“ثورة البطة الواحدة”.. قوة جديدة للمعارف والخبرات التقليدية
في إطار تيارات أنسنة العالم، تأتي حركات وأفكار الزراعة البيئية على اختلاف مدارسها، وهي حركات وأفكار سعت لإيجاد طرق بديلة لاستخدام الكيماويات في الزراعة، ومن أجل زراعة أكثر تناغما مع ما أودعه الله في الطبيعة، ومن ثم غذاء أكثر صحة.
في هذا الإطار رأينا مدرسة الزراعة الطبيعية في اليابان وروادها ماسانوبو فوكوكا وأكيرا مياواكي، ورأينا مدرسة الزراعة المعمرة وروادها بيل موليسون وديفيد هولمجرن.
وفي نفس هذا الإطار تأتي مدرسة “قوة البط The Power of Duck” وهو اسم الكتاب العمدة في هذه المدرسة، والذي يتضمن المنهجية التي ابتكرها تاكاو فورونو Takao Furuno مبتكر هذه المنهجية.
تاكاو فورونو كما تعرفه الويكيبيديا، هو مزارع ياباني، مولود عام 1950، وهو رائد اجتماعي، وهو مصمم الطريقة التي تعرف باسم آيجامو Aigamo لاستخدام البط في زراعة الأرز.
كان تاكاو من أوائل من اتجهوا للزراعة العضوية في اليابان، وذلك عام 1978، بعدما حفزه مطالعته لكتاب عالمة الأحياء البحرية الأمريكية ريتشيل كارسون (1907 – 1964) والمسمى بالربيع الصامت Silent Spring، والذي نشر عام 1962، ليوثق الآثار البيئية الضارة الناجمة عن الاستخدام العشوائي للمبيدات. وكما يقول تاكاو، فقد وجد في ذلك الكتاب الحافز على أن يأخذ الاتجاه الزراعي الذي أخذه.
وبعد عشر سنوات من استخدام ممارسات الزراعة العضوية، تعلم تاكاو، طريقة زراعة الأرز الياباني التقليدية التي تتألف من استخدام البط للقضاء على الحشائش في حقول الأرز “طريقة آيجامو”. وكانت تجربته الأولى في استخدامها ناجحة، ففي هذا النظام، يتم إدخال فراخ البط لحقول الأرز لغرض (1) توفير الأسمدة الطبيعية، (2) لتعزيز شتلات الأرز عن طريق تعريض المياه للأكسجين بسبب الاضطراب الناجم عن سباحة البط في مياه زراعة الأرز، وكذلك (3) لالتهام البط للأعشاب وأكله للحشرات.
ولكن واجهته بعض المشاكل: ففي موسم واحد، دمر المرض محصول تاكاو بأكمله، ولمدة ثلاث سنوات كانت الكلاب تأكل البط حتى ركب أسوارا كهربائية. بعد ذلك، كان على تاكاو مواجهة الطيور الجارحة، التي كانت تطير إلى الحقول لتناول وجبة سريعة من البط.
مع ذلك، ومن خلال المراقبة والبحث المستمر، تمكن تاكاو من تحديد العمر الأمثل الذي يجب أن تطلق فيه فراخ البط في حقول الأرز، وهو عمر (7 أيام)، والعدد الذي يجب إدخاله لكل عُشر الهكتار وهو عدد (15-30) بطة، واللحظة التي يجب فيها إزالة فراخ البط من العمل في حقل الأرز، بعد (8 أسابيع)، وذلك حتى لا تأكل الأرز.
ومن خلال التجربة، اكتشف أيضا أن إضافة أسماك اللوتشيز loaches وهي أسماك مياه عذبة صغيرة، وبعض الأعشاب التي تثبت النيتروجين مثل الأزولا أو عشب البط إلى الحقول، عززت من نمو كل من الأرز والبط، وزودت التغذية في وقت واحد للبط. وأن الأسلاك المعلقة على مسافات عبر الحقول ردعت الطيور الجارحة.
ومن ثم فإنه بحلول عام 1989، كان قد أعاد تصميم الأسلوب ليصبح نظاما مستداما ومتكاملا لتربية الأرز والبط يمكن استنساخه. واليوم، وإضافة إلى حماية صحة أسرته بالغذاء الصحي، ينتج فورونو غلة محصولية دون استخدام المواد الكيميائية تساوي أو تفوق تلك الخاصة بالمزارعين الذين ما زالوا يستخدمون الطرق التقليدية.
وقد نجح تاكاو في تسويق أرز البط الآن بسعر أعلى بنسبة 20-30٪ مقارنة بالأرز المزروع تقليديا في اليابان وبلدان أخرى. واليوم، تنتج مزرعته التي تبلغ مساحتها 3.2 هكتار محصولا وفيرا من الأرز والخضروات العضوية والبيض والبط.
ولرغبة تاكاو في مشاركة تجربته وإلهام الآخرين لتطوير حلول مبتكرة مماثلة لتحديثات الزراعة الحالية والمستقبلية فقد قام بتأليف كتابه “قوة البط” الذي أشرنا إليه في عام 2002. كما قام بإصدار كتابه الثاني “ثورة البطة الواحدة The One Duck Revolution” عام 2012.
ومن خلال كتاباته وأسفاره ومحاضراته وتعاونه مع المنظمات الزراعية والحكومات، امتدت منهجيته إلى أكثر من 75000 مزارع في اليابان وكوريا والصين وفيتنام والفلبين ولاوس وكمبوديا وماليزيا وبنجلاديش وإيران وكوبا.
وكما يشير موقع الويكيبيديا فإن اعتماد هذه الطريقة يزيد دخل المزارع، ويقلل من عبء العمل، ومن الأضرار البيئية، مع زيادة الأمن الغذائي المحلي والإقليمي، فعندما تنتهي الحاجة إلى البط، يتم استخدامه كطيور مائدة أو بيعه ليضيف إلى دخل الأسرة وتناول البروتين، كما يتمتع المزارعون الذين يستخدمون طريقة آيجامو أيضا بمزيد من الوقت لقضائه مع أسرهم أو في قضاء مصالحهم الأخرى.
د. مجدى سعيد