منوعات

تأثير المدن: الموارد الضرورية للتوسع الحضري في المستقبل

  1. تحديات المستقبل

تشير التوقعات إلى أن نسبة سكان العالم الذين يعيشون في المدن والبلدات سترتفع من 54 في المئة في عام 2015 إلى 66 في المئة بحلول عام 2050، وسيجري معظم هذا التحول في بلدان الجنوب ولا سيما في آسيا وأفريقيا، وسيقتضي ذلك توسيع نطاق المدن القائمة توسيعًا كبيرًا وبناء مدن جديدة.

وقد يؤدي استمرار تطور الأمور على هذا النحو إلى ارتفاع كمية الموارد السنوية الضرورية للمناطق الحضرية من 40 مليار طن في عام 2010 إلى زهاء 90 مليار طن بحلول عام 2050. وسيفوق الطلب الشديد على هذه المواد الخام بكثير قدرة كوكب الأرض على توفير الموارد الضرورية بصورة مستدامة؛ لذا ينبغي أن تصبح مسألة الموارد شاغلًا مركزيًا من شواغل السياسات العامة، إضافةً إلى الشواغل المتعلقة بثاني أكسيد الكربون التي بات الجميع يدرك أهميتها.

فضلًا عن ذلك، يُخشى من أن يؤدي توسع المدن المستمر منذ أجل طويل بنسبة 2 في المئة سنويًا إلى زيادة استعمال الأراضي الحضرية في العالم من مساحة تناهز المليون كيلومتر مربع إلى أكثر من 2.5 مليون كيلومتر مربع بحلول عام 2050، مما سيعرض الأراضي الزراعية والإمدادات الغذائية لخطر الانحسار.

وتستطيع المدن التي تنتهج نهوجًا تعزز كفاءة الموارد في مجالات النقل والمباني التجارية وتدفئة المباني وتبريدها أن تحقق انخفاضًا بنسب تتراوح بين 36 و54 في المئة في استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الدفيئة واستهلاك المياه في هذه القطاعات.

  • إعادة التفكير في التوسع الحضري: توصيات موجّهة إلى واضعي السياسات

يمثل التحول إلى نموذج المدن التي تمتاز بانخفاض انبعاثات الكربون، وبالكفاءة من حيث الموارد وبتحقيق العدالة الاجتماعية أمرًا حاسمًا لإحراز التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتنفيذ الخطة الحضرية الجديدة. ويمكن استخدام مفهوم “الأيض الحضري” (أي تدفق الموارد عبر المدينة) بوصفه إطارًا للتفكير في السبل التي تمكِّن المدن من تحسين انتفاع السكان بالخدمات الأساسية (أي التركيز على مبدأ الرفاهية للجميع) بالتزامن مع ترشيد استخدام مواردها، وخفض ما تنتجه من نفايات إلى الحد الأدنى. ويمكن تحقيق هذا التحول من خلال اعتماد النهوج التالية:

