أعمدة الأسطوانية من الجليد توفر بيانات قيمة حول مناخ الأرض في الماضي
العينات اللبية الجليدية تحوي الكثير من المعلومات حول حالة المناخ
قالت دراسة علمية حديثة نشرتها دورية “نيتشر” (Nature) العلمية الشهيرة أن العلماء بـ جامعة كولورادو بولدر (University of Colorado Boulder، توصلوا إلى طريقة جديدة يمكن من خلالها الكشف عن درجات الحرارة في الصيف والشتاء لفترة كبيرة تصل إلى بداية ما يعرف باسم العصر “الهولوسيني” أو “العصر الحديث”، هي ثاني وآخر فترة من العصر الرباعي، حيث تمتد من 11,700 سنة مضت إلى يومنا هذا.
وتشكل الدراسة، (وفقا للجزيرة نت) أول سجل موسمي لدرجات الحرارة يمتد لفترة طويلة يعود تاريخها إلى أكثر من 11 ألف عام مضت، كما نجحت الدراسة في إثبات صحة جانب من نظرية طويلة الأمد حول مناخ الأرض لم يتم إثباتها منذ أكثر من قرن من الزمن.
نظرية ميلانكوفيتش
النظرية التي وضعها العالم الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش قبل قرن من الزمان تناقش كيف تستجيب درجات الحرارة الموسمية في المناطق القطبية لدورات مناخ الأرض، وقد تمت تسميتها “دورات ميلانكوفيتش”.
وافترض ميلانكوفيتش أن التأثيرات الجماعية للتغيرات في موقع الأرض بالنسبة للشمس -بسبب التغيرات البطيئة في مدارها ومحورها- هي محرك قوي لمناخ الأرض على المدى الطويل، بما في ذلك بداية ونهاية الجليد.
وقال كيرت كوفي المؤلف المشارك بالدراسة، في بيان صحفي صادر عن جامعة كولورادو بولدر (University of Colorado Boulder)، “إنني متحمس بشكل خاص لأن نتيجتنا تؤكد التنبؤ الأساسي للنظرية المستخدمة لشرح دورات مناخ العصر الجليدي للأرض”.
وقال تايلر جونز، المؤلف الرئيسي للدراسة، وأستاذ باحث مساعد وزميل في معهد أبحاث القطب الشمالي وجبال الألب (Institute of Arctic and Alpine Research) ” كان هدف فريق البحث هو دفع حدود ما هو ممكن من خلال التفسيرات المناخية السابقة، وبالنسبة لنا كان ذلك يعني محاولة فهم المناخ في أقصر النطاقات الزمنية، وفي هذه الحالة بشكل موسمي، من الصيف إلى الشتاء، عاما بعد عام على مدى آلاف السنين”.
وأضاف “هذا البحث يترجم توثيق كيفية اختلاف درجات الحرارة في الصيف والشتاء بمرور الوقت إلى كيفية فهمنا للمناخ”.
العينات اللبّية الجليدية
منذ فترة طويلة درس العلماء في جميع أنحاء العالم مناخ الأرض في الماضي باستخدام عينات اللب الجليدية التي تم جمعها من القطبين. وتعود فكرة استخدام العينات اللبية الجليدية في دراسة أحوال المناخ التاريخية إلى ألفرد فيغنر، والذي استخدمها لأول مرة بين عامي 1930 و1931، أثناء قيامه برحلة استكشافية لغرينلاند.
فعندما يتشكل الجليد، تصبح الطبقات السفلى أقدم من العليا، وبالتالي فإن عينة لبية جليدية ما تحوي جليدا قد تشكّل عبر عدد من السنين. ويعطي تحليل الغازات المحتبسة في العينة وخصائص هذا الجليد قرائن ومؤشرات يمكن أن تسهم في معرفة المناخ وتركيب الغلاف الجوي في فترات سابقة.
وتحوي العينات اللبية الجليدية الكثير من المعلومات حول حالة المناخ، حيث إن مكونات الثلج لكل سنة تبقى في الجليد، مثل الغبار الذي تحمله الريح، والرماد وحبات الطلع (اللقاح)، وفقاعات من غازات الغلاف الجوي، والمواد المشعة.
وتوفر هذه الأعمدة الأسطوانية النحيلة من الجليد، بيانات قيمة طويلة الأجل محصورة في الوقت المناسب حول كل شيء بدءًا من تركيزات غازات الدفيئة بالغلاف الجوي في الماضي إلى درجات الحرارة السابقة للهواء والمحيطات.
وتتنوع المعلومات المناخية التي توفرها العينات اللبية الجليدية تنوعا واسعا، وهي أكبر من أي مسجل طبيعي آخر لتغيرات المناخ، وقد توفر معلومات حول درجة الحرارة والرواسب الجيولوجية والتركيب الغازي للغلاف الجوي وثورات البراكين والنشاط الشمسي وحالة مستوى سطح البحر والتصحر وحرائق الغابات.
محاولات لفهم تقلب مناخ كوكبنا بشكل أفضل
في هذه الدراسة، حلل الباحثون نسب تركيز النظائر (العناصر التي لها نفس عدد البروتونات ولكن بأعداد مختلفة من النيوترونات) للكشف عن بيانات حول درجات الحرارة السابقة، والتحولات بين العصور الجليدية والفترات الدافئة في ماضي الأرض.
وامتدت دراستهم حتى بداية ما يعرف باسم العصر الهولوسيني، ويرى الباحثون أنه من المحتمل أننا نعيش اليوم في فترة دفء بين فترات جليدية باردة، ومن المتوقع أن يعود الجليد بعد عدة آلاف من السنين ليغطي مرة أخرى المناطق التي كانت تغطيها الأغطية الجليدية أثناء عصر البليستوسين (العصر الحديث الأقرب).
ومن خلال معرفة دورات الكواكب التي تحدث بشكل طبيعي، يمكن للباحثين تحديد التأثير البشري على تغير المناخ وتأثيراته على درجات الحرارة العالمية بشكل أفضل. وتوفر هذه البيانات الأكثر تفصيلا حول أنماط المناخ طويلة الأجل في الماضي أيضا خط أساس مهما للعلماء الذين يدرسون آثار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان على مناخنا الحالي والمستقبلي.
وقال جونز “لدى البشر فضول أساسي حول كيفية عمل العالم وما حدث في الماضي، لأن ذلك يمكن أن يطلعنا أيضا على ما يمكن أن يحدث في المستقبل”.
وتتمثل الخطوة التالية للفريق في محاولة تفسير العينات اللبّية الجليدية عالية الدقة في أماكن أخرى -مثل القطب الجنوبي وشمال شرق غرينلاند، حيث تم البدء بالفعل في تجميع العينات اللبّية الجليدية- لفهم تقلب مناخ كوكبنا بشكل أفضل.