ابن سعيد المغربي.. الرحالة سليل العلم
مصنف ومؤرخ وأديب ورحَّالة، جال في المغرب، وجاب في المشرق، وقام برحلة طويلة زار بها مصر والعراق والشام، وأخذ النحو والأدب عن أعلام إشبيلية كأبي علي الشَّلوبِيْن، وأبي الحسن الدَّبَّاج، وابن عصفور وغيره، وروى عنه الشرف الدمياطي وغيره. ولد المؤرخ والشاعر والرحالة الاندلسي ابن سعيد بغرناطة في أسرة عريقة الحسب والنسب عام 1214م، كان لأفرادها صلة بالملوك وكان أبوه من أهل الادب والتأليف. فقد عمل هذا الاب على إتمام كتاب “المغرب في حلى المغرب” الذي كان الجد قد بدأه . لكن الوالد مات قبل ان ينجز العمل فتعهده ابن سعيد وأكمله .
عمل ابن سعيد لوزير الموحدين ابن جامع، وكان له ابن عم يعمل للموحدين ايضاً. فوقعت بين القريبين فرقة خشي ابن سعيد عاقبتها فاستأذن في الرحيل الى المشرق بحجة الحج، وصل الى الاسكندرية بمصر سنة 1241 م وكان والده قد سبقه اليها وأقام فيها، ولما كان وصوله متأخراً عن موعد الحج ، ذهب الى القاهرة ولقي فيها أيدمر التركي والبهاء زهير وابن يغمور الذي كان يعمل رئيساً للامور بالديار المصرية.
ترك لنا ابن سعيد وصفاً نفيساً لمصر والفسطاط ، اعطانا فيه صورة حية لما كانت عليه الحالة يومئذ. فوصف شوارع المدينة وابنيتها وأزقتها وتحدث عن نواحٍ من الحياة في الاحياء المخصصة للهو والطرب، اذ قال عنها انه قد يرقص الواحد في وسط السوق وقد يسكر الناس من الحشيش.
جاء مصر في تلك الفترة كمال الدين بن العديم رسولاً من الملك الناصر صاحب حلب فتعرف اليه ابن سعيد. ولما عرف ابن العديم عن قصد ابن سعيد من رحلته وعده بالمساعدة قائلاً: نعينك بما عندنا من الخزائن ونوصلك الى ما ليس عندنا كخزائن الموصل وبغداد وتصنف لنا.
انتقل ابن سعيد الى حلب حيث أكرمه الملك الناصر وعرّفه الى عدد كبير من رجال العلم والقلم الذين كان اكثرهم يعمل في حاشية الملك . ثم تحول الى دمشق ودخل مجلس السلطان المعظم وحضر مجلس خلوته .وذهب بعد ذلك الى الموصل فبغداد فالبصرة وحج وعاد الى المغرب فنزل في اقليبة بتونس واتصل بخدمة ابي عبد الله المستنصر .
عاد ابن سعيد مرة ثانية الى المشرق . وذُكر انه لما دخل الاسكندرية سأل عن الملك الناصر فاخبر بحاله وما جرى له من قتل التتار له . ويروى ان ابن سعيد اطلع على اخبار هجوم هولاكو على حلب وما تركته حملته من آثار التخريب والدمار .
ترك ابن سعيد بعد وفاته 1286م مؤلفات عديدة منها : “عنوان المرقصات والمطربات” في الشعر والادب ، و”الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد” و”المغرب في حلى المغرب” الذي اشترك في تأليفه جده ووالده وهو، و”المشرق في حلى المشرق” واخيراً “المستنجز وعقله المستوفز”.