حلول مبتكرةريادة

أقامها أستاذ في “الجامعة الأمريكية” بالجهود الذاتية.. “البسايسة” .. قرية مصرية استطاعت غزو الصحراء

أعطى الدكتور صلاح عرفة أستاذ الفيزياء “بالجامعة الأمريكية” بالقاهرة، تجربة تطبيقية ناحجة في كيفية تحقيق التنمية الذاتية وغزو الصحراء، من خلال مشروعه المبتكر في قرية “البسايسة” التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية في دلتا مصر، وهو كيف يستفيد أهل القرية والقرى المجاورة من الطاقة الشمسية؟، ولم يكن لدى الرجل المال اللازم، ولكن كانت لديه الإرادة.

مثّل “مشروع الطاقة الشمسية” مدخلا للدكتور صلاح لتنمية قرية “البسايسة”، فصمم نموذجا صغيرا لتشغيل مروحة وعرضه على شباب القرية، وطلب من أحدهم أن يمر على بيوت القرية لتعريفهم بإمكانية الاستفادة من الطاقة الشمسية.

نجح الدكتور صلاح في إدخال “البايوجاز” الناتج من مخلفات الحيوان والإنسان كمشروع للاستفادة منه في توليد طاقة، وأيضا استخدامه كسماد بلدي لأعمال الزراعة

ومن هنا شرعوا في تعميم الطاقة الشمسية في القرية، ووجدوا أنفسهم في حاجة لصناعة إطار حديدي وخشبي، لحمل الأجهزة التي تعمل على هذه الطاقة، فتم عمل ورشة لتدريب الشباب على أعمال الحدادة والنجارة.

وما إن تم تشغيل تلفزيون ومراوح الهواء في بيوت القرية، حتى اهتم أهل “البسايسة” بالطاقة الشمسية، وتم التوسع في استخدام هذه الطاقة في تسخين المياه وأغراض أخرى.

ونجح الدكتور صلاح في إدخال “البايوجاز” الناتج من مخلفات الحيوان والإنسان كمشروع للاستفادة منه في توليد طاقة، وأيضا استخدامه كسماد بلدي لأعمال الزراعة.

غير أن هذه التجربة التي بدأت تنمو رويدا رويدا كانت تحتاج إلى غطاء قانوني منظم، فقرر أهل القرية في عام 1983م إنشاء جمعيتين؛ الأولى لتنمية المجتمع، والأخرى جمعية تعاونية إنتاجية حتى يمكنهم من خلالها جمع أموال واستثمارها، أي بمثابة الأداة التمويلية لمشروعاتهم، ولم يقتصر نطاق عمل الجمعيتين على هذه القرية، إنما امتد لسكان القرى المجاورة.

واستطاعت “جمعية تنمية المجتمع” تدريب وتأهيل الشباب وتسليحهم بالمهارات التي تحتاجها سوق العمل، فضلا عن تنظيم الجمعية معرضا عن استخدام الطاقة الشمسية في تنمية القرية المصرية، وكذا إنشاء مركز التكنولوجيا الريفية المتكاملة للإنتاج والتدريب.

واهتمت الجمعية بإقامة دورات عن التنمية الزراعية واستصلاح الأراضي، ومن هنا تولدت فكرة جديدة عند أهل “البسايسة” ومعهم الدكتور صلاح: لماذا لا نغزو الصحراء، خاصة في ظل وجود بطالة داخل القرية في أواخر عقد الثمانينيات من القرن العشرين؟!.

وكان شباب القرية الذين فكروا في غزو الصحراء هم من الفقراء الذين لا يملكون شيئا، وأعضاء الجمعية التعاونية التي تمثل الأداة التمويلية “للبسايسة” ليسوا سوى مستثمرين صغار.

وكان الحل في التشارك والتعاون فيما بينهم، فاهتدوا إلى شراء مساحات من الأراضي الصحراوية من البدو في منطقة رأس سدر جنوب سيناء التي تبعد عن الزقازيق 200 كم، وبلغت المساحات 150 فدانا وتم التوسع فيما بعد إلى 750 فدانا، بسعر 500 جنيه للفدان.

أُطلق على المشروع اسم “البسايسة الجديدة”، وتم تشغيل الشباب أعضاء الجمعية التعاونية

وتم دفع ثمن الأرض على أقساط، بعد أن أقنع شباب “البسايسة” البدو بأهمية تجربتهم، وإمكانية الاستفادة بهم في تقديم خدمات الطاقة الشمسية و”البايوجاز”؛ لذلك أُسست “الجمعية التعاونية الزراعية” برأس سدر عام 1994م ، ثم جمعية “كنوز سيناء للتنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة” في العام التالي، بحيث أصبح هناك انتعاش وتنمية المنطقة المحيطة بالمشروع.

“البسايسة الجديدة”

أُطلق على المشروع اسم “البسايسة الجديدة”، وتم تشغيل الشباب أعضاء الجمعية التعاونية براتب 450 جنيها شهريا، يدفعون ثلثها لقسط الأرض والباقي لرعاية أنفسهم وأسرهم في قرية “البسايسة” القديمة.

ويقول الدكتور صلاح: “في البداية تم حث الشباب على العمل الجماعي في الأرض كلها قبل تقسيمها إلى قطع مملوكة للأفراد؛ فالفكرة هي أنك إن كنت تعرف حدود الأرض التي تملكها فإنك لن تعمل سوى في تلك الأرض وستهمل باقي الأجزاء، أما بهذه الطريقة فسيكون هناك اهتمام كامل من الجميع بتجهيز الأرض بالكامل للزراعة.

وبعد ذلك قسمت الأراضي ما بين 5 و10 أفدنة، ووضعت الجمعية عددا من القواعد، منها أنه لا يجوز تملك أي عضو أكثر من 20 فدانا، ويتم توزيع الأراضي بالقرعة، كما يجوز التبديل بين الأعضاء، أما زراعة الأرض فحسب مقدرة كل شخص المالية، ولكن البنية الأساسية من آبار وطرق ومصدات الرياح فقد تم إعدادها قبل توزيع الأراضي، ووزعت تكلفتها على الفدان.

أما البيوت في القرية فقد تم تدريب مجموعة من الشباب على البناء وتم اختيار طراز عمارة المهندس الشهير حسن فتحي المُطبق في قرية “القرنة” بالأقصر جنوب مصر ؛ لأنه أنسب الأساليب التي يمكن أن تخفف من شدة حرارة الصحراء، وبالنسبة للإضاءة والإنارة الليلية فقد اعتمدت البسايسة الجديدة على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وبما أن الأرض شاسعة المساحة كما أشار الدكتور صلاح، فقد تم السماح لكل فرد أن يقيم منزلا على مساحة 200 متر تحيط به حديقة على نفس مساحة البيت، كي يزرع فيها ما يريد من خضراوات وفاكهة ويربي ما يريد أيضا من حيوانات منزلية.

واعتمدت قرية “البسايسة الجديدة” على زراعة الزيتون والنخيل و”الجاجوبا”، وكما يقول الدكتور عرفة: “إن زراعة الفدان من الزيتون تحقق عائد ربح صافيا 500 جنيه لو بيع خاما، أما لو تم استخلاص الزيت منه فإنه يحقق ضعف هذا المبلغ، وهو ما لجأنا إليه في مرحلة تالية حيث أنشأنا معاصر لزيت الزيتون،.

أما “الجاجوبا” فهو نبات يتم استخدامه في مستحضرات التجميل وصناعة الأدوية، ويستخلص منه زيت يستخدم وقودا لمحركات الطائرات، وكان عام 2000 م بداية أعوام الحصاد، أي بعد 7 سنوات من بدء تجربة استصلاح الأرض في البسايسة الجديدة.

ولأن التجربة أثمرت ونجحت، فقد حصلت الجمعية في “البسايسة الجديدة” على تخصيص 1000 فدان، لإقامة تجمع آخر في واحة “الفرافرة” بموافقة من محافظ “الوادي الجديد”، بعد الاطلاع على تجربة الجمعية، وهناك محاولة أخرى للحصول على أراض في منطقة “الكريمات” جنوب القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى