أشهر عالم مسلم في الغرب.. عبد القادر خان.. “أبو القنبلة النووية” الباكستانية
عالم الفيزياء النووية الباكستاني عبد القادر خان، هو أشهر عالم مسلم في الغرب، وقد اشتهر بلقب “أبو القنبلة النووية” الباكستانية، يُرجع إليه الفضل في قيام البرنامج النووي لبلاده، حيث أنه المؤسس له والعنصر الأبرز في وجود أول قنبلة نووية باكستانية.
ولد عبد القادر خان، في بوبال في الهند عام 1936 أثناء فترة الاحتلال البريطاني، وقبل انفصال باكستان عن الهند. وكان والده عبد الغفور خان معلما، ثم تقاعد عام 1935، لذا نشأ الابن عبد القدير تحت جناح أبيه المتفرغ لتربيته ورعايته. وكانت والدته زليخة بيجوم، سيدة متدينة، تلتزم بالصلوات الخمس ومتقنة للغة الأردية والفارسية، لذلك نشأ الدكتور عبد القادر خان متدينًا ملتزمًا بصلواته.
حصل خان على شهادة الثانوية العامة من مدرسة الحامدية ببوبال، ثم هاجر إلى باكستان في عام 1952 بحثا عن حياة أفضل، وتخرج في كلية العلوم بجامعة كاراتشي عام 1960، وعمل في وظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية، إلا أنه استقال منها بعد ذلك.
زيجة بمحض الصدفة
سافر عبد القادر خان من جديد لاستكمال دراسته، فالتحق بجامعة برلين التقنية، حيث أتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن. كما نال الماجستير عام 1967 من جامعة دلفت التكنولوجية بهولندا ودرجة الدكتوراه عام 1972 من جامعة لوفين البلجيكية.
ولم يكن ترك الدكتور عبد القادر خان لألمانيا وسفره إلى هولندا سعيًا وراء العلم. بل كان بسبب رغبته الزواج بالآنسة “هني” الهولندية -ذات الأصل الأفريقي- التي قابلها بمحض الصدفة في ألمانيا. وبالفعل تمت مراسم الزواج في أوائل الستينيات بالسفارة الباكستانية بهولندا.
حاول الدكتور عبد القادر مرارًا الرجوع إلى باكستان ولكن دون جدوى. حيث تقدم لوظيفة لمصانع الحديد بكراتشي بعد نيله لدرجة الماجستير، ولكن طلبه رُفض بسبب قلة خبرته العملية، ولذلك الرفض أكمل دراسة الدكتوراه في بلجيكا؛ ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن دون تسلم أي ردود لطلباته. في حين تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية ليشغل لديهم وظيفة كبير خبراء المعادن فوافق على عرضهم.
في ذلك الحين كانت شركة FDO الهندسية على صلة وثيقة بمنظمة “اليورنكو”، أكبر منظمة بحثية أوروبية والمدعمة من أمريكا وألمانيا وهولندا. كانت المنظمة متهمة أيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال “نظام آلات النابذ”، الذي تُعد التفاصيل التقنية المستخدمة فيه سرية، لأنها قد تستخدم في تطوير القنبلة النووية. تعرض البرنامج لعدة مشاكل تتصل بسلوك المعدن، استطاع الدكتور خان بجهده وعلمه التغلب عليها. ومنحته هذه التجربة مع نظام الآلات النابذة خبرة قيمة، كانت هي الأساس الذي بنى عليه برنامج باكستان النووي فيما بعد.
وفي عام 1974 فجرت الهند قنبلتها النووية الأولى، في حينها كان الدكتور خان قد وصل إلى مستقبل مهني ممتاز، بكونه واحد من أكبر العلماء الذين عملوا في هذا المجال، وأيضا كان له حق الامتياز في الدخول إلى أكثر المنشآت سرية في منظمة اليورنكو، وكذلك إلى الوثائق الخاصة بتكنولوجيا الآلات النابذة.
العودة إلى باكستان
على إثر تجارب الهند النووية، أرسل الدكتور خان رسالة إلى رئيس باكستان الأسبق ذو الفقار علي بوتو، قائلا له فيها: أنه “حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ”. ودعاه الرئيس لزيارة باكستان بعد تلك الرسالة بعشرة أيام ثم دعاه مرة أخرى في عام 1975 وطلب منه عدم الرجوع إلى هولندا، ليرأس برنامج باكستان النووي.
أبلغ الدكتور زوجته الهولندية بالخبر، والذي كان سيعني تركها لهولندا إلى الأبد، ووافقت هي على قراره عندما علمت برغبته في تقديم شيء لبلده. تقول التحقيقات التابعة للسلطات الهولندية في ذلك الحين أنهم توصلوا إلى أن الدكتور خان قد نقل معلومات عالية السرية لوكالة الاستخبارات الباكستانية، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى أي دليل يثبت إن كان الدكتور قد أرسل منذ البداية إلى هولندا كجاسوسـ أو أنه هو الذي عرض ذلك على السلطات الباكستانية فيما بعد.
سر القنبلة النووية
في عام 1974 أطلقت مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية(PAEC)برنامج تخصيب اليورانيوم. وفي عام 1976 انضم خان إلى المفوضية إلا أنه لم يستطع إنجاز شيء من خلالها. لذا في شهر يوليو من نفس العام أسّس معامل هندسية للبحوث في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة روالبندي، بعدما أخذ الموافقة من الرئيس ذو الفقار علي بوتو، بأن تكون له حرية التصرف من خلال هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي.
وفي عام 1981 وتقديرًا لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستاني غيّر الرئيس الأسبق محمد ضياء الحق، اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القادر خان للبحوث. أصبحت المعامل بؤرة لتطوير تخصيب اليورانيوم حيث عمل خان على العديد من المشاريع لتطوير الأسلحة الباكستانية النووية.
تمكن الدكتور خان من تحقيق أعظم إنجاز له، وهو إنشاء مفاعل كاهوتا النووي في ستة أعوام، والذي يستغرق عادة عقدين من الزمان في أكثر دول العالم تقدما. وكان ذلك من خلال القيام بثورة إدارية على الأسلوب المتبع عادة، من فكرة، ثم قرار، ثم دراسة جدوى، ثم بحوث أساسية، ثم بحوث تطبيقية، ثم عمل نموذج مصغر ثم إنشاء المفاعل الأولي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي، وبناؤه وافتتاحه. قام فريق الدكتور خان بعمل كل هذه الخطوات دفعة واحدة. استخدم فريق الدكتور خان تقنية تخصيب اليورانيوم لصناعة أسلحتهم النووية.
ويقول الدكتور خان في إحدى مقالاته إن “أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها، وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك. كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي، كما أن موقعه القريب نسبيًا من العاصمة، يسر لنا اتخاذ القرارات السريعة، وتنفيذها دون عطلة. وما كان المشروع ليختفي عن عيون العالم الغربي لولا عناية الله، ثم إصرار الدولة كلها على إتقان هذه التقنية المتقدمة التي لا يتقنها سوى أربع أو خمس دول في العالم. ما كان لأحد أن يصدق أن دولة غير قادرة على صناعة إبر الخياطة، ستتقن هذه التقنية المتقدمة”. وقالت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو أنها هي أيضا لم يكن يُسمح لها بزيارة معامل خان للبحوث.
قام الفريق الباكستاني لمعامل الدكتور خان للبحوث بتصميم النابذات وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية وحساب الضغوط وتصميم البرامج والأجهزة اللازمة للتشغيل. استغرق العمل على مشروع بناء الآلات النابذة ثلاث سنوات فقط.
وامتدت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل بعد ذلك برامج دفاعية مختلفة؛ حيث تصنع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعية وبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت معهدا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديد والصلب، كما أنها تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية.
في البداية، كان الدكتور خان يقوم بشراء كل ما يستطيع من إمكانات من الأسواق العالمية بفضل صِلاته بشركات الإنتاج الغربية المختلفة، لكن حين علم العالم بتمكن باكستان من صناعة القنبلة النووية ثار على الحكومة الباكستانية، وبدأت الضغوط تمارس على الحكومة من جميع الجهات، ما بين عقوبات اقتصادية، وحظر على التعامل التجاري، وهجوم وسائل الإعلام الشرس على الشخصيات الباكستانية.
قضية تسريب المعلومات
تم رفع دعوى قضائية على الدكتور ع خان في هولندا بتهمة سرقة وثائق نووية سرية، وحُكم عليه غيابيا بأربع سنوات، لكن في الاستئناف تم تقديم وثائق من قبل ستة أساتذة عالميين أثبتوا فيها أن المعلومات التي كانت مع الدكتور خان من النوع العادي، وأنها منشورة في المجلات العلمية منذ سنين. وتم بعدها إسقاط التهمة من قبل محكمة أمستردام العليا. يقول خان: إنه حصل على تلك المعلومات بشكل عادي من أحد أصدقائه؛ إذ لم يكن لديهم بعد مكتبة علمية مناسبة أو المادة العلمية المطلوبة.
بعد هذا الهجوم، بدأ المشروع في إنتاج جميع حاجياته، بحيث أصبح مستقلا تماما عن العالم الخارجي في صناعة جميع ما يلزم المفاعل النووي. تحدث الدكتور خان عن هذه الفترة قائلا: “في حين كان العالم المتقدم يهاجم برنامج باكستان النووي بشراسة، كان أيضًا يغض الطرف عن محاولات شركاته المستميتة لبيع الأجهزة المختلفة لنا! بل كانت هذه الشركات تتوسل إلينا لشراء أجهزتها، كان لديهم الاستعداد لعمل أي شيء من أجل المال ما دام المال وفيرًا“!.
أعلى وسام باكستاني
تعدّ التجارب النووية الست التي قامت بها باكستان في مايو 1998 بمثابة تأشيرة دخول باكستان إلى النادي النووي، وأصبح خان بسببها بطل باكستان الثاني، بعد محمد علي جناح -أول رئيس لباكستان- كما أطلقت عليه الصحافة لقب “أبو القنبلة الذرية الإسلامية”، وامتلأت شوارع المدن الباكستانية بصوره، خاصة مع المجهودات الخيرية التي كان يقوم بها مثل إنشاء العديد من المدارس، وحملته لمكافحة الأميّة. وفي تلك الفترة، نال خان 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة، ونشر حوالي 150 بحثًا علميًا في مجلات علمية عالمية، كما مُنح عام 1989 ” وسام هلال الامتياز“.
وفي العام 1996 نال ” نيشان الامتياز” ـ وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان ـ تقديرًا لإسهاماته المهمّة في العلوم والهندسة.
مرض وإقامة جبرية
في 22 أغسطس من عام 2006 أعلنت السلطات الباكستانية أن الدكتور خان يعاني من سرطان في البروستاتا، وأنه تحت العلاج. وفي 9 سبتمبر من نفس العام أجريت له عملية استئصال الورم في مستشفى بكراتشي وقال الأطباء ان العملية قد نجحت. وهو يعاني أيضا من جلطة بساقه وقد صرحت زوجته أنه بحال جيدة لكن خان يقول أن هذا بسبب الاحتجاز. وفي 5-3-2008 نقل خان لمستشفى إسلام اباد وهو يعاني من انخفاض في الضغط وارتفاع في درجة الحرارة وكان ذلك نتيجة اصابته بالتهاب، تحسن خان وسمح له بالخروج من المستشفى بعد أربعة أيام.
وفي مايو 2020، وجه العالم الباكستاني رسالة إلى المحكمة العليا في بلاده، قال فيها إن “سلطات البلاد تقيد حرية تنقله، على إثر قضية نشر أسرار التكنولوجيا النووية خارج باكستان، إلى كوريا الشمالية وإيران وليبيا”.
العالم البالغ 85 سنة من العمر حاليا، يعيش تحت حراسة مشددة بأحد الأحياء الفاخرة في إسلام آباد. وكانت السلطات الباكستانية تقول إنها اتخذت تلك الإجراءات لاعتبارات أمنية.