“الحمأة الحبيبية الهوائية”.. أسلوب جديد في معالجة مياه الصرف الصحي
يقطن 55٪ من سكان العالم في مناطق حضرية، ومن المنتظر ان ترتفع هذه النسبة إلى 68٪ بقدوم سنة 2050، الأمر الذي يتطلب اتخاذ المزيد من الضغوط على محطات معالَّجة مياه الصرف الصحي الحضرية, محدودة المساحة, والتي يتعين عليها معالجة معدلات التدفق المرتفعة.
التحبيب الهوائي
وفى هذا الصدد أكدت دراسة حديثة على إمكانية استخدام “التحبيب الهوائي”, أو “الحمأة الحبيبية الهوائية” (AGS), بغرض تكثيف قدرة معالجة مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية مع تقليل البصمة البيئية وزيادة الطلب على الطاقة المستخدمة في عمليات المعالجة. ووفق الدراسة التي أعدها باحثان في جامعتي “واشنطن” الأمريكية و”دلفت للتكنولوجيا” الهولندية، ونشرتها دورية “ساينس” (Science)، فإن الحمأة الحبيبية الهوائية, وهي تقنية جديدة نسبيًّا في مجال معالجة مياه الصرف الصحي, يمكن أن تتيح عمليات معالجة أكثر إحكامًا وفاعلية واستعادة متزامنة للموارد المفيدة في المياه؛ إذ تسمح تقنية الحمأة الحبيبية الهوائية بالإزالة (أو الاستعادة) المتزامنة للنيتروجين والكربون والفوسفات من مياه الصرف المعالجة، مع تقليل البصمة البيئية بنسبة تصل إلى 75٪.
فصل المغذيات
من جهتها، توضح “ماري وينكلر” -أستاذ الهندسة البيئية المشارك في جامعة واشنطن، والمؤلفة الرئيسية في الدراسة- أن “اللوائح الحديثة في عمل المحطات تطالب بفصل المغذيات واستعادتها، لكن محطات معالجة مياه الصرف الصحي التقليدية لم تُصمَّم لهذا الغرض، وتطرح الدراسة نهجًا أكثر استدامةً لترقية وتكثيف استخدام البنية التحتية الحالية باستخدام الحمأة الحبيبية الهوائية، بدلًا من بناء محطات جديدة لمعالجة المياه”.
استدامة أكثر
تقول “وينكلر” في تصريحات لموقع “للعلم”: يوفر التحول في معالجة مياه الصرف الصحي البلدية من الحمأة المتدفقة إلى الحمأة الحبيبية فرصة مهمة لتطوير البنية التحتية الحالية وجعل معالجة مياه الصرف الصحي أكثر استدامة، وينعكس ذلك إيجابًا على صحة الإنسان ورفاهيته في المناطق الحضرية أو المخدومة بشبكات الصرف الصحي.
تقوم تقنية التحبيب الهوائي على استخدام شكل محدد من أشكال الأغشية الحيوية الرقيقة (تجمعات ميكروبية) في صورة جزيئات كروية ذاتية التجميع بأقطار تتراوح من 0.5 إلى 2 مللم وتستقر بسرعة 10 إلى 15 مرة أسرع من كتل الحمأة التقليدية، ويؤدي التحبيب الهوائي إلى تخصيب الحبيبات وتسريع فصل المواد الصلبة بشكل كبير.
كما تسمح سرعة الترسيب والسُّمك العالي للحبيبات بدمج عملية الترسيب داخل وحدة معالجة واحدة فقط تعمل عند زيادة مخزون المواد الصلبة، وبالتالي تتيح تجاوز المصافي الثانوية التي تستهلك مساحة، وتقليل البصمة بشكل كبير، وتكثيف تشغيل المحطات دون تدفقات إعادة التدوير كثيفة استهلاك الطاقة.
تضيف “وينكلر”: تسمح تقنية التحبيب الهوائي أيضًا بفصل المغذيات بدرجة عالية من الكفاءة؛ إذ تمكِّن من استرجاع 5 إلى 10 كجم من البروتين السكري للفرد سنويًّا، وهو ما يوفر مواد ذات قيمة اقتصادية كبيرة في الصناعات الكيميائية والمخصبات الزراعية، بالإضافة إلى قدرة هذه العملية على استخلاص الفوسفات بكفاءة.
وتتابع أن “التقنية موجودة بالفعل ومستخدمة في الولايات المتحدة وفرنسا، بل حتى في بعض البلدان الأفريقية، لكن كثيرًا من محطات تنقية مياه الصرف الصحي الموجودة حاليًّا لا تمتلك القدرات التي تسمح لها بعزل النيتروجين المستخلص من البول البشري”.
توفير الأموال
تقول “وينكلر”: “على الصعيد الاقتصادي، ستوفر تكنولوجيا الحمأة الحبيبية الهوائية كثيرًا من الأموال من خلال استخدام المحطات الموجودة بالفعل، مع إجراء بعض التعديلات البسيطة في الأحواض والمعدات حتى تسمح بعملية تكثيف الكتلة الحيوية واستيعاب كميات أكبر، ومن ثم الوصول إلى مرحلة الحبيبات واستخلاص النيتروجين، لكن هذه التعديلات, التي ستوفر مساحة كبيرة من المحطة يمكن استخدامها في أغراض أخرى, ستكون بالتأكيد أقل تكلفةً من إنشاء محطات تنقية جديدة تعمل بالطريقة التقليدية”.