  • ضرورة تحول عمليات الأيض الحضري من النموذج “الخطي” إلى النموذج “الدائري“: يقتضي إحداث هذا التحول اعتماد سبل جديدة لإدارة حركة الموارد عبر المدينة، فيتعين على الشركات والمدن أن تركز اهتمامها على توفير خدمات عالية القيمة عوضًا عن بيع الأدوات للحصول عليها، كأن توفر الدفء عوضًا عن أجهزة التدفئة، والقدرة على التنقل عوضًا عن الطرق السريعة والسيارات، والنور عوضًا عن المصابيح الكهربائية. وثمة مفاهيم ستحدد معالم النموذج الحضري الجديد مثل “المناجم الحضرية” و”استخدام الموارد المتدرِّج” و”التكافل الصناعي” ومختلف أوجه “الاقتصاد الدائري” (التقليل وإعادة الاستخدام والتدوير).
  • ضرورة رصد عمليات الأيض الحضري للمساعدة في التخطيط الاستراتيجي على مستوى الحكم المحلي: يتعين على سلطات الحكم المحلي أن تفقه جيدًا مدخلات المدن (المواد البيولوجية على سبيل المثال ومخرجاتها)، (النفايات وانبعاثات الغازات) على سبيل المثال، وأن تستخدمها من أجل وضع استراتيجيات لتحقيق الكفاءة من حيث الموارد. فضلًا عن ذلك، يجب قياس العلاقة ما بين الناتج المحلي الإجمالي وتدفق المواد، وما بين استخدام الأراضي العام وانبعاثات غازات الدفيئة، ووضع غايات منشودة في هذا المضمار. ولا بد من تحديد تكلفة الآثار السلبية الخارجية الناجمة عن استعمال مختلف الموارد بغية تقديم محفزات اقتصادية للتشجيع على تغيير أنماط السلوك السائدة.
  • ضرورة تغيير “الخيارات المعتادة” في مجال التخطيط الحضري: يجب تصميم الحيز الحضري بحيث يخدم البشر عوضًا عن السيارات، وبطريقة تمكن الفقراء بوجه خاص من الانتفاع بالإمكانيات التي تتيحها المدينة وتمنع توسع المدن العشوائي، وذلك من خلال ما يلي:
  • استحداث نماذج نمو حضري مدمج: أي أن تكون المدينة بمثابة شبكة تتألف من عقد تمثل مناطق كثيفة السكان والوظائف والمرافق (زهاء 15000 نسمة في الكيلومتر المربع) تربط بينها نظم مواصلات عامة فعالة ومنخفضة التكلفة ووسائل نقل سريعة، ومنها القطارات الخفيفة والقطارات والحافلات على سبيل المثال، وتحيط بها مناطق متوسطة الكثافة من 7500 إلى 10000 نسمة في الكيلومتر المربع، ويجب اعتبار التنمية التي تتمحور حول التنقل وتنمية المناطق أمرين متكاملين.
  • التخطيط المستدام على الصعيد البشري الذي يهيئ الظروف المواتية لإقامة أحياء يطيب العيش فيها وتوفق بين جوانب الحياة العملية والاجتماعية، وتوفر خيارات التنقل المرن (السير على الأقدام واستخدام الدراجات على سبيل المثال) ووسائل التدفئة والتبريد والإنارة “الخاملة” من حيث استهلاك الطاقة في المباني.
  • تطبيق حلول حضرية تحقق الكفاءة من حيث الموارد، ومنها التشارك في وسيلة النقل، والسيارات الكهربائية ومحطات شحن بطارياتها، وكفاءة الطاقة، ونظم إدارة النفايات والمياه، وشبكات توزيع الكهرباء الذكية، والمسارات الخاصة للدراجات، والمباني التي تحقق الكفاءة الطاقة، وتكنولوجيات التدفئة والتبريد والإنارة الجديدة، وغيرها.
  • تخطيط البنى الأساسية الحضرية الكفيلة بتحقيق الكفاءة من حيث التآزر بين القطاعات، كاستخدام الحرارة الناجمة عن معالجة النفايات في نظم الطاقة المحلية واستخدام النفايات في إنتاج مواد البناء، مثل خرسانة الرماد المتطاير.
  • ترويج السلوك المستدام، مثل خفض إنتاج النفايات و/ أو فرزها في المصدر من أجل تدويرها، واستخدام وسائل النقل العامة والسير على الأقدام أو ركوب الدراجات، والانتفاع بالأماكن العامة، وغيرها.
  • اعتماد نموذج إدارة جديد ورسم سياسات تشجع على ابتكار أفكار مبدعة في مجالي تسيير الأعمال والتجريب تبعث على الأمل في تحقيق مستقبل أفضل: ينطوي هذا النهج على اعتماد “إدارة حضرية ريادية” تتوخى من الدولة أداء دور فعال والاضطلاع بتحديد الأهداف على نحو يتيح إنشاء تحالفات أوسع نطاقًا بين “وعملاء التغيير” الحضريين. ولعل هذا النهج ينهض بالأفكار المبتكرة في مجال تسيير الأعمال بحيث يُسترشد بها في التخطيط الاستراتيجي لبناء مدن نابضة بالحياة ومراعية للبيئة وشاملة على الصعيد الاجتماعي، وتُشجع على التجريب. وقد يتيح هذا النهج أيضًا الارتباط بشبكات المدن وبرامج “التوأمة بين المدن” و”المدن الشقيقة” بغية تعزيز التعلم بين المدن على صعيد النُظم.

وتبين المفاهيم مثل “المختبرات الحية” وبرامج الاتفاقات بين الحكومات والمدن، ومراكز الابتكار، والمناطق الخاصة، أن توجه المدن بات أكثر تركيزًا على “التعلم من التجارب”، ويتعين أن تسفر عملية التجريب عن توازن مناسب بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والمستدامة في السياق المحلي.

  • ضرورة اضطلاع المستويات الحكومية العليا بدعم الابتكار على مستوى المدينة في سبيل تحقيق كفاءة استخدام الموارد: يُعد التعاون مع المستويات الحكومية العليا أمرًا ضروريًا للمدن من أجل تجاوز العقبات التنظيمية والحصول على الأموال اللازمة للابتكار. ويكتسي توجيه الميزانيات القائمة للبنى الأساسية نحو مسارات جديدة أهمية حاسمة في هذا الصدد؛ فاعتماد نهج خفض انبعاثات الكربون على سبيل المثال لا يتطلب سوى زيادة الإنفاق على البنى الأساسية بنسبة 5 في المائة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى