتمام الحكومي أصبحت هذه الشركة من أكبر الشركات في المنطقة وتجلب الملايين من الدولارات إلى خزينة الدولة”.
يضيف د. هيثم, “صناعة الدرونز ليست صعبة كثيرا كالطائرات المدنية أو الحربية، فاختفاء العامل البشري أسهم في إسقاط كثير من القيود على التصميم، فضلا عن عدم الحاجة إلى اعتماد شهادة جودة كما الأمر في الطائرات المدنية التي تستغرق أعواما.
لذلك فإن صناعة الدرونز أكثر قابلية للتنفيذ بتكنولوجيا ليست شديدة التعقيد، فيمكن لكثير من دولنا الشروع في هذا الأمر، وذلك سيخلق فرص عمل ويحقق مصدر دخل جديد للدولة بالعملة الصعبة من خلال البيع لدول الجوار أو الحلفاء السياسيين، وسيساعد على حماية الأمن القومي، وهذه 3 فوائد كبيرة تتحقق بمشروع واحد.
“رجع سلجوق بيرقدار المدير التقني للشركة من دراسة الماجستير في الولايات المتحدة إلى تركيا عام 2006، ساعتئذ كانت شركة بيرقدار مغمورة، وأول طائرة صممها بعد عودته هي “البيراقدار ميني” وهي أشبه بنماذج الهواة أو ما يصممه طلبة البكالوريوس في مسابقات الطلاب في هذا الأمر؛ تكنولوجيا بسيطة جدا وبإمكانات ضعيفة”.
ولكن في غضون سنوات قليلة تطور التصميم لإنتاج “البيرقدار تي بي 2” التي صنعت فارقا في الحرب في أذربيجان، وفي أوكرانيا أخيرا، وقد باعت تركيا كثيرا منها لبعض الدول.
أهم سؤال في علم الطيران هو: كم قوة الرفع المتولدة على جناح ما يتحرك بسرعة معينة؟ حساب قوة الرفع هي القلب النابض لأي نظرية في الطيران فمن دونها لن نستطيع معرفة إذا ما كان هذا الجناح سيقدر على حمل وزن الطائرة أم لا.
ببساطة شديدة، النظرية الحالية لحساب قوة الرفع، التي وضعها العالم الألماني مارتن كوتا (متزامنا مع العالم الروسي نيكولاي جوكوفيسكي) لا تستطيع التنبؤ بقوة الرفع إلا على نوع واحد فقط من أشكال الأجنحة: الأجنحة ذوات الخلفية المدببة.
فإذا ما حدث تغيير طفيف في الشكل تنهار النظرية تماما ولا نستطيع الحساب النظري لقوة الرفع إلا إذا استخدمنا حاسبا فائقا لمدة زمنية كبيرة، وذلك يجعل الأمر غير عملي في عملية التصميم الأولي للطائرات، فهناك ملايين المتغيرات وملايين التصميمات البديلة التي يجب المفاضلة السريعة بينها.
ليس هذا فحسب، فحتى هذا الشكل المعتاد للجناح ذو الخلفية الحادة إذا ما تحرك بالعكس (فأصبحت النقطة المدببة في الأمام) فشلت نظرية كوتا أيضا، فضلا عن الطيران غير المستقر كالطيران بالرفرفة مثل الطيور والحشرات، فنظرية كوتا غير قابلة للتطبيق في هذه الحالة من الأساس.
إذن، فعلى الرغم من هيمنة نظرية كوتا على عالم الطيران منذ أكثر من قرن، إذ إنها تُدرّس في جميع أقسام هندسة الميكانيكا والطيران في العالم كله، وتوجد في جميع كتب الديناميكا الهوائية، فإنها قاصرة جدا.
المعضلة رياضية بالأساس، “فمعادلة أويلر” (Euler’s equations) الحاكمة لسريان مائع مثالي ليس لها حل وحيد، وعلماء الرياضيات مسلّمون بهذا الأمر. والمشكلة ليست في حل المعادلة، فالحل معروف ولكنه ليس وحيدا، بل هناك عدد لانهائي من الحلول، وكل حل ينتج عنه قيمة مختلفة لقوة الرفع؛ المشكلة في أننا لم نكن نعلم أيا من هذه الحلول تختاره الطبيعة.
البحث الذي قدمناه اعتمد على مبدأ عميق وبسيط للعالم هرتز فيما يعرف بمبدأ الانحناء الأقل (Hertz principle of least curvature)، وبعد معرفة هذا المبدأ أصبح حل المعضلة ممكنا.
ببساطة: تختار الطبيعة من حلول أويلر الحلّ ذا الانحناء الأقل، فعند تطبيق هذه النظرية على أشكال الأجنحة المعتادة ذات النقطة الخلفية المدببة نحصل على حل كوتا، أي إن نظرية كوتا أصبحت حالة خاصة من النظرية العامة المبنية على مبدأ أساسي من علم الميكانيكا وهو مبدأ الانحناء الأقل.
هو نصر علمي لجملة عوامل: أولا، لأنه يحل معضلة ظلت طوال أكثر من قرن من دون حل رغم محاولات أمهر الرياضيين والفيزيائيين وعلماء ميكانيكا الموائع ومهندسي الطيران.
ثانيا -كما قلنا- إن نظرية كوتا هي النظرية المهيمنة في كل أقسام الميكانيكا والطيران في العالم، وفي جميع كتب الديناميكا الهوائية، ومن المتوقع أن تحل نظريتنا الجديدة العامة محل نظرية كوتا في أقسام الطيران على مستوى العالم.
هنا في جامعة “كاليفورنيا إيرفين” سيقوم زملائي بتدريس النظرية الجديدة العام القادم، أيضا زملائي في جامعة “فرجينيا تك” وفي بعض الجامعات الأخرى قرروا تدريس النظرية في مقرراتهم.
في حقيقة الأمر هذا ما أتمناه حقا؛ أن يتبنّى الأساتذة في بلادنا في أقسام الهندسة الميكانيكية وهندسة الطيران والفيزياء والرياضيات التطبيقية النظرية الجديدة ويفردوا لها بعض الوقت عند تدريس نظرية كوتا، حتى يعلم طلبتنا أن نظرية كوتا المهيمنة في عالم الطيران والتي يجدونها في جميع كتب الديناميكا الهوائية هي مجرد حالة خاصة من نظرية عامة وضعها شخص عادي جدا مثلهم، كان يجلس في المكان نفسه منذ 15 عاما.
الأمر الأخير والمقرب إلى قلبي هو الآتي: في وقت ما في تاريخ البشرية كان لعلماء العرب والمسلمين الصدارة في الفلسفة، من الفارابي لابن سينا إلى الغزالي وابن رشد.
ثم حدث الاضمحلال وأشرقت شمس الحضارة على الغرب في القرن الـ17 مع بداية عصر النهضة، وفي الحقيقة فإن النهضة كانت قائمة على الفلسفة من فرانسيس بيكون إلى ديكارت وتوماس هوبز وجون لوك ودالمبرت وفولتير وجان جاك روسو وغيرهم، ومكانة الفلسفة من العلم الحديث كالقلب في الجسد؛ فدرجة الدكتوراه تسمى دكتوراه الفلسفة والنظرية النسبية لأينشتاين هي نظرية فلسفية بالأساس.
أما نظريتنا الجديدة فتعدّ نصرا فلسفيا؛ فقد تمكنّا من حل المعضلة الرياضية بمبدأ فلسفي بحت بحيث لم نستخدم جهازا حديثا أو تكنولوجيا جديدة، فقط بأدوات كلاسيكية كانت متاحة لرواد مجال الطيران والديناميكا الهوائية أمثال كوتا وجوكوفسكي وبراندتل وفون كارمان. لذلك، فهذه من المرات القلائل التي يتمكن فيها باحث شرقي من تحقيق نصر علمي فلسفي على كبار العلماء الغربيين.
صناعة الطيران صناعة تقليدية جدا ومستقرة تماما، وتنأى شركات الطيران الكبرى عن المجازفة وتجربة أفكار جديدة. ولعل فضيحة شركة “بوينغ” الأخيرة بسقوط طائرتين من طراز “737 ماكس” خير مثال على ذلك، فقد تسبّبت مقاومة إدارة الشركة في تصميم طائرة جديدة في إجبار المهندسين على إجراء بعض التعديلات غير الآمنة التي أدت إلى الفاجعتين.
وبناء عليه، فنحن لا نتوقع استخدام النظرية الجديدة في عالم الطيران في القريب العاجل، ولكنها أزالت القيود أمام الإبداع في تصميم شكل الجناح، فهي ليست قاصرة على نوع واحد من أشكال الأجنحة كالنظرية الحالية لكوتا. ومن ثم فيمكنها مساعدة المصممين في المستقبل على ابتكار أشكال جديدة أكثر كفاءة.
الحقيقة أن من تجليات الخالق عظمة التصميم للطيور والحشرات، فعملية تحليق الطائرات التي صنعها الإنسان أبسط بكثير من عملية تحليق الطيور والحشرات لدرجة عجز عنها علماء الأحياء وعلماء الطيران. تصور أن مجرد تفسير عملية طيران الحشرات استغرق مدة قرن من الزمان، إذ حلّت هذه المعضلة ببحثين في “ساينس” و”ناتشر” عام 1999 و2001 لعلماء من “أكسفورد” و”بيركلي”.
ثم ظهرت معضلة أخرى، هي كيفية استقرارها في الجو، إلى أن تمكنّا بفضل الله من حل جزء كبير من هذه المعضلة في بحث نشر في “ساينس روبوتكس” منذ عامين، أحدث صدى في المجتمع العلمي المهتم بدراسة هذه النقطة.
وحتى الآن كثير من أسرار الطيران لدى الطيور والحشرات لم يُكتشف بعد، وهذا محل اهتمام كثير من الجامعات على مستوى العالم.
وأعتقد أنه لا يزال الكثير أمام العلماء والمهندسين لابتكار منتجات تقوم على تكنولوجيا الطيران بالرفرفة تقليدا للطبيعة، وهذه التطبيقات يمكن تعميمها لتشمل لعب الأطفال أو حتى لأغراض التجسس.