جان كامبل.. لازال في الفن مساحة لإبداع جديد
كما هبطت التفاحة على رأس اسحق نيوتن، فكثيرا ما يكون للمصادفة القدرية دور في تغيير حياة البعض. لم تكن تلك أول ولا آخر تفاحة تسقط من شجرتها، لكن عين عقل اسحق نيوتن رأت هذا السقوط، في ذلك اليوم البعيد بعين جديدة. هكذا كان الحال مع الفنانة الأيرلندية جان كامبل Jan Campbell التي رأت نواة ثمرة أفوكادو يوما بعين عقلها رؤية مختلفة، فغيرت مجرى حياتها.
تعيش جان في مقاطعة مايو في غرب أيرلندا، حيث تستمتع بالعيش في الطبيعة، واستكشاف الغابات والمستنقعات والشواطئ. تعشق جان النحت وتشعر أنه ضرورة اتصالية بالنسبة لها، وهي الحقيقة التي توصلت إليها مؤخرا فقط، وكما تقول جان على مدونتها: أشعر بالتواصل مع السكان البشريين الأوائل في الأرض عندما أمارس هذا الشكل الفني القديم، علّمت نفسي أن أنحت عن طريق الغريزة والحدس والتجريب”. لم تتلق جان أي تدريب رسمي في هذا المجال، ولهذا، تشعر بالامتنان لأن هذا أتاح لها أن يكون النحت عملية شخصية تمامًا.
بدأت جان هوايتها في عام 2014 فقط، وذلك عندما كانت تتناول طعامها، وفتحت ثمرة أفوكادو ناضجة تمامًا، وأدهشها شكل النواة التي وجدتها بداخل ثمرة الأفوكادو، بدت لها النواة جميلة، لم تكن جان تهتم أبداً اهتماما خاصا بأي نواة أفوكادو من قبل، لكنها في هذه اللحظة بدا لها أنها كانت تمسك بجسم جوهري في يدها، جسم لديه الكثير من الإمكانات.
وفي تلك اللحظة شعرت وكأنه من العار أن تضع النواة في الكمبوست/ السماد، لذا فبعد التأمل فييها لبضع دقائق، مسحتها كي تنظفها، ووضعتها في جيب معطف المطر الخاص بها. وبعد بضعة أيام، كانت تتجول في الريف تحت المطر الخفيف، عندما جلست لأخذ قسط من الراحة، ووضعت يديها فى جيوبها ووجدت نواة الأفوكادو تقبع في داخل أحد جيوبها. فوضعتها في كفها ودرستها عن كثب، وشعرت بتواصل عجيب بها بينما كانت أصابعها تستكشفت شبكة الأوردة التي بدت على شكل شجرة على سطح النواة، وتساءلت ماذا يمكنها أن تفعل بها، واستقرت باندفاع على قرار أنها سوف تحتفظ بها إلى الأبد، مثل حيوان أليف سري يطمئنها في جيبها.
من ثم رافقتها نواة الأفوكادو لمدة أسبوع أو أسبوعين حتى قامت بإخراجها يومًا ما، ورأت أن السطح قد خدش، ربما من احتكاك مفاتيحها به. كانت مفتونة بما رأته من ظهور صبغة برتقالية عميقة قد ملأت الخدش، حينئذ شعرت برغبة ساحقة لاستكشاف المزيد. فكما تقول: “ربما كان حيوان الجيب الخاص بي يقبع داخل النواة، ينتظر بصبر أن أحفر لأخرجه”. ومن ثم جمعت جان تشكيلة عشوائية من الأدوات الحرفية التي تساعدها على الحفر وشرعت في العمل في نحت السطح ببطء وعناية شديدة، ودراسة تأثير كل حركة على النواة. تقول جان “لم أستطع أن أصدق مدى إشباع هذا النشاط لي، كيف لم أكتشف هذا المتعة من قبل؟ كنت قد رسمت صوراً طوال حياتي، لكن النحت كان مثل الرسم ثلاثي الأبعاد، أصبح لدي بعد إضافي ألعب معه، وفي النهاية وجدت وجها مبتسما لطيفا داخل النواة، وأصبحت كمدمنة مخدرات، فذهبت مباشرة إلى السوبر ماركت لشراء المزيد من ثمار الأفوكادو، وبدت لي الأيام القليلة التي انتظرت فيها نضج ثمار الأفوكادو كأنها دهر، كانت أصابعي تأكلني كي أعثر على المزيد من الشخصيات داخل النوى.
وفي تلك الأيام المبكرة لممارسة جان للنحت، قررت إنشاء حساب على إنستجرام مخصص بالكامل لهوايتها الجديدة، حيث يمكنها أن تحتفظ بيوميات لصور نحتها الخاصة، وأخذ حسابها ذاك الاسم الأول الذي تبادر إلى ذهنها: وجوه نوى الأفوكادو أو Avocado Stone Faces. وهو الاسم الذي تحملها مدونتها.
بعد ذلك أضافت جان النحت على البرونز إلى هواية النحت لديها، واشتهرت منحوتاتها صغيرة الحجم المصنوعة من كل من نواة الأفوكادو والبرونز والمتأثرة بأساطير قبائل السلتيك Celtic والتي كانت تتواجد على الجزر البريطانية منذ قرون، كأشكال حراس الغابة، وعش الغراب، وغيرها من المنحوتات الصغيرة البديعة والمتقنة، والتي صارت جان بفضلها فنانة مشهورة تباع قطعها الفنية بأسعار كبيرة.
انتبه أنت أيضا، فربما ترى شيئا قديما بعين جديدة فيكون ذلك سببا في تغيير حياتك.
مجدي سعيد