ريادة

تلاميذ أكاديمية فيكتوريا بارك ومبادرتها الفريدة للتنشئة الريادية الاجتماعية

أحياناً لا تكون الريادة بطولة فردية، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها في الغالب لا تكون كذلك، ربما يكون الرائد الذي اجتذب الأضواء اسما فرديا، ولكن حتى في تلك الحالات، يكون سنده وظهره آخرون، من أسرة أو مدرسة أو مجتمع محلي. ولكن في بعض الأحيان لا يأتي ذكر أسماء لهؤلاء الرواد الصغار، وإنما يكون البطل في القصة عمل، مبادرة وراءها العشرات، وقصتنا اليوم من هذا النوع.

البطل في قصة اليوم يحمل اسم مبادرة أقامتها إحدى المدارس الابتدائية البريطانية وهي أكاديمية فيكتوريا بارك Victoria Park Academy والتي تقع في مدينة سميثيك Smethwick الصناعية والتي تقع على بعد 4 أميال إلى الغرب من مدينة برمنجهام الصناعية الشهيرة.

تحمل المبادرة اسم توابل شارع بالوت أو Ballot Street Spice وهي عبارة عن نشاط فريد للتنشئة الريادة الاجتماعية يتخذ من التوابل مركزا لعمله، ويشارك فيه فضلا عن تلاميذ المرحلة الابتدائية، كل من أولياء الأمور والمعلمين. وقبل أن نسترسل في الحديث عن المبادرة نعود للوراء قليلا للحديث عن الأكاديمية، وقصة إنشائها للمبادرة.

جاء في التقرير المنشور على موقع أشوكا Ashoka.org والذي يحمل عنوان “مدرسة ابتدائية للريادة الاجتماعية” أن المدرسة كانت عام 2007 مدرسة فاشلة، وكانت تأتي في أدنى 1% وفق نظام تقييم المدارس في إنجلترا، لكنها استطاعت خلال 4 سنوات أن تصل إلى الحصول على جائزة التميز عام 2011 من قبل نفس الهيئة.

ومن بين أمارات تميز الأكاديمية، أنها قامت بتضمين منهج لتعليم ريادة الأعمال الاجتماعية و”مهارات صانع التغيير” الأساسية، مثل التعاطف والعمل الجماعي والإبداع، في جميع مناهجها الدراسية. وفي إطار هذا المنهج يتم تشجيع الطلاب على تبني منظور صحي “للفشل”، وبناء مهارات الصمود وحل المشكلات، وغيرها من المهارات المطلوبة في هذا المجال. ولتمكين للأطفال من وضع مهاراتهم في تنظيم المشاريع موضع التنفيذ قامت المدرسة بإنشاء مبادرة توابل شارع بالوت Ballot Street Spice.

وحول السبب في تأسيس تلك المبادرة يشير التقرير أن هناك أكثر من 40 لغة مختلفة يتم التحدث بها في الأكاديمية، ويرجع ذلك بالطبع للمجتمع الصناعي في المدينة الذي يجتذب هذا الكم من الجنسيات واللغات من أنحاء العالم، ومن ثم أرادت المدرسة إنشاء مؤسسة اجتماعية تعكس تنوع المدرسة والمجتمع المحلي.

وقد تم اختيار التوابل بسبب ارتباطها بالتاريخ الاجتماعي والثقافي للشعوب المختلفة. ومن أجل تأسيس هذه المبادرة، أجرى التلاميذ أبحاثًا عن السوق مع المجتمع المحلي، وجمعوا المعلومات والقصص حول التوابل التي يستخدمها السكان في مجتمعاتهم المحلية، وكيف يستخدمونها.

ومن ثم نشأت مبادرة توابل بالوت ستريت كمؤسسة اجتماعية عبارة عن نادي توابل أسبوعي بعد المدرسة، يجتمع فيه التلاميذ والعائلات من خلفيات متنوعة لتعلم وطهي ومشاركة وصفات من مزيج التوابل.

فالتوابل لها تاريخ اجتماعي طويل الأمد، وهي رمز للتقاليد والأذواق والثقافات المختلفة. فمنذ الخمسينيات من القرن الماضي، كان الناس يصلون إلى سميثيك من جميع أنحاء العالم، وقد خلقوا نسيجا متنوعا من العديد من اللغات والأديان والثقافات.

لذا، ومن خلال الاحتفال بالتنوع والاعتزاز بالتقاليد القديمة، أرادت المدرسة من خلال تلك المبادرة جمع الناس (التلاميذ وأهاليهم) معا حول التوابل وحول مشاركة قصص التوابل الخاصة بهم قبل أن تضيع تلك القصص.

ومن خلال أنشطة النادي/المبادرة يخوض التلاميذ مغامرة اكتشاف الاستخدام التقليدي للتوابل عبر الثقافات المختلفة في سميثيك وعبر مشاركة هذه الوصفات معا. حيث يتم تحميص وطحن ومزج التوابل يدويا وصنع منتجات التوابل الأصلية، التي تتاح للبيع بما يساعد المبادرة على خلق فرص عمل للمجتمع المحلي وتعليم النشء، حيث يشارك التلاميذ من خلال المبادرة في كافة أنشطتها.

وبسبب تميز وفرادة هذه المبادرة، تم انتخاب أكاديمية فيكتوريا بارك كمدرسة من مدارس أشوكا لصناع التغيير Ashoka Changemaker في عام 2014.

هناك الكثير الذي يمكن أن يتعلمه التلاميذ في مجال الريادة على المستوى العملي والتطبيقي من أمثال تلك المبادرات التي تتمحور حول المدارس، ومجتمعاتها المحلية، خاصة إذا كان المجتمع بهذا التنوع والثراء، وأظن أننا نحتاج في مجتمعاتنا لمثل هذه المبادرات، من أجل صنع الأجيال القادمة من الرواد الصغار.

د. مجدى سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى