الدكتور (حازم سكيك).. ابن غزة الذي اكتسب مكانة في فضاء التواصل العلمي العربي والعالمي
بعد رحلة استمرت لأكثر من 20 عاماً في تطبيق مهارات التعليم الالكتروني في تعليم الفيزياء لكافة الناطقين باللغة العربية، تم تصنيف الدكتور حازم سكيك الأستاذ المشارك بقسم الفيزياء بجامعة الأزهر-غزة كأحد أفضل معلمي العام 2020 Global Teacher Award على مستوى العالم من قبل منظمة (AKS education) وهي اختصار لـ ALERT KNOWLEDGE SERVICES في الهند، التي تهتم بالمعلمين أصحاب البصمات الواضحة في إحداث تغييرات جوهرية في النظم التعليمية حول العالم.
للدكتور حازم سكيك باع طويل في مجال التواصل العلمي، مسيرته التي بدأها منذ عام 2001 بتأليف الكتب ونشر دروسه على الإنترنت جعلته يكتسب مكانة في فضاء التواصل العلمي العربي.
ومن خلال تجربته الطويلة يؤكد الدكتور حازم أنه بات من الضروري التحول إلى “الرقمنة” في التدريس؛ فالطالب العربي اليوم أصبح أكثر ميلا إلى الدروس التفاعلية المدعومة بالفيديو والصور، وهو التحول الذي يجب على الأساتذة مسايرته ومرافقته اليوم والعمل عليه لتحسين الأداء والتلقين، خاصة في المواد العلمية كالفيزياء.
الجزيرة نت حاورت الدكتور حازم سكيك عبر البريد الإلكتروني، وإليكم الحوار:
القارئ العربي يحدوه دائما فضول لمعرفة تفاصيل سير العلماء العرب خاصة رواد التواصل العلمي، فكيف كانت سيرتك العلمية؟
أنا من مواليد مدينة غزة في 18 سبتمبر/أيلول 1965، وترعرعت ودرست حتى المرحلة الإعدادية في مدينة بنغازي في ليبيا حيث كان والدي يعمل مدرسا هناك، ومن ثم انتقلت الأسرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حيث درست المرحلة الثانوية هناك في عام 1983.
بعدها التحقت بجامعة الإمارات لدراسة تخصص الفيزياء والرياضيات، وحصلت على درجة البكالوريوس عام 1987، ثم حصلت على درجة الماجستير في الإلكترونيات الضوئية من جامعة كوينز في بلفاست ببريطانيا عام 1989، ثم حصلت على الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1991 في مجال تصنيع وتشخيص أفلام الموصلات الفائقة.
بعد التخرج عملت باحثا في قسم الليزر بالجامعة نفسها لمدة عام ونصف العام، وأشرفت فيها على مجموعة من طلبة دكتوراه بالإضافة إلى إجراء العديد من البحوث العلمية في مجال تخصصي، ومن ثم عدت إلى أرض الوطن في غزة عام 1993 للعمل في جامعة الأزهر.
وتقلدت العديد من المناصب الإدارية، وأسست العديد من المراكز الريادية في الجامعة؛ مثل وحدة تكنولوجيا المعلومات وكلية الدراسات المتوسطة، كما شاركت في العديد من المؤتمرات ونشرت العديد من الأبحاث التي جاءت نتاجا للرحلات العلمية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ومصر والأردن.
وكرست جزءا كبيرًا من وقتي لنشر العلوم وتبسيطها من خلال المقالات والكتب والترجمات التي نشرتها على موقع الويب الخاص بي “شبكة الفيزياء التعليمية“، وطرحت العديد من المقررات الدراسية المصورة على قناتي على يوتيوب وعلى منصة أكاديمية الفيزياء التعليمية القائمة على التعلم من خلال منهجية “مووك” (MOOC) (المقررات الدراسية مفتوحة المصدر) في نشر المواد الدراسية للتعليم الإلكتروني.
ما خصوصية الدراسة في قطاع غزة في ظل الاحتلال؟
لا يخفى على أحد أن الظروف المعيشية التي يحياها عامة الناس في قطاع غزة بشكل عام والطالب بشكل خاص صعبة جدا؛ فالبنية التحتية للمدارس والجامعات غير مهيأة بشكل كاف من ناحية المختبرات والمعدات التعليمية الحديثة، كما أن مشكلة انقطاع الكهرباء فترات طويلة يوميا تشكل عائقا أمام الطالب والمعلم، علاوة على الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من 12 عاما؛ كل ذلك جعل الموارد شحيحة وفرص التنقل شبه معدومة مما تسبب في ضياع كثير من فرص إكمال الدراسة في الخارج للطلبة الخريجين أو المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية.
