نابغون

بمناسبة يوم الزراعة العربي.. تعرف على “ابن بصال الطليطلي” عبقري الفلاحة الذي استعان الغرب بأفكاره

ابن بصال الطليطلي أو ابن بصال الاندلسي, أحد أشهر علماء الفلاحة العرب, ولد فى مقاطعة آندلوسيا, جنوب الأندلس, نشا وترعر فى طليطلة واكتسب خبراته الزراعية الفنية من رحلاته الكثيرة فى المشرق وحوض المتوسط.

لا يُعرف عنه ما يثبت هويته أو يحدد تاريخ ميلاده أو وفاته. قام بالتأليف في علوم النباتات والفلاحة ومن أشهر اعماله كتاب القصد والبيان وكتاب الفلاحة والمؤلف من ستة عشر بابا في صنوف الاراضى وانواع وطرق اعداد السماد وأساليب الزراعة المختلفة لكثير من النباتات.

استطاع ابن بصال أن يزرع في بستان المأمون فاكهة الرمان وشجر التين في أي وقت من السنة، كما استطاع أن يزرع من بذور اللوز ثم ينقلها عن صفة الأرض التي زرعت فيها، وكان اهتمامه بالغا بزراعة الرياحين كالورد والبنفسج والسوسن التي كانت من السمات المميزة لبستان المأمون، وقد وصلت مهارته إلى تشكيل أحواض الزهور بحيث تمثل طاقات من الأزهار الجميلة.

ولقد ارتحل ابن بصال إلى المشرق العربي قاصدا مكة المكرمة حاجا فتوقف خلال رحلته في كل من صقلية والقاهرة، وعند عودته مر بالعراق والشام حتى خراسان والمناطق المطلة على بحر الخزر، وكان خلال رحلته هذه يقوم بدراسة بيئات مختلفة للنباتات، وقد اهتم ابن بصال اهتماما كبيرا بطبيعة التربة وأنواعها، ودرس طبيعة الأسمدة عليها إذ استخدم أنواعا مختلفة من الأسمدة منها الصناعي المتخذ من الأوراق الجافة والأعشاب اليابسة، وقد حذر ابن بصال من السماد المتخذ من زبل الخنازير والطيور المائية إذ وجده مضرا بالمزروعات، وكان يدرس خصائص كل نوع ومدى تفاعله مع كل نوع من الأراضي وكل نوع من المزروعات. كما أجرى عددا من الدراسات على أنواع المياه وعلاقتها بالتربة وقسم مياه التربة إلى مياه أمطار وأنهار وعيون وآبار، وتوصل إلى أن ماء العيون يتقلب مع الفصول، فيكون عند شدة البرد دافئا، وعند شدة الحر باردا، فينفع النبات.

ولقد وسعت هذه الرحلات من خبراته التي ظهرت في معالجاته المتميزة، فلما عاد إلى طليطلة علم أن بعضا من أشجارها قد اعتراه مرض تركه شبه محترق، فقام بقطع جميع الأشجار وأحرقها في فصل الربيع حتى لم يبق منها شيء على سطح الأرض سوى الجزء المغروس تحت الأرض، ومن هذا الجزء نبتت فسائل جديدة، فأبقى منها البعض ونقل الباقي إلى جهة أخرى من المدينة.

عاش ابن بصال بقية حياته في طليطلة حيث ذاع صيته فكانت تأتيه المراسلات من قرطبة وإشبيلية تستفتيه في مسائل زراعية، فكان يرد عليها رد العارف بالفلاحة علما وعملا. وكان دأب ابن بصال أن يسجل كل ما يكتبه من إجابات على المراسلات التي تصله، فعكف على تنظيمها وأضاف إليها خبراته العملية والنظرية التي اكتسبها من رحلاته، وكان يراوح دائما بين النظرية والتطبيق فلا ينقل مطلقا عن غيره بل يزاوج بين النقل والتجربة والرأي، وكان يتجنب عن التجارب البعيدة عن إمكانية التطبيق، ويرجع إليه الفضل في التمييز بين علم الصيدلة الذي يعتمد على الأعشاب وعلم الفلاحة، ويعد كتاب الزراعة الكبير نموذجا لكتب الفلاحة الأندلسية الشاملة والذي اعتمد عليه العديد من علماء الفلاحة قرونا ثلاثة ، مثل ابن العوام.

منهج ابن بصال العلمي:-

يعتبر منهج ابن بصال العلمي الذي رسمه لنفسه؛ مفخرة من مفاخر العلوم العربية الأصيلة التي ظهرت في الأندلس، لقد كان يمزج دائما بين النظرية والتطبيق، فلا ينقل مطلقا عن غيره، وكان يتجنب التجارب البعيدة عن إمكانية التطبيق.. ما جعله يعتبر من مؤسسي مدرسة الزراعة والنبات ذات الطابع التطبيقي في علوم كثيرة، مما جعل جامعات أوروبا وأمريكا تبين في مناهجها الدراسية والزراعية والنباتية تطبيقا لما جاء به ابن بصال وعلماء العرب الآخرين في هذا المجال.

ديوان الفلاحة

رغم إسهاماته الكبيرة في هندسة الزراعة وعلم النباتات، ظل العالم الأندلسي ابن بصال الطليطلي مجهولاً تقريباً لقرون طويلة، قبل أن يُنثر الغبار عن مختصر موسوعته “ديوان الفلاحة” في أربعينيات القرن الماضي.

ألف ابن بصال موسوعته كتاب الفلاحة للمأمون، ثم اختُصر لاحقا، في حياته، إلى مجلد واحد بعنوان “القصد والبيان”. ويعتبر هذا الكتاب فريدا من نوعه من حيث أنه لا يحتوي على أية إشارات إلى المهندسين الزراعيين السابقين له، ويبدو أنه استند حصريا في تأليفه إلى معرفته وخبرته الشخصية. ويقول عالم النبات ابن العوام في موضع من كتابه “الفلاحة الأندلسية”: “وعلى كتاب الشيخ أبي عبد الله، محمد بن إبراهيم بن بصال الأندلسي -رحمه الله- وهو المبني على تجاربه وعلامته على وجه الاختصار”.  وبالتالي، يمكن القول بأنه الأكثر أصالة وموضوعية بين جميع المهندسين الزراعيين الأندلسيين، إذ يذكر أكثر من 180 من النباتات والمحاصيل المزروعة في عمله.

تتألف النسخة المختصرة من عمل ابن بصال   – كتاب القصد والبيان – من ستة عشر فصلا. ويتميز الكتاب عن بقية المصنفات التي وضعت في الفلاحة وعلم النبات من طرف علماء الأندلس في تلك الحقبة، كما يقول الباحث عبد الرحمن رزقي من جامعة تلمسان بالجزائر، بكونه لم يتعرض لتأثير الكواكب والنجوم والأنواء ولا إلى الاستخدام الطبي لبعض النباتات ولا إلى مواضيع أخرى متداولة مثل عصر الزيتون والعنب وتربية النحل والدواجن. كما أن مواضيعه رُتبت بشكل علمي وتظهر روح التجربة الشخصية والمزاولة العلمية بصورة واضحة.

كما تتجلى أهمية هذا الكتاب في انتشار مختصره “القصد والبيان” وترجمته إلى اللغة القشتالية منذ القرن الثالث عشر، وتعدد نسخه التي عثر عليها في العديد من المكتبات (وإن كان الكثير منها ناقصا) مثل مكتبة الأسكوريال في مدريد كما تم طبعه في أواخر القرن السادس عشر في أسبانيا ومكتبة الرباط والمكتبة الوطنية في باريس وفي غرناطة وتطوان وغيرها. كما حققت ونشرت منذ أربعينيات القرن العشرين أجزاء عديدة منه خاصة على يد المستشرق  “خوسي ماريا فايكروسا”.

محتوى “القصد والبيان”

يتناول الفصل الأول المياه بأنواعها المختلفة، وتأثيراتها على النباتات. ذكر منها أربعة أنواع هي مياه الأمطار ومياه الأنهار ومياه الينابيع ومياه الآبار. وقال إن أفضلها مياه الأمطار، لأنها أكثر فائدة للنباتات ولا تترك أي أملاح متبقية. لها دستور دافئ ورطب، يشبه الهواء في هذا الصدد. على النقيض من ذلك، تكون مياه النهر جافة وحامضة بطبيعتها، ويمكنها أيضا إزالة أو استنفاد الرطوبة في الأرض عن طريق غسلها. أما مياه الينابيع والآبار فهي ثقيلة وترابية، على عكس مياه الأمطار، ولكن يمكن أن تكون دافئة في الشتاء، مما يفيد النباتات التي تعاني من البرد، وباردة في الصيف، مما ينعش النباتات ويكسبها نظارتها.

خصص العالم الأندلسي الفصول الثلاثة الموالية للحديث عن الأرض والتربة وكيفية تسيدها وتهيئتها للزراعة، فتناول في الفصل الثاني الأنواع المختلفة من الأراضي والتربة وطبيعتها وخصائصها وكيفية التمييز بين الأراضي الزراعية الجيدة والفقيرة. وميز عشرة أنواع من الأراضي أو التربة وهي الرخوة والثقيلة والجبلية والرملية والروث الأسود والبيضاء والصفراء والحمراء والخشنة والصخرية، وأخيرا الأرض ذات الحجر الرملي المحمر. وقام ابن بصال بفحص كل فئة من هذه الفئات من حيث طبيعتها – سواء كانت باردة أو دافئة أو جافة أو رطبة، ومقارنة مساميتها أو قدرتها على امتصاص الهواء والماء، وذكر مزاياها وعيوبها الزراعية، ونوع السماد المطلوب ونوع المحاصيل الأنسب لكل منها. يلفت المؤلف الانتباه إلى اختلاف إنتاجية التربة وقابليتها للتطبيق اعتمادا على الموسم الذي تزرع فيه. كما حدد العالم الفذ في فصل لاحق من كتابه وهو الفصل العاشر أنواع الأراضي الأكثر ملاءمة للمحاصيل المختلفة والنباتات والأشجار العشبية.

وفي الفصل الثالث تناول ابن بصال السماد بمختلف أنواعه واستخداماته المناسبة. يميز ابن بصال   سبعة أنواع من السماد حسب مصدرها وهي الخيول والبشر والكنس والفضلات، والأغنام والحمام والرماد من أفران الحمام، وأخيرا السماد الصناعي المصنوع من الأعشاب والأوراق الجافة. وقام ابن بصال بتحديد طبيعة وخصائص كل نوع من هذه الأسمدة من حيث الرطوبة ودرجة حرارتها وملوحتها. وأولى اهتماما خاصا لدرجة نضج السماد، واختلاف تأثيراته على النباتات وفقا لنوع التربة التي يتم دمجه فيها. ويحذر ابن بصال في هذا الفصل من استخدام السماد المتأتي من فضلات الخنازير والطيور المائية لضررها الفادح على النباتات.

ثم ناقش في الفصل الرابع المؤشرات وخاصة تلك المتعلقة بالنباتات الطبيعية، التي يمكن للمزارع من خلالها تحديد نوعية الأرض. بعد ذلك ينصح ابن بصال بأفضل طريقة لتحضير قطعة أرض وتهيئتها للزراعة، وكيفية توزيع المياه بشكل صحيح إذا كانت مروية. وميز بين الأرض المزروعة والأراضي القاحلة غير المزروعة لم يتم حرثها من قبل، والأرض التي تم تشغيلها ولكنها لا تزال تحمل قصبة المحصول السابق. ويثني على فعالية الحراثة الجيدة في زيادة الخصوبة.

عالج ابن بصال في الفصل الخامس الذي يتألف من ثلاثة وخمسين قسما، زراعة الأشجار ودرس أنواعها، بما في ذلك أشجار الفاكهة، التي تزرع بشكل شائع في الأندلس. كما شرح طرق مختلفة للتكاثر (بالبذور أو الحجر، والبراعم، والعقل والطعوم). وذكر بشكل مفصل كيفية إعداد التربة لأكثر أنواع النباتات والأشجار المعروفة وطرق ريها ورعايتها. فبدأ بزراعة النخيل فالزيتون ثم الرمان والسفرجل والتفاح والتين والكمثرى والكرز والمشمش والبرقوق والخوخ واللوز والجوز والبندق والعنب والليمون والبرتقال والفستق والصنوبر والسرو والكستناء وغيرها. وتضمن هذا الفصل الطويل والمكثف، بعض طرق مكافحة أمراض الأشجار.

وخصص ابن بصال الفصول من السادس والتاسع لعرض طرق التكاثر بشكل مفصل موصيا باستخدام تقنية الطبقات خاصة للتربة الصلبة الثقيلة، وعرض كيفية تقليم الأشجار وتحسين صحتها والوقت المناسب للتقليم، وطرق تطعيم الأشجار المختلفة ومعرفة ما إذا كانت متوافقة فيما بينها. كما ذكر المؤلف بعض أسرار وعجائب أساليب التطعيم بين الأشجار ذات الطبيعة المختلفة ذات الطبيعة المختلفة التي تفوق فيها الأندلسيون.

وأفرد ابن بصال الفصول الستة الموالية لتقنيات بذر الحبوب كالحمص والفاصوليا والأرز والبازلاء والكتان والسمسم، وزراعة الخضروات كالكرنب والقرنبيط والسبانخ والسلق، وزراعة التوابل المستخدمة كمنكهات للأطباق مثل الكمون والكراوية والشمر، وطرق إنبات البطيخ والخيار واليقطين والخضر الجذرية مثل اللفت والجزر والفجل والثوم والبصل وأخيرا زراعة النباتات العطرية مثل الريحان والنرجس والقرنفل والأعشاب العطرية مثل المردقوش والبابونج.

وقد أطنب ابن بصال في وصف كيفية بذر الحبوب والخضروات في الفصل العاشر مستشهدا في بعض الأحيان بالمعرفة التي اكتسبها خلال رحلة حجه في كل من مصر والشام وصقلية، ومقدما الطريقة المطلوبة للزراعة والرعاية والسماد ووقت الزراعة والكمية الموصى بها من البذور لكل وحدة مساحة والري والتخفيف والتعشيب إضافة إلى التربة المناسبة.

غير أن هذا الفصل لا يتضمن حبوب القمح والشعير التي يعتمد عليها أهل الأندلس في غذائهم في النسخ المعروفة لمختصر هذا الكتاب. وهو إغفال يصعب شرحه سواء كانت النصوص الموجودة في متناول اليد فقط ناقصة أو تم ذلك عن عمد وهو أمر غير مرجح خاصة وأن ابن العوام قد أشار على وجه التحديد إلى ملاحظات ابن بصال حول زراعة الحبوب.

أما الفصل السادس عشر والأخير فقد خصصه ابن بصال لعرض بعض المعارف المفيدة التي لا غنى عنها للمزارع، مثل تلك التي تتعلق بالمياه والآبار والحفاظ على الفاكهة، وبحماية النباتات من اليرقات في التربة وغيرها من الآفات المماثلة، يوصي ابن بصال في هذا الصدد بتغطية الأرض بطبقة من الرمل بسمك الإصبع، قبل التسميد وبذر الحقل. كما يناقش تأقلم النباتات البرية في الحديقة، وجمع بذورها، وأهمية زرعها في الوقت المناسب (في بعض الحالات قبل وصول الربيع بثلاثين يومًا)، ومحاولة تكرار ظروف التربة والرطوبة في بيئتها الطبيعية.

وأفرد العالم الأندلسي مساحة كبيرة لغرق الآبار – وهي ميزة وضعها على ارتفاع بحيث يمكن توجيه المياه بسهولة إلى جميع أجزاء الحديقة وعين أفضل وقت لغرق البئر في شهر أغسطس، عندما ينزل منسوب المياه الجوفية استجابة بسبب الحرارة وهو في أعمقها. وحدد العلامات التي تشير إلى كمية المياه في مكان ما ونوعيتها وطعمها وطرق استخراج المياه في الآبار العميقة وكيفية تنشيط مياه البئر المحفورة حديثا، وما إلى ذلك.

أقوال العلماء فيه:–

 أبو عبد الله محمد بن مالك، المعروف بالتغزي نسبة إلى بلدة تغز في غرناطة ويسميه بعض المؤرخين باسم الحاج الغرناطي أو ابن حمدون الاشبيلي لإقامته زمنا في اشبيلية، وهذا العالم في كتابه “زهرة البستان ونزهة الأذهان” يشير إلى ابن بصال مرات عديدة، فيذكر تجاربه في زراعة الرمان، كما ينقل عنه أنه يمكن زراعة شجر التين في أي وقت من السنة وأن اللوز إنما يزرع من البذور، وينقل عنه صفة الأرض. وجميع إشارات التغزي إلى ابن بصال تظهر مكانته في الزراعة علميا وتطبيقيا.

 أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج الذي كان يعيش في إشبيلية، له كتب في الفلاحة بعنوان “المقنع” وقد أشار هذا المؤلف كثيرا إلى ابن بصال في أماكن عديدة من كتابه هذا.

 من أكبر الذين قدموا لنا إشارات ولمحات عن ابن بصال، هو أبو زکریا یحیی بن محمد بن أحمد بن العوام الإشبيلي، الذي ألف في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي “كتاب الفلاحة” الذي ملأه بالنقول عن ابن بصال في كتابه وأشاد بفضل ابن بصال وتجاربه في الزراعة وعلى النباتات المختلفة. ولقد بني ابن العوام على بحوث ابن بصال كتابه هذا وكافة بحوثه الزراعية الأخرى.

 أما المقرئ مؤلف “نفح الطیب”؛ فقد أورد وصفاَ له ووضعه في قمة من اختصوا بالعلوم والفنون من أهل الأندلس، وقد أشار إلى أن عدة نسخ خطية استنسخت من کتاب ابن بصال لكن معظمها فقد.

المصادر: 1 / 2 / 3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى