العصف الذهني وميلاد الأفكار المبتكرة والفعالة
استعرضت (صبرينا حبيب), الأستاذ المساعد فى الاتصالات المرئية بجامعة ساوث كارولينا, بالولايات المتحدة, الإبداع الناتج عن عملية العصف الذهني الجماعي والفردي, بهدف الخروج بأفكار متميزة.
تم نشر رؤية (صبرينا) عبر موقع «هاو ستف ووركس» عن موقع «ذا كونفرزيشن» وخلُصت إلى أن الإبداع يُعد أحد أكثر المهارات المطلوبة في مقارِّ العمل.
استهلت صبرينا رؤيتها بالقول: ليس من المُستغرَب أن تتطلَّع كبرى الشركات المتعددة الجنسيات إلى توظيف مفكِّرين مبدعين: إذ تُظهِر الأبحاث أن الإبداع يمكن أن يؤدي إلى الابتكار والقدرة على التأقلم في المؤسسات.
وكانت شركة «جوجل»، عملاق التكنولوجيا، قد حقَّقت نجاحًا من خلال ابتكار الطريقة التي نستخدم بها جميعًا الإنترنت. وتدعم شركة «تسلا» لصناعة السيارات الكهربائية توفير بيئة عمل تعاونية بهدف «حل أهم المشكلات التي يواجهها العالم من خلال أفراد موهوبين».
ومع ذلك، قد تتمخَّض عن مشاركة الأفكار فوضى عارمة عندما لا يفهم زملاء العمل المفاهيم الجديدة أو يدعمونها، أو إذا عارضوها. ويقدِّم البحث بعض الطرق الملموسة التي تهدف إلى تسهيل استحداث الأفكار، سواء على صعيد فردي أو جماعي. غير أنه من المفيد معرفة ماهية ما تحاول تسهيله. إذن، ماذا يعني رب العمل عندما يتحدث عن الإبداع؟
العصف الذهني والابداع
تنوِّه الكاتبة إلى أن ثمَّة تعريفات كثيرة للإبداع، ويشير معظمها إلى الأصالة وحل المشكلات، ولعلَّ أفضل ما قيل في هذا الإطار هو ما أوضحه الطبيب النفسي الشهير «ميهالي كسيكزنتميهالي» عندما وصف الإبداع في مقرِّ العمل بأنه امتلاك فكرة يعترف بها خبراء آخرين في هذا المجال وعامة الناس بوصفها فكرة جديدة. وتستكشف الكاتبة في البحث الذي أجرته العملية الإبداعية في سياق التعليم العالي والإعلانات والقيادة.
التفكير الإبداعي وحل المشكلات
وفي عام 2019، استحدثت الكاتبة دورة تدريبية في جامعة ساوث كارولينا بعنوان «التفكير الإبداعي وحل المشكلات» لمساعدة طلاب الجامعات على تحقيق نجاح في مقارِّ العمل التي لا توجد فيها إجابة مُحدَّدة لمعظم المشكلات ولن يحصلوا على توجيهات دراسية أو تعليقات من المُعلِّمين. وقد لاحظت الكاتبة أنه بعد مرور مدة زمنية على إجابة الطلاب عن أسئلة الاختيارات في الاختبار، قد يحققون نجاحًا في المناطق الرمادية (المواقف الصعبة) التي يبدو فيها أي حل محتمل مخيفًا.
التوصيف الوظيفي
وترى الكاتبة أن الطلاب سيبحثون بعد أن يتخرجوا عن التوصيفات الوظيفية التي تبرز الإبداع بوصفها إحدى أكثر المهارات الشخصية المطلوبة.
وتضيف الكاتبة أن تاريخ اتجاه الشركات نحو الحل الجماعي للمشكلات يرجع إلى قرابة ثمانية عقود؛ عندما قدَّم المدير التنفيذي لقسم الإعلانات والأعمال، أليكس أوزبورن، صياغة لمصطلح «العصف الذهني»، الذي وصفه أوزبورن في كتابه «قدرتك الإبداعية» الصادر عام 1948 بأنه يشير إلى «استخدام العقل لإيجاد حل إبداعي للمشكلات، بطريقة جريئة، حيث يسعى كل شخص مشارك في هذا العصف الذهني نحو تحقيق الهدف ذاته». وتمحور هذا الهدف في كمِّ الأفكار: إذ قدَّم 10 عاملين يومًا ما 87 فكرة لحملة إعلانية في غضون 90 دقيقة فقط.
وتستدرك الكاتبة قائلة: ومع أن العصف الذهني الجماعي قد يساعد في توطيد العلاقات بين زملاء العمل ومناقشة أفكارهم وتبادلها، فإن بعض الباحثين شكَّكوا في فعاليتها في السنوات الأخيرة. وتستمر عِدَّة منظمات في استخدام هذه العملية. ويؤدي الاعتراف بالأفكار علنًا إلى تسليط الضوء على أصحابها، ما يجعلهم عُرضة للنقد. وقد يؤدي انعدام الثقة أيضًا إلى الطعن في التفكير الإبداعي.
وظهرت عِدَّة مصادر تقدم إستراتيجيات تهدف إلى تعزيز الثقة الإبداعية الفردية. وتتضمَّن هذه الإستراتيجيات تقبُّل الفشل وممارسة الألعاب والتغلُّب على الخوف من إصدار الأحكام على الأفكار.
تضيف صبرينا: في الوقت الذي ينظر فيه الأفراد إلى المشكلات من وجهات نظر مختلفة، تُظهر الأبحاث أن المجموعات ذات التخصُّصات والخلفيات والمعتقدات والمعارف والمهارات المتنوعة تحقِّق أقوى النتائج وأكثرها تميُّزًا. والعصف الذهني بين الأشخاص الذين يمتلكون خبرات مختلفة يجعل الأفراد مسؤولين عن الإسهام في تقديم مقترحات في مجالهم المحدد.
ويتطلب العمل الجماعي الناجح التركيز. ويُظهر البحث الذي أجرته الباحثة أنه من المهم تحديد التحدي أو المهمة أو المشكلة تحديدًا دقيقًا. ويتضمن ذلك الأمر تجميع بيانات رئيسة وتحديد الأُطُر، مثل الإطار الزمني، والميزانية المُقترَحَة، والموارد المتاحة، والتكنولوجيا المُستخدَمَة وغيرها من القيود. وبهذه الطريقة، يساعد العمل الفريق في اختيار أفضل فكرة ناتجة من التعاون بين أعضائه.
بيئة التشجيع
زتنوه صبرينا فى رؤيتها إلى أن تعزيز الإبداع الجماعي يتطلب بيئة تشجِّع على المخاطرة والنقد البنَّاء والعمل الجماعي. ويجب تعمُّد إرساء ثقافة تساعد على الإبداع بطرق تتصدى للمخاوف الشخصية من الرفض والميل إلى الرقابة الذاتية أو النقد. كما ينبغي إفساح المجال أمام الأشخاص حتى يعبروا عن آرائهم.
فيما يلي ثلاثة مبادئ توجيهية أساسية ضرورية:
- التركيز على كمِّ الأفكار المطروحة وليس جودتها.
- تجنَّب نقد الأفكار أو الحكم عليها أو الدفاع عنها أثناء مرحلة العصف الذهني.
- لا تضع قيودًا على الأفكار «الطائشة»، مهما بدت سيئة أو شائنة أو غير عملية، وينبغي أن تدرك أن كل فكرة تستحق التعبير عنها.
ما وراء التفكير الجماعي
ووفقًا لرؤية صبرينا، يمكن أن تكون جلسات العصف الذهني أكثر إنتاجية إذا أدَّى المشاركون فيها بعض الأعمال المستقلة أولًا؛ ومن خلال العمل الجماعي، يمكن اتخاذ هذا الإجراء بصورة متزامنة خلال دقائق أو حتى أيام، بعد أن يكتب أعضاء الفريق أفكارهم بصورة فردية ثم يشاركونها مع المجموعة لاحقًا. ويمكن أيضًا إجراء هذه العملية، المعروفة باسم التفكير التبايني (عملية تفكيربة تُستخدَم لتوليد الأفكار الإبداعية من خلال استكشاف حلول عديدة ممكنة)، عبر الإنترنت من خلال مواقع إلكترونية تعاونية مثل «ميرو ومورال وفيجما». ويضمن العمل الفردي أن يقدم جميع أعضاء الفريق أفكارهم حتى يُسمَع صوتهم جميعًا.
التفكير التقاربي
ويأتي بعد ذلك «التفكير التقاربي»، وهو عندما تقيِّم المجموعة المقترحات المطروحة لتحديد أفضل ابتكار أو أفضل حل للمشكلة المطروحة. ويشجِّع هذا التفكير الاعتماد على فكرة شخص آخر. وتقول الكاتبة إن هناك عِدَّة أساليب أخرى للعصف الذهني الجماعي، مثل «التفكير التصميمي»، عندما تتمخَّض عن جلسات العصف الذهني السريع نماذج أوَّلية ملموسة. ويركز أعضاء مجموعة طريقة «قبعات التفكير الست» على كل جانب من جوانب الفكرة المقترحة على حِدَة. على سبيل المثال، يناقش أعضاء المجموعة الجوانب السلبية والإيجابية لإمكانيات كل حل والمشاعر والمخاطر المتعلقة به.
وتختم صابرينا, رؤيتها بالقول: ومع أن العصف الذهني قد يكون عملية شاقة في بعض الأحيان، فإنه يشجِّع على تقبُّل الأفكار وتوطيد الروابط الجماعية. ومن المهم أن نتذكر أنه بما أننا نعيش في زمان يشعر فيه الجميع بحرية التعبير عن أنفسهم، فإن قريحة أي شخص قد تجود بالأفكار الجيدة.