“الأبراج الجليدية”.. لجلب مياه الشرب وري المحاصيل لأكثر المناطق الجبلية جفافاً وبرودةً في العالم
تجلب “الأبراج الجليدية” المياه إلى أكثر الأماكن جفافا وبرودة على وجه الأرض.. وتحديداً, “وادي لاداك” والذي يعتبر من أكثر المناطق الجبلية جفافاً وبرودةً في العالم, وتعتمد فكرة “الأبراج الجليدية” على أطول فترة ممكنة من العام، لأن ذوبان تلك “الجبال الجليدية” يساهم بقوة في تغذية الحقول حتى تبدأ المياه الجليدية الطبيعية بالتدفق.
الأبراج الجليدية وتوفير المياه
خلال موسم ذوبان الجليد في الصيف، يطلق جزء من سطح الأنهار الجليدية الجبلية المياه الضرورية للنظام البيئي في الوديان، حيث يوفر للمدن والصناعات الشاسعة في أماكن مثل أمريكا الجنوبية والهند احتياجاتها من الماء.
الأبراج الجليدية ووادي لاداك
يشرح الدكتور ماتيو سبانيولو أستاذ الجغرافيا والبيئة في كلية علوم الأرض بجامعة أبردين، في مقال نشر على موقع “ذا كونفيرسيشن” (The Conversation)، أن هذه المياه الذائبة ضرورية أيضا لتوفير مياه الشرب وري المحاصيل للعديد من المجتمعات الريفية النائية.
ويشمل ذلك الذين يعيشون في وادي لاداك، وهو واد طوله 470 كلم يقع بين سلاسل جبال الهيمالايا وكاراكورام، ويقطنه 300 ألف شخص ويقع على ارتفاع 4 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر.
وفرة الأنهار الجليدية
ووفقاً لـ “الجزيرة نت” تحتوي هذه المساحات على وفرة من الأنهار الجليدية، لكن مساحات كبيرة تقع داخل منطقة صحراء الظل المطري الموسمي -وهي منطقة قليلة الأمطار- مما يعني أنها قاحلة للغاية، لأن الجبال تحجب الأمطار.
ويعد وادي لاداك من أكثر المناطق الجبلية جفافاً وبرودةً في العالم، حيث نادرا ما تتجاوز الأمطار السنوية وتساقط الثلوج فيه 100 ملم، وهذا أكثر بقليل من الصحراء الكبرى، وتصل درجات الحرارة في شتائه إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر.
ذوبان الأنهار الجليدية
يعد النقص الحاد في المياه مشكلة أساسية للذين يعيشون في هذه الصحراء الباردة، فوجودهم يعتمد على نجاح محاصيلهم التي لا يمكن زراعتها إلا في بضعة أشهر من العام، وغالبا ما تُروى بمياه ذوبان الأنهار الجليدية، ومع ذلك فإن تغير المناخ على مدى العقود الماضية يعني أن الأنهار الجليدية في المنطقة كانت تتقلص أو تختفي تماما بمعدل مقلق، مما أدى إلى تقليص موسم الزراعة القصير أصلا.
الحل في بناء أبراج جليدية
الحل لهذه المشكلة هو بناء أبراج جليدية (Ice Stupas)، وهي أنهار جليدية صناعية مبنية لتخزين مياه الشتاء لاستخدامها في الأشهر القاحلة في أواخر الربيع وأوائل الصيف، عندما تكون المياه الذائبة نادرة.
“سونام وانجتشك” مخترع الأنهار الجليدية
وقد اخترع المهندس “سونام وانجتشك” الأنهار الاصطناعية عام 2013 في لاداك، وتعتمد فكرتها على الحفاظ على هذا البرج الجليدي لأطول مدة ممكنة من العام، وذلك لأن ذوبانها يغذي الحقول، حتى تبدأ المياه الجليدية الطبيعية في التدفق مرة أخرى في وقت لاحق من الصيف.
مجموعة أبحاث الغلاف الجليدي
وبالتعاون مع جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي الهندية، قامت مجموعة أبحاث الغلاف الجليدي وتغير المناخ بدراسة 2200 نهر جليدي في منطقة لاداك، ووجدوا أن 86% منها قد شهدت زيادة في خط الثلج الدائم بحوالي 300 متر على مدى الـ42 عاما الماضية، وقد ارتفع هذا المعدل إلى 10 أمتار سنويا على مدى العقدين الماضيين.
وإلى جانب فصول الشتاء الجافة، أدى هذا الوضع إلى موجات جفاف متكررة، وهي تهدد الآن المحاصيل التي تعضد الحياة في المجتمعات الريفية، ومما لا يثير الدهشة أن قرى بأكملها قد هُجرت بالفعل أو ستتم هجرتها قريبا.
الأبراج الجليدية وتعويض انكماش الأنهار الجليدية
محليا، تقدم الأبراج الجليدية إجابة -أو على الأقل طريقة جزئية- لتعويض تأثير انكماش الأنهار الجليدية على المدى القصير، فباستخدام تقنيات أساسية وغير مكلفة يتم بناء هيكل مخروطي من الخشب والصلب، ثم عن طريق الجاذبية -بدلا من الكهرباء- تجلب المياه المحولة من مجارٍ قريبة خلال موسم الأمطار، ورشها في الهواء مثل النافورة.
تعمل درجات الحرارة المنخفضة على تجميد الماء بسرعة على شكل مخروطي، بحيث تبدأ كتلة الجليد بالنمو، ويشبه الشكل النهائي قبة المزارات البوذية، ومن هنا جاء الجزء “ستوبا” (Stupa) من الاسم، والذي يبطئ الذوبان اللاحق، لأن مساحة السطح المعرضة للشمس ودرجات الحرارة الدافئة قد تم تقليلها.
عندما يحل موسم الجفاف والطقس الأكثر دفئا، تجف مجاري المرتفعات المنخفضة بسرعة ويتبقى القليل من المياه حتى يونيو/حزيران عندما توفر الأنهار الجليدية المياه الذائبة، وفي هذه النقطة الحاسمة، تبدأ الأبراج الجليدية بالذوبان، مما يوفر مصدرا لا يقدر بثمن لمياه الري في وقت مبكر من موسم الزراعة، ويؤدي إلى تمديد موسم المحاصيل بضعة أسابيع، وهو ما يحدث فرقا كبيرا في هذه البيئة الزراعية القاسية.
المخزون الجليدي الاصطناعي
إن إنشاء مخزون جليدي اصطناعي ليس بالأمر الجديد، ولكن في الماضي كانت تُبنى بأشكال أقل كفاءة وعلى ارتفاعات في الجبال، مما يجعل إدارتها صعبة. ولكن الآن تم بناء هذه الأبراج الجليدية بالقرب من المكان الذي تشتد الحاجة فيه إلى المياه على مشارف القرى وبالقرب من حقولها، وحجمها وشكلها يجعلها فعالة بشكل خاص وغير مكلفة وسهلة الصيانة، كما أنها قادرة على إنتاج ملايين اللترات من الماء كل عام.
تحسين الجوانب الفنية لـ “الأبراج الجليدية”
ويأمل الباحثون الآن في استكشاف أفضل طريقة لاستخدام الأبراج للتعامل مع هذه المشكلة، إذ لا يزال المشروع في مراحله الأولى، وهناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحسين بعض الجوانب الفنية، والتي تشمل العثور على مزيد من المواقع في كل من منطقة لاداك وأجزاء أخرى من العالم، وطرق لتجنب تجمد المياه في خطوط أنابيب الإمداد، وأفضل طريقة لتوزيع المياه على العديد من القرى والمستخدمين الآخرين، ومن خلال إنشاء تعاون طويل الأمد مع فرق جليد ستوبا المحلي والباحثين.