“الأرابيسك”.. الفن الذي كان له أسرى!
“فن الأرابيسك” أحد أشهر الفنون على مر التاريخ، وكان كان يُعرف باسم “التزويق” أو الزخرفة العربية، أو الفن العربي. ويتعبر “فن الأرابيسك” من الفنون الأصيلة التي تميزت بها الحضارة العربية الإسلامية، والتي تعود أصولها إلى أكثر من ألف عام، وهو في الأصل صناعة معمارية الطابع تدخل في الأثاث غالباً، وقد برز “فن الأرابيسك” خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين.
يعود ازدهار فن “الأرابيسك” في المنطقة إلى وجود الأثرياء والسلاطين، الذين كانوا يتنافسون في إضفاء التفرد على قصورهم ومنازلهم، وقد شهدت المنطقة العربية والإسلامية آنذاك مظاهر عديدة من التطور الثقافي والاجتماعي والفني، خصوصاً فن “الارابيسك” وفنون الموسيقى الأخرى، وانتشرت هذه الفنون في المناطق الأكثر رخاءً وتقدما كالأندلس والشام ومصر، ومن ثم برز التطور في إبداعات “الأرابيسك”.
وغلبت على معظم الأعمال الفنية الطابع الزخرفي والخطوط والحفر ورسوم النباتات عليها، فيما خلت من الرسوم الحية للكائنات البشرية والحيوانات، وتخصصت في تلك الأعمال مدن وأحياء بكاملها شكلت ما يشبه ورش العمل الفني أو المدارس التعليمية لهذا الفن، الذى بدأ في الاندثار منذ أكثر من نصف قرن.
“أسرى فن”!
تتجلى في “فن الارابيسك”، روعة الفنون الإسلامية بأشكالها المتنوعة وانسجامها وتوافقها مع واقع البيئة الحضارية العربية والإسلامية، كما أنها تعبر في أنماطها المتنوعة عن الطبيعة الثقافية والحضارية للأماكن التى أنتجت فيها والى ميول الطبقات الاجتماعية التى كانت تستخدم هذا الفن في تزيين أثاثها وبيوتها وقصورها.
وظهر فنانو الأرابيسك العرب في مصر وبلاد الشام، الذين تم إيفادهم إلى اسطنبول في القرن التاسع عشر، لتزيين قصور السلاطين العثمانيين، ويروى أن عملية جلب هؤلاء الحرفيين كانت قسرية حتى أن بعضهم لم يعد إلى بلاده بعدما أنجز عمله مرة أخرى وكانوا بمثابة “أسرى فن”!
وقبل العصر العثماني، ظهر ما يسمى بـ “الفنون السلجوقية” في المنطقة العربية والتي شهدت ازدهارا كبيرا، حيث زينت أعمال “الأرابيسك” القصور والبيوت والمساجد، وامتازت أشغالها بدقة صنعة وبراعة في التنفيذ وجماليات تتواءم مع واقع المعمار في تلك الأزمنة.
ولم يقتصر “الأرابيسك” على الأثاث بطرزه الإسلامية المختلفة الإشكال والاستخدامات فحسب، بل اتصل بتكوينات المعمار الخاص بالمساجد والقصور، فقد أنشأ فنان “الأرابيسك” جدرانا كاملة في بعض القصور، بالإضافة إلى انجازه تحفا للأعمدة وتيجانها ولمنابر المساجد، والمشربيات والنوافذ والأبواب، وأحيانا كان “الأرابيسك” يستخدم في تزيين بعض “الآنّية”، ولكن أكثر مظاهر استخدام “الأرابيسك” ظهرت في صناعة الأثاث.
وتضفى الألوان العديدة التي يستخدمها “فن الأرابيسك” سحراً خاصاً يميزه عن غيره من الفنون السائدة، حيث تظهر فيه جماليات الزخرفة وتكراراتها والخطوط وبراعة خطاطيها والرسوم الرشيقة والفطرية، وذلك لكون فن الأرابيسك يشمل فنونا مساندة كالحفر والزخرفة والخط والرسم والتعشيق والنقش والتطعيم.
سر الصنعة
في البداية يتم وضع التصميمات والرسومات الهندسية للأجزاء المطلوب “خرطها”، ثم تأتي مرحلة اختيار أنواع وأحجام الأخشاب الملائمة لمثل تلك الرسومات، لتشكلها كما تريد بالاستعانة بـ”المخرطة” مع تحديد مركزي القطعة الخشبية اللذين سيتم من خلالهما التثبيت على ما يسمى بـ “ذنبة المخرطة” ثم يتم تثبيت القطعة الخشبية و”صنفرتها” بصنفرة خشنة ثم صنفرة ناعمة على المخرطة
عد ذلك يتم “تدبيس” ورق الكربون على “الباترونات” على أن تكون الجهة السوداء لأسفل فوق “البانوه” الخشبي و”الباترونات” أعلى ورق الكربون وفي داخل المساحة المحددة للحفر، ثم يتم طبع الشكل الموجود في الباترون على “البانوه” الخشبي، عن طريق تحديد الخطوط الخارجية للنموذج بقلم معدني
وفي الخطوة التالية يتم الحفر إما يدوياً أو من خلال ماكينة للحفر على الخشب أوتوماتيكياً، ثم يتم مسح السطح بخفة بقطعة قماش قطيفة ويفضل “التليين” في ماء دافئ، وفي الخطوة الأخيرة يتم تغطية السطح بشمع العسل المضاف إليه زيت “التربانتين” ثم يزال الشمع عن طريق وسائد صغيرة من الصوف السميك
وبعد الانتهاء من حفر وتشكيل القطعة الخشبية، تحتاج هذه القطعة للدهان، وهنا أمامنا ثلاثة اختيارات: إما دهانات “الإستر – الجملاكة”، وهو دهان شفاف له ملمس زجاجي لامع يساعد على إظهار جمال ألياف الخشب، أو دهانات البلاستيك أو “الورنيش” وهي سوائل سريعة الجفاف ذات تغطية عالية لامعة.
ومن الأدوات الأساسية لإنتاج مشغولات الأرابيسك: الخشب – الأبنوس والعاج – الباغ – مواد الدهان والتشطيب – ورق الصنفرة – ورق الرسم منشار أركيت – أزميل الخرط – الصنفرة – الشوكة الرندة (لخرط اللدائن والعاج والعظم) – المنقار – المفحار – البرجل الكروي (لقياس أقطار الاسطوانات والأشكال المخروطية) – (البرجل المقص) لقياس الأقطار الداخلية المجوفة والمخروطة.