تنبأ بأمطار ذات يوم صيفي.. فهطلت بلا مقدمات.. الفيزيائي العراقي .. تلميذ آينشتاين
تنبأ الفيزيائي العراقي الشهير الدكتور عبد الجبار عبد الله، أحد تلاميذ العالم الشهير ألبرت آينشتاين، بسقوط أمطار ذات يوم صيفي.. فهطلت بلا مقدمات!
وُلد الدكتور عبد الجبار عبد الله في محافظة ميسان العراقية عام 1911، ونشأ في أسرة تعاني من شظف العيش، فكان يرتدي الثياب الصيفية في وقت الشتاء، ويتجول حافي القدمين، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب لأسرته الفقيرة.
أتمّ دراسته الابتدائية في قلعة صالح في مدرسة افتتحت عام 1917 على أيدي السلطات البريطانية في لواء العمارة آنذاك، ودخل المدرسة عام 1918 وتخرج منها عام 1925، ومن ثم أكمل دراسته الثانوية بالثانوية المركزية في بغداد في عام 1930، بفضل درجاته المتفوقة، خصوصاً في مادتي الرياضيات والفيزياء.
من بيروت إلى بوسطن
حصل عبد الله على منحة دراسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، وكانت سفرته إلى لبنان من خلال البحر عبر ميناء البصرة، ومثلت هذه البعثة ودراسته للفيزياء أهم محطات حياته التي صنعت شخصيته العلمية التي اتضحت بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية، وقبل سفره للالتحاق بالجامعة شهد العالم تأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج البلد، وضمت تلك الجمعية شخصيات مؤثرة ومهمة في تاريخ العراق، مثل محمد حديد وعبد الفتاح إبراهيم وعلي حيدر سليمان، وانضم إليهم عبد الجبار عبد الله، وشكلت النواة الأولى لجمعية الرابطة الثقافية التي تأسست في بغداد، وفي ذلك الوقت أصدرت مجلة “الرابطة” التي شغل في وقتاً لاحق سكرتير التحرير فيها منذ صدورها عام 1944.
وحصل عبد الله على شهادة البكالوريوس بدرجة امتياز في الفيزياء والرياضيات من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1934، وحصل على شهادة الدكتوراه بالعلوم بدلاً من شهادة الدكتوراه في فلسفة العلوم المعتادة وشهادة الدكتوراه في العلوم، وهي شهادة نادرة تمنحها قلة قليلة من الجامعات تعبيراً عن انجازات الطالب المتميز.
وأكمل دراسته في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، حيث حصل على جائزة بسبب تفوقه في مجال فيزياء الأنواء الجوية وهي عبارة عن ساعة ذهبية، وقد أشرف على دراسته برنارد هوروتز أستاذ الأنواء الجوية. ويعتبر معهد ماساتشوستس أرقي جامعة علمية في العالم على الاطلاق.
عُيّن أستاذاً ورئيساً لقسم الفيزياء في دار المعلمين العالية في بغداد من سنة 1949 الى 1958. خلال هذه الفترة رُشح أستاذا باحثا في جامعة نيويورك الأمريكية بين سنتي 1952 و1955. في عام 1958 عين أميناً عاماً لجامعة بغداد ووكيلاً لرئيس الجامعة.
وبعد فترة وجيزة من إعلان استقلال العراق في عام 1932 شرعت المملكة العراقية في توسيع وتحسين التعليم الثانوي، وقد لعب عبد الجبار عبد الله دوراً في هذا التطور من خلال تدريس الرياضيات والفيزياء في عدد من المدارس في بغداد وميسان.
وتخصص في مجال علوم الأنواء الجوية بعد أن عمل معاون مدير الأنواء الجوية في مطار البصرة (1937-1941). وعمل أيضاً كمدرس في دار المعلمين الابتدائية القسم العالي وعدد من المدارس الاعدادية في بغداد (1941-1944) وعمل أيضاً أول سكرتير تحرير لمجلة الرابطة مثلث، وعمل أستاذاً في الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (1948-1949) بعد حصوله على شهادة الدكتوراه وأنجز خلال هذا الفترة بحثين من أهم بحوثه حول حركة الأمواج ونشوء الأعاصير وقد عاد إلى العراق بعد ذلك، وتم تعيينه رئيساً لقسم الفيزياء (1958-1959) في دار المعلمين العالية، وفي عام 1958 تم دمج دار المعلمين العالية بجامعة بغداد وغُيرت اسمها إلى كلية التربية.
