أراجيح الجدران.. ما تفصله الأسوار تصله الأفكار
في أوج الأزمات التي تسببت فيها بعض قرارات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خاصة قراراته الخاصة باللاجئين والمهاجرين وأطفالهم وبالحدود الأمريكية المكسيكية قرر اثنان من أساتذة العمارة القيام بعمل رمزي عبر تلك الحدود يعبر عن رفضهم لتقسيم وفصل المجتمعات، غير أن اهتمامهم بالأمر كان سابقا على ذلك التاريخ بعقد من الزمان.
القصة قدمها موقع كلوسال Colossal من بين عدة مواقع في تقرير مختصر يعود لعام 2019 يقول تقريرهم: عمل الثنائي المكون من رونالد رائيل Ronald Rael أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي وفيرجينيا سان فراتيلو Virginia San Fratello الأستاذة المساعدة في جامعة ولاية سان خوسيه منذ فترة طويلة على تصميم الهياكل في المشاريع التي تزيل الخط الفاصل بين الفن والعمارة. كما كان للثنائي الذي يتخذ من أوكلاند مقرا له، والذي يصف نفسه بأنه يتابع “البحث المعماري التطبيقي”، اهتماما طويل الأمد بالجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك.
ففي عام 2009، ألف رونالد رائيل كتاب “الجدار الحدودي كعمل معماري Borderwall as Architecture”، والذي يتميز برسم مفاهيمي للأرجوحة التي تعرف باسم teetertotter، وهي الأرجوحة المعروفة في كل الثقافات والتي تعتمد على وجود نقطة ارتكاز في المنتصف يوضع عليها لوح خشبي في الغالب وتجري اللعبة بتبادل رفع وخفض اللوح من الشخصين الجالسين على أطراف اللوح، وقد بنى رونالد فكرته (النظرية والمفاهيمية حينئذ) على استخدام السور الفاصل كنقطة ارتكاز لألواح الملعب الكلاسيكية. وبعد عشر سنوات، ظهرت هذه الفكرة للوجود أولا في المجتمعات المتجاورة المكونة من صنلاند بارك، في نيو مكسيكو وكولونيا أنابرا، في المكسيك.
وفي يوليو من عام 2019 نصب الثنائي ثلاثة من تلك الأراجيح بين مدينة إل باسو في ولاية تكساس El Paso, Texas الأميركية ومدينة ثيوداد خواريز Ciudad Juárez في المكسيك، بنيت اللعبة من الألواح ذات اللون الوردي عبر الفجوات الضيقة للجدار، بما يسمح للمواطنين على كلا الجانبين بالتفاعل بشكل مرح مع نظرائهم عبر الحدود.
أراجيح الجدران تلك، في حين أنها مبهجة ومحفزة للضحك، إلا أنها تعمل أيضا من خلال شعور كل مستخدم حرفيا بثقل إنسانية الشخص المقابل على الجانب الآخر من السور الفاصل. وفي منشور له على إنستجرام يقول رونالد عن المشروع “كان الأطفال والكبار يشعرون بارتباط بعضهم ببعض بطرق مفيدة على كلا الجانبين مدركين أن ما يتم فعله من البشر في أحد الجانبين له نتيجة مباشرة على البشر في الجانب الآخر“.
حيث تمثل الأوزان على كلا الجانبين نوع التوازن الضروري لأي شعبين، أو دولتين، لتحقيق المساواة فيما بينهما، على أساس أن الأفعال التي يقوم بها أحد الجانبين لها عواقب مباشرة على الجانب الآخر. إذ أن التأرجح هنا هو المظهر المادي للقاعدة الذهبية “عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك”، وهو مبدأ تشترك فيه جميع الثقافات والأديان، فمن أجل لتجربة الفرح على الأرجوحة، يجب أن تسمح للشخص الآخر بتجربة الفرح أيضا.
وقد حصل تصميم الأراجيح على جائزة بيزلي للتصميم Beazley Design لعام 2020، وهي الجائزة التي يمنحها متحف التصميم Design Museum في لندن.
الفكرة التي نفذها المهندسان المعماريان رونالد رائيل، وفيرجينا سان فراتيللو تبدو غاية في البساطة، أرجوحة يلعب بها أطفالنا هنا وهناك في كثير من أماكن العالم، لكنها عندم جاءت في الزمان والمكان المناسبين