تقنية مبتكرة من “جامعة الملك عبد الله للعلوم” لتقليل استهلاك الطاقة في مصانع البتروكيماويات
تستهلك مصانع البتروكيماويات والأسمنت والحديد والصلب في المملكة العربية السعودية قرابة نحو ٦٥ % من إجمالي استهلاك القطاع الصناعي من الطاقة وأكبر الصناعات الثلاث السابقة استهلاكا للطاقة هي صناعة “البتروكيماويات”، حيث تستهلك نحو ٥٠ % من إجمالي استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة.
وفي نفس السياق قالت وكالة الطاقة الدولية, “المتوقع أن تشكل البتروكيماويات ما يزيد عن ثلث نمو الطلب العالمي على النفط بحلول ٢٠٣٠ ونحو نصف نمو الطلب بحلول ٢٠٥٠، وسيأتي معظم نمو الطلب من الشرق الأوسط والصين، حيث يجري تشييد مصانع كبيرة للبتروكيماويات”.
سائل الزيلين
وفى خطوة منها لتقليل استهلاك الطاقة في مصانع البتروكيماويات, توصل فريق علمي من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست), إلى طريقة مبتكرة تعمل على تقليل استهلاك الطاقة في المصانع, حيث تمكنت الباحثة الدكتور الدكتورة نيفين خشّاب، الأستاذة المشاركة في علوم الكيمياء وزملاؤها، من “مركز الأغشية والمواد المسامية المتقدمة” في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، من تطوير طريقةً مبتكرةً عالية الكفاءة وقليلة الاستهلاك للطاقة لفصل أحد مشتقات البنزين، والمعروف باسم “الزيلين”. وتقول خشّاب عن ابتكارها بأنه في الوقت الراهن موضع نقاشات دائرة بالفعل مع قطاع الصناعة لتطبيق التقنية.
و”الزيلين” هو سائل هيدروكربوني قابل للاشتعال يستخدم كمذيب وكمادة أولية في صناعة الأصباغ والمواد المتفجرة حيث تحلُّ فيه مجموعتا ميثيل محلَّ ذرتي هيدروجين مرتبطة بحلقة البنزين.
ويتّخذ “الزيلين” ثلاثة أشكال مختلفة تُعرف باسم “الأيزومرات أو المتجازئات” تختلف عن بعضها في موضع ذرة كربون واحدة. ومركبات “الزيلين” هي جزيئات لها الصيغة الكيميائية نفسها، وغالبًا الروابط نفسها بين الذرات، إلا أنها تختلف في ترتيب المجموعات الوظيفية التي تشكّل هذه المركبات، وهي تدخل كما ذكرنا في عديد من الاستخدامات واسعة النطاق، كالبوليمرات والمواد البلاستيكية والألياف، وتُستخدم أيضًا كمواد مضافة إلى الوقود وغيرها من التطبيقات، لكن كثيرًا من هذه الاستخدامات يعتمد على أيزومر واحد فقط من الأيزومرات الثلاثة.
ونظرًا إلى التشابه الكبير بين الأيزومرات، فإن خصائصها الفيزيائية، مثل نقطة الغليان، متقاربة للغاية، ولذلك يتطلّب فصلها استخدام قدر كبير من الطاقة. ويعد الاستخلاص من العمليات الكيميائية المهمة التي تهدف إلى عزل وفصل مادة معينة مرغوبة عن مواد أخرى سبق وتم مزجها جميعا معا (غالباً بطريقة طبيعية) في خليط مواد واحد.
وفي هذا السياق يقول الدكتور “جنجوو جانج”، باحث ما بعد الدكتوراة في فريق خشّاب والمؤلف الأول للدراسة: “إن تكاليف الطاقة المطلوبة عالميًا لفصل هذه الأيزومرات باستخدام التقطير تبلغ نحو ٥٠ جيجاوات سنويًّا، أي ما يكفي لتزويد ٤٠ مليون منزل بالطاقة، ولذا أردنا التوصل إلى طريقة عالية الكفاءة وقليلة الاستهلاك للطاقة من أجل فصل هذه الأيزومرات وتنقيتها للاستخدام في قطاع البتروكيماويات”.
لفصل أيزومرات الزيلين، استخدمت خشّاب وفريقها جزيئات دائرية مجوفة على شكل حلوى الدونتس تسمى كيوكوربيترول (cucurbiturils)، والتي يمكن للتجويف في مركزها أن يستضيف داخله جزيئات أصغر.
وأثبت الفريق أن التجويف في مركز جزيء الكيوكوربيترول يتمتع بالحجم المثالي لاستضافة الأيزومر أورثو-زيلين، وباستخدام عملية تُسمّى استخلاص سائل-سائل -وهي الطريقة التي تُعزَل بها مادة ما من مزيج يحوي على مواد أخرى- استعان الفريق بجزيء كيوكوربيترول لفصل الأورثو-زيلين عن الأيزومرات الأخرى.
ويوضح جانج: “استطعنا فصل الأورثو-زيلين بدقة تزيد على ٩٢% بعد دورة استخلاص واحدة”، مضيفًا: “بخلاف الطرق المستخدمة من قبل، تُنفَّذ طريقتنا في ظل درجة حرارة وضغط الغرفة، مما يعني استهلاك قدر قليل جدًا من الطاقة فضلًا عن سهولة التطبيق”.
وتشير خشّاب إلى أن العملية بالكامل صُمّمت على نحو يجعلها مناسبة للاستخدام في مصانع البتروكيماويات القائمة حاليًا، مضيفة أن: “أبراج استخلاص سائل-سائل تُستخدم في الصناعات اليوم، ولذا من السهل نسبيًّا دمج مادتنا في هذا النظام، كما أن جزيء كيوكوربيترول يتميز بأنه ليس مُكلّفًا، كما أنه متاح تجاريًّا أو يسهل تصنيعه، فضلًا عن كونه مستقر إلى حدٍّ كبير بالمقارنة مع أغلب المواد المسامية”.
واختتمت خشاب حديثها بالقول إنه: “سبق أن أثبتنا إمكانية فصل الزيلين من عينات النفط التجارية عند مقاييس تصل إلى ٠.٥ لتر، ونحن على تواصل مع شركة أرامكو السعودية لإدخال هذه العملية حيز التنفيذ في القطاع الصناعي”. فيما اكد “جانج” إن الفريق يدرس أيضًا بعض الاستخدامات الأخرى لعملية الفصل المذكورة.