والتحق بجامعة نيويورك حيث أنجز عدداً من بحوثه أهمها في ديناميكية الأعاصير، وهي دراسة من جزئين، وبعد عودته إلى العراق عام 1957 أصبح عضواً في مجلس تأسيس جامعة بغداد وقد تأسس المجلس بهدف رفع المستوى العلمي لكافة الكليات والمعاهد ثم ضمها في جامعة واحدة وكان المجلس تحت رئاسة الدكتور متي عقراوي.
وعمل رئيساً لتحرير مجلة المجمع العلمي العراقي (1957-1962) بعد تشكيل المجمع العلمي عام 1956، وبعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 تم إصدار قانون في تموز/أيلول 1958 حل بموجبه المجلس التأسيسي المؤقت واستبدل بمجلس الجامعة الدائم وعُين عبد الجبار أمين عام ورئيساً للجامعة بالوكالة، وفي عام 1959 اتخذت اجراءات جديدة لتطوير الجامعة وعُين رئيساً لها وشهدت الجامعة خلال سنوات رئاسته (1959-1963) نمواً سريعاً من حيث عدد ونوعية البرامج الدراسية ومن حيث عدد الطلبة وتطورت أيضاً سمعة الجامعة فأصبحت واحدة من أرقى جامعات الشرق الأوسط.
ومن الطرائف التي تروى عن العالم العراقي الراحل أنه شوهد يحمل مظلة شمسية أثناء قدومه للدوام الرسمي في أحد أيام الصيف وعند سؤاله عن السبب قال بأن الدنيا ستمطر اليوم. لم يقتنع أحد بطبيعة الحال بما تنبأ به الدكتور العالم بالأنواء الجوية. وبالفعل، أمطرت السماء قبل ظهر ذلك اليوم، بلا مقدمات!
اعتقال ثم هجرة
بعد انقلاب 8 فبراير شباط عام 1963 تم اعتقال عبد الجبار عبد الله، واستجوابه حول انتماءاته السياسية وخرج من المعتقل يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، وتم احالته على التقاعد رغم عدم توجيه أي تهمه رسمية له، وعمل كباحث في مركز البحوث الوطني للأنواء الجوية (1965-1966).
وبفضل ضغوط دولية استطاع من خلالها مغادرة البلاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تعيينه كباحث زائر في بولدر كولورادو وأنتج عدد من الدراسات الهامة بالإضافة إلى كتاب مع جيمس أوبراين، وفي عام 1966 أنتقل إلى جامعة ولاية نيويورك في ألباني حيث عين أستاذاً في قسم علوم الأنواء الجوية وفي عام 1967 حصل على منحة لإجراء سلسلة من الدراسات حول إمكانية الإنسان في السيطرة أو تغيير الطقس.
كان العالم العراقي عبد الجبار عبد الله يجيد التحدث بأكثر من لغة فضلاً عن العربية والآرامية، فكان يتحدث اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وله العديد من النظريات والبحوث العلمية وخاصة في مجال الأنواء الجوية، حيث يعود له الفضل الكبير في العديد من الاعمال بمجال الأعاصير والزوابع من فيزياء الجو، وله العديد من المؤلفات في مجال الفيزياء والعلوم باللغة العربية وترجم العديد من الكتب العلمية الأجنبية إلى اللغة العربية.
وبعد فترة وجيزة من السفر إلى أمريكا بدأ عبد الجبار يعاني من مرض عضال وبقى يصارع مرضه حتى وافاه الأجل في التاسع من تموز 1969 حيث نقل جثمانه الى العراق، وُوري الثرى في مقبرة الصابئة المندائيين في أبو غريب بناءً على وصيته.