د. عبد العزيز النجار.. وتجربة بنوك الادخار
“كان مشروع بنوك الإدخار المحلية مشروعا فريدا، متعمقا وأصيلا، ومحكما فنيا، إضافة ل كونه مشروع متطور بمعنى أنه يخطو نحو أنواع جديدة من المشاكل تتطلب مهارات ابتكارية لمعالجتها، وهذا ما يجعل المشروع كما رأينا يشكل نموذجا وآية غاية في الروعة لعلاج مشكلات التنمية” تلك هي الكلمات التي تضمنها تقرير مجلة إنترناشيونال ريفيو عن بنوك الإدخار المحلية 3، وهي التجربة التي أسسها الدكتور أحمد عبد العزيز النجار في مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بمصر عام 1963، واستمرت تعمل حتى عام 1968 ، حيث دهسها بلدوزر النظام الحاكم في مصر، ولو قدر لهذا البنك أن ينمو في مناخ حر لكان له شأن كبير في التنمية الاجتماعية/ الاقتصادية، لكن الأماني لا زالت ممكنة، والظروف التي يعيشها العالم حاليا في ظل أزمته الاقتصادية والمالية تجعل من التجربة طوق نجاة للملايين من بسطاء الناس في العالم.
بنوك بلا فوائد
لا تقل تجربة بنوك الادخار روعة عن تجربة بنك جرامين أو بنك الفقراء إن لم تفقه، فهي ليست كالبنوك الإسلامية مجرد “بنوك رأسمالية منزوعة الربا“، محكومة بأنظمة البنوك المركزية، أو تستثمر أموالها في الخارج، أو على الأقل ليس لها أي تأثير تنموي على القطاعات العريضة من جماهير الشعوب، فبنوك الادخار المحلي ذات صبغة اجتماعية تنموية محلية لا لبس فيها، وهي إضافة إلى ذلك بنوك لا تتعامل بالفوائد الربوية، وهي السمة الأبرز التي من شأنها أن تمنح تلك البنوك أو صناديق الادخار قبولا لدى القطاعات العريضة من جماهير المسلمين، ولو أحسن الدعوة لنموذجها لأصبحت عاملا منقذا للاقتصاد العالمي من أزمته. في كتابه “بنوك بلا فوائد” 4 يقدم “بطل” التجربة الدكتور “أحمد عبد العزيز النجار” 5 نموذج بنوك
الادخار المحلي في إطار رؤية اجتماعية واقتصادية متكاملة تتشابه في كثير من جوانبها مع رؤية البروفيسور محمد يونس بطل” بنك الفقراء وإن اختلفت التجربتان في مداخلهما لحل معضلة التنمية في بلدان العالم النامي، ومن ثم اختلفت بعض تفاصيل النموذجين.
بين بنوك الادخار وبنوك الفقراء
بين تجربتي أحمد النجار ومحمد يونس مشابهات ومفارقات، فمن باب المشابهات نظرتيهم النقدية إلى أنماط ونماذج التنمية والاقتصاد القائمة، فكلاهما ينتقد نماذج التنمية التي تنبني على الشمروعات ال كبرى بغض النظر عن استفادة عموم الناس منها، فالنجار ينتقد قلة الموارد المالية المرصودة للتنمية المحلية، وانتقد الاعتماد على المشاريع الضخمة على حساب الصناعات الحرفية الصغيرة على الرغم من أهميتها، وانتقد الاتجاه العام نحو المشروعات كثيفة رأس المال، والابتعاد عن الشمروعات كثيفة العمالة، وقد رأى أن تجربته تصحح تلك الأوضاع.
كلاهما (النجار ويونس) رأى في سلوكيات الفقراء وبسطاء الناس جوانب تعوق التنمية وتحتاج إلى علاج وتنمية، وكلاهما اتخذ من نموذجه وسيلة لتحقيق ذلك، حتى أن النجار اعتبر أن الآثار الاجتماعية للتجربة أهم من غيرها من الآثار (الفنية والاقتصادية) وقد رأى تلك الآثار في تعبئة سكان الريف وتحويلهم إلى الإيجابية بدلا من السلبية واللامبالاة والاتكالية، تجنب الآثار السلبية الناتجة عن هجرة أهل الريف، وتعريض (أو توسيع) قواعد المل كية بين الفئات الضعيفة اقتصاديا، وربط المثقفين بالجماهير من أجل التنمية والإنتاج بدلا من الأيديولوجيات المستوردة.
كلاهما بنى نموذجه على أساس مشاركة المستضعفين والفقراء في حل مشكلاتهم بالجهد والمال، وكلاهما رأى في القروض الاستثمارية والتنمية المحلية كسرا لحلقة انقسام المجتمع إلى نخبة مترفة وقاعدة واسعة مهمشة، وكلاهما ألغى الضمانات التي تطلبها البنوك التجارية واعتد على أشكال أخرى من الضمانات يستطيع الفقراء توفيرها، وتعتمد في بنوك الادخار على الضمانات الشخصية، وعلى صفة اللامركزية والمحلية.
كلاهما قصر الحصول على القروض على الأعضاء (في بنك الفقراء) أو على المدخرين (في بنوك الادخار المحلية)، وزاد عليها الأخير أنه اشترط أن المدخرات المتجمعة من المنطقة، ينبغي أن تستثمر في نفس المنطقة وليس خارجها.
ومن المفارقات أن تجربة بنك الفقراء أخذت وأعطت فوائد للأعضاء/ المقترضين، بينما جعلت بنوك الادخار المحلية التعاملات مدخرات وقروض بلا فوائد وجعلت المشاركة بديلا لتغطية المصاريف الإدارية، ومن المفارقات أيضا أن تجربة يونس كتب لها البقاء والنمو والعالمية، بينما كتب على تجربة النجار قصر العمر ورغم النمو في هذا العمر القصير فلم يعصمها ذلك من أن توئد حية.
الأمل في الإحياء
لا شك أن تجربة النجار يمكن أن تحيا لأنها تعتمد بشكل أساسي على اللامركزية والمحلية، ومن ثم يمكن أن تطبق في محلة واحدة (قرية أو حي) في شكل صناديق ادخار محلية، ولا شك أنها ستكون أكثر قبولا من بنك الفقراء وذلك من الناحية النفسية خاصة في وسط الجمهور المسلم، إلا أنها يمكن أن تكتسب الصفة الإنسانية والعالمية التي تحققت بنك الفقراء لو أنها نجحت في تقديم نماذج ناجحة من الناحية الإدارية والاقتصادية والتنموية تغري بنقلها إلى مجتمعات أخرى لا يشترط أن تكون مسلمة.