الخوّاص.. مهنة تجسد الأصالة العربية
تُعد مهنة الخوّاص واحدة من المهن التراثية القديمة التي ارتبطت بالفلاحين تحديدًا، وتقوم على جمع أوراق النخيل التي تُجدل مع بعضها البعض بطريقة تضيق أو تتسع حسب نوعية المنتج، وتقوم بها النساء غالبًا، وتتناقل بالوراثة، حيث تحرص الأم على تلقين ابنتها أصول الحرفة، وفي بعض المجتمعات يتشارك الرجال في التعلم والعمل. ومازال كثير من الحرفيين يمارسونها حلقة من حلقات الوصل بين ماضي الأجداد العريق والحاضر المُشرِّف؛ إذ إنها تُجسد الأصالة العربية التي كان عليها الأجداد.
السيدة “أم فهد” من بين أولئك الأشخاص الذين احترفوا المهن الشعبية القديمة، ومن بين تلك المهن التي احترفتها “سف الخوص” تلك المهنة التي كادت تندثر جراء منافسة المنتج الحديث لها.
ويكاد يقتصر بيع هذه المنتجات في وقتنا الراهن على السياح، أو المعارض التراثية، أو بغرض الزينة؛ حيث لم يعد السكان يستخدمونها بسبب ارتفاع ثمنها كونها “صناعة يدوية” تحتاج لجهد كبير.
تقول “أم فهد” – التي اكتسبت هذه الحرفة من والدتها وجدتها على حد قولها – “كانت جدتي حريصة كل الحرص على أن تكتسب والدتي منها هذه الصنعة، وكانت أمي قد نهجت ذاك الطريق في سبيل أن أكتسب أنا صناعة الخوص، وبدأتْ مزاولتي لهذه الصنعة منذ أن كنت في الخامسة عشرة من عمري، وما زلت وإلى الآن أمارسها، وأنا حريصة أيضًا على أن أكمل مشوار هذه الحرفة مع بناتي لإنتاج وتقديم المصنوعات الخوصية لمحبي الإنتاج التراثي”.
وعن الخوص وكيفية التعامل معه والمواد المستخدمة فيه قالت: “الخوص يتألف من أوراق جريد النخيل وتسمى “قلب النخلة”، والذي ينتج عنه صناعات شعبية مختلفة منها الخوص، ومن بين المنتوجات الخوصية التي أقوم بصناعتها يدويًا المروحة اليدوية، والمهفة، وسفرة الطعام، والحصير، والأواني الخوصية بمختلف أحجامها وأشكالها وألوانها كالمناخل وزبلان التمر وعرى الخلط والكفيفاة”.
وتشير أم فهد إلى أن المدة الزمنية التي تتم بها صناعة الخوص تعتمد على الحجم والكم المراد صنعه، فالمصنوعات الخوصية ذات الحجم الكبير قد تستغرق للمنتج الواحد يومين، أما ذات الحجم الصغير فتقوم بإنتاج من 5 إلى 7 أعمال منها في اليوم الواحد.
أما عن أسعار المنتجات الخوصية فتشير أم فهد أيضًا إلى أن الحجم والشكل والمدة الزمنية المستغرقة في إنتاج الخوص تلعب دورًا كبيرًا في تحديد الأسعار، فهي تقوم ببيع المنتوجات الصغيرة بسعر خمسة ريالات للواحدة، أما المنتوجات الخوصية الكبيرة فيتراوح سعرها ما بين 60 إلى 70 ريالًا.
وترى أم فهد أن احتراف المهن الشعبية القديمة أمر ضروري وملح في هذا الزمان للأجيال القادمة، وحتى لا يندثر هذا التراث العريق ترى ضرورة المحافظة عليه في تعليم أبنائنا وبناتنا للحرف اليدوية الشعبية القديمة، والمأكولات الشعبية التي قد يكون لها الدور الفاعل في تعريف الأجيال القادمة بتراث الآباء والأجداد.
الأدوات والطريقة
الخوص عبارة عن أوراق سعف النخيل تجمع وتصنع باليد بطريقة تجديلية عريضة تضيق أو تتسع باختلاف الإنتاج، وتتشابك أوراق الخوص مع بعضها في التجديلة بعد أن تتحول إلى اللون الأبيض نتيجة تعرضها للشمس. والخوص نوعان: الأول: هـو لبة الخوص، وتتميز اللبة بنصاعة بياضها وصغر حجمها، وسهولة تشكيلها، وتستخدم لنوعية معينة من الإنتاج، والثاني: هو من بقية أوراق النخيل العادية، وهي أوراق أكثر خشونة وطولًا ويتم غمرها بالماء لتطريتها حتى يسهل تشكيلها.
ومن أهم أدوات عمل هذه المهنة: إبرة خياطة وتسمى “المسلّة”، وهي أداة رئيسة في هذا العمل، وبها مجموعة من نبات الحلفاء ذات اللون الأخضر، حيث يقوم العامل بطيها بيده مع سيقان سعف النخيل؛ ليصنع منها طبقًا دائريًّا بشكل محكم ومتقن.