كما أن ارتفاع معدلات البطالة والفقر يعد أمرا محبطا أمام جيل الشباب، ويجعلهم ينشغلون خلال فترة دراستهم بالتفكير في ماذا سيفعلون بعد التخرج.
اقتحمت مجال التواصل العلمي منذ نحو عقدين عبر إطلاق العديد من المنصات والدعائم الإلكترونية، حدثنا عن الدوافع وكيف تطورت أفكارك وتبلورت واقعيا؟
كانت البداية مع موقع تعليمي للفيزياء أنشأته عام 2001 رغبة مني في إيجاد حل لمشكلة عدم تمكن الطلبة من الوصول إلى الجامعة، بعد أن قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتقسيم قطاع غزة ووضع حواجز تمنع الطلبة من التنقل للجامعات.
قمت على صفحات الموقع بنشر محاضراتي التي كنت ألقيها على طلابي في الجامعة، وحرصت على أن يكون أسلوب صياغتها مشابها لأسلوب الشرح في المحاضرة نفسها؛ فعندما يقرؤها الطالب يشعر بأنه يستمع للشرح.
واعتمدت على أسلوب شرح المعلومة بشكل سهل وميسر يخاطب فكر الطالب وعقله، مما أسهم في انتشار الموقع بين طلاب المدارس والجامعات وكافة المهتمين، وتلقيت من خلال الموقع كثيرا من الأسئلة والاستفسارات التي أسهمت في تطوير الموقع، وكنت أقوم بالإجابة عن هذه الاسئلة من خلال شرح موضوع كامل عنه، وتدريجيا أصبح الموقع زاخرا بالمعلومات المفيدة للطلبة.
وازداد إقبال الزوار على الموقع الذي دفعني إلى إنشاء منتدى الفيزياء التعليمي عام 2005، وكانت له الشهرة والانتشار بين الدارسين للفيزياء في الوطن العربي (قبل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي)، وانضم له كثير من الأساتذة والمحاضرين والجامعيين والطلاب تحت سقف واحد، منهم من يسأل ومنهم من يوفر الإجابة ومنهم من ينشر الأخبار ومن يكتب المواضيع ويساعد السائلين في إيجاد المعلومات المطلوبة.
ثم قمت بتأسيس مجلة الفيزياء العصرية عام 2006، وكانت تصدر مرتين في العام وتحتوي على مقالات في شتى مجالات العلوم والتكنولوجيا، وكذلك أسست المركز العلمي للترجمة عام 2009، وقمت بترجمة العديد من الكتب والبحوث العلمية ونشرتها على شبكة الفيزياء التعليمية.
بلغت قناة الفيزياء التعليمية على يوتيوب مؤخرا 5 ملايين مشاهدة، كيف تُعد محتواها؟ وهل تواجه صعوبات في ذلك؟
تأسست قناة الفيزياء التعليمية عام 2009 لتقدم محاضرات أقوم بالعمل على تسجيلها وتحريرها ومونتاجها لتكون مرجعا للطالب في أي مكان في العالم، وراعيت في إخراج المحاضرات أن تكون جاذبة لانتباه الدارس وتناقش عقله وفكره، ويوجد على القناة أكثر من 500 مقطع فيديو تغطي 12 من مقررات الفيزياء الجامعية المتخصصة باللغة العربية وبأسلوب شيق وسلس.
واستفاد من هذه المحاضرات كثير من أبنائنا الطلبة، ويجري العمل على تطوير القناة لتقديم نماذج لحل المشكلات والمسائل التي يحتاجها الطالب لتحقيق الفائدة القصوى من فهمه للمحاضرات والاستفادة منها.
أقوم بمجهود شخصي بتجهيز المادة التدريبية وتسجيلها ومونتاجها بشكل احترافي، وقد يستغرق العمل على كل محاضرة ما يقارب 12 ساعة لتصبح متاحة على يوتيوب، وطورت مهاراتي في التسجيل وتعديل الصوت وإضافة التعليقات التي تجذب عين المشاهد لما يتم شرحه، إذ إن التعلم من خلال تسجيلات الفيديو يتطلب تجهيز مادة إعلامية بطريقة تجعل الطالب يشعر كما لو كان المحاضر معه.
كيف تقيم تفاعل الطلاب العرب مع محتواك؟
تحظي مقالات شبكة الفيزياء التعليمية بمتابعة جيدة من القارئ العربي، ويزورها ما يقارب 2000 إلى 3000 قارئ يوميا، حسب الإحصاءات التي أحصل عليها.
إلا أنه بصفة عامة، كان القارئ العربي في السابق أكثر تفاعلا مع المقالات والمواضيع التي أنشرها على شبكة الفيزياء التعليمية، وكان لديه الشغف والرغبة في القراءة والاستفادة والنقاش والحوار، لكن مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي أصبح القارئ يميل إلى قراءة المواضيع المختصرة بشكل ملفت للنظر، وأيضا تحول إلى الحصول على معلوماته من مقاطع الفيديو.
هذا التغير عالمي ولا يقتصر فقط على المنطقة العربية، وعليه فإننا كصناع محتوى يجب أن نطور تقديم المعلومة لتلائم القارئ في هذا العصر، بالاعتماد أكثر على “الملتيميديا” المدعمة بالصوت والصورة.
أما متابعو قناة الفيزياء التعليمية على يوتيوب فيصل عدد المشاهدين إلى ما يقارب 400 مشاهدة في الساعة الواحدة، وهناك إقبال متزايد على مشاهدة الدروس والمحاضرات على القناة.
مقابل ذلك، لديك عدة مؤلفات، حدثنا عنها وعن أهميتها؟ وهل تلقى هي الأخرى رواجا؟
بدأت رحلتي مع تأليف الكتب عام 2001، عندما قمت بتأليف كتابين في الفيزياء العامة، وفي عام 2008 ألفت كتابا في شرح النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين وكتابين في مجال أجهزة التشخيص الطبية وأجهزة الميكروسكوب الإلكتروني، وفي عام 2009 ألفت كتابا من 3 أجزاء يتحدث عن كيف تعمل الأشياء.
كما ألفت سلسلة من كتب الكمبيوتر عام 2002 تحت عنوان “بدون معلم”، تناولت فيها شرح مهارات استخدام برامج ميكروسوفت أوفيس، وأخرى في مجال الرسم والتصميم باستخدام برنامج كوريل درو وبرنامج فوتوشوب، وتناولت في كتاب آخر شرح مهارات تحرير ومونتاج الفيديو والتصميم باستخدام برنامج فلاش.
كما عملت على ترجمة العديد من الأوراق العلمية في مجالات الطب والهندسة والبيئة والفيزياء والنانو تكنولوجي، وهي متاحة للتحميل من خلال شبكة الفيزياء التعليمية تحت قسم المستودع الرقمي.
الكثير من الأساتذة يشكون من تراجع مستوى الطالب العربي في الفيزياء، هل تعتقد أن تدريس هذه المادة بحاجة اليوم إلى إصلاحات؟
في اعتقادي أن هذه المشكلة لها عدة أسباب، منها أننا كمعلمين نمارس التعليم بالطرق التقليدية في حين أن كل شيء من حولنا يتحول ويتغير ويتطور، وكذلك الطالب نفسه، الذي وصفه التربويون بأنه طالب رقمي له خصوصياته، مثل أنه يحب التعلم من خلال العمل الجماعي وفترة تركيزه قليلة وينجذب أكثر للتعلم النشط والمواد التعليمية المدعمة “بالملتيميديا”.
ورأيي في هذا الموضوع أننا بحاجة اليوم إلى التحول من التعليم إلى التعلم، حيث إن التعليم مهمة يقوم بها المعلم لإكساب الطالب المعرفة، أما التعلم فهو يركز على الطالب ويجعله محور العملية التعلمية تحت إشراف وتوجيه المعلم ويكتسب من خلال هذا النهج مهارات الاستفادة من المعرفة في الابتكار وحل المشكلات والتفكير الإبداعي.
مؤخرا، ومن خلال تجربة شخصية بدأت فيها بتطبيق تقنية “ستيم” (STEM) في التعليم من خلال دمج العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا في التعليم لإكساب الطالب مهارات القرن 21، مع ربط المنهاج التعليمي بتجارب عملية من واقع الحياة، ولمست من خلال هذا النهج إقبال الطلبة على التعلم وازداد حبهم وشغفهم بالفيزياء وتطورت قدراتهم على فهم ما يدرسونه والاستفادة منه.
قبل أيام من حلول شهر رمضان قمت بجولة علمية إلى فنلندا، قلت إنها كانت مفيدة جدا وفاقت توقعاتك في بعض الأحيان، حدثنا عن تفاصيلها وكيف استفدت منها؟
حظيت برحلة عمل إلى فنلندا في الفترة بين العاشر و28 مارس/آذار 2022 للاطلاع على نظام التعليم في المدارس والجامعات الفنلندية، ووجدت فيها ما أدهشني حقا وفاق توقعاتي؛ فالتعليم هناك يعد جزءا من الحياة، حيث يحظى الطالب بتعليم متميز مدعوم ببنية تحتية ذات جودة عالية.
كل صف دراسي يحتوي على مختبر فيه كل المعدات التي تلزم المدرس في توصيل معلوماته للطالب، ويمارس الطالب في الحصة التعليمية أنشطة صفية تخدم موضوع الدرس، ويقوم بمساعدة المعلم بعمل تقرير حول النشاط، ومن ثم الانتقال إلى أسئلة تفاعلية معدة لكل درس تدعم مهارات القرن 21.
هذا علاوة على أن القاعات مجهزة بما يتناسب مع التعليم التقني من معدات وأجهزة سمعية وبصرية، كما أن الجامعات تفتح معاملها لاستخدام الطلبة والمعلمين في المدارس في صورة تعاون واضح بين المدرسة والجامعة.
كما أن التعليم هناك يهتم بإكساب الطالب مهارات يدوية فيتعلم الخياطة والنسيج والاقتصاد المنزلي والنجارة والأعمال الحرفية المتعددة من خلال ورش عمل مجهزة لأغراض التعليم. هذا بالإضافة إلى وجود أنظمة تعلم جديدة مثل مصنع التصميم في جامعة آلتو في مدينة هيلسنكي، الذي يقدم خدماته إلى 3 جامعات ويستفيد منه طلبة الهندسة والعلوم والإدارة، حيث يلتقي الطلبة في صورة مجموعات عمل ليقوموا بأبحاث لحل مشكلات تواجه الصناعة والمجتمع المحلي.
المكتبة في فنلندا تعد جزءا أساسيا في المنظومة العلمية؛ فهي تحتل قلب المدرسة والكلية، وتعد جزءا أساسيا من حياة الطالب كذلك، وتوفر برامج التعليم للطالب نظام تغذية صحيا بشكل مجاني.
وبعد انتهاء الدرس يوجد ربع ساعة للطالب للاستراحة والاسترخاء كل حسب رغبته، فهناك غرف معزولة صوتيا وأخرى في الممرات، بالإضافة إلى الكراسي المريحة في كل مكان، وألعاب كالتنس والبلياردو يمكن أن يمارس فيها الطالب نشاطا ما قبل الانتقال للحصة التالية.
هل صادفت أفكارا يمكن تطبيقها في الجامعات العربية؟
من خلال الجولة التي قمنا بها في مدارس وجامعات فنلندا تولدت لدي كثير من الأفكار التي يمكن تطبيقها في الجامعات العربية، وهي زيادة الترابط بين المدرسة والجامعة وبين معلم المدرسة والأستاذ الجامعي لتبادل الخبرات والاستفادة من إمكانات الجامعة لتطوير التعليم المدرسي.
وتعزيز الصفوف الدراسية بأنشطة تعليمية تعزز دور الطالب في العملية التعليمية، وضرورة تعزيز العمل الجماعي والتعلم التشاركي، وتمكن المعلم من الانضمام إلى مجموعات الطلبة لتوجيههم ومساعدتهم في حل مشكلة أو القيام بنشاط ما.
وكذلك تعديل فلسفة المناهج الدراسية بما يعزز دور المعلم كمسيّر للعملية التعليمية من خلال التركيز على الأنشطة التعليمية وأدوات التقييم في نهاية كل حصة دراسية. مع ضرورة إدخال التعليم الحرفي لإكساب الطلبة مهارات تفيدهم في حياتهم المستقبلية. وأخيرا القيام بإنشاء متحف دائم مركزي للعلوم في كل جامعة.
المصدر (الجزير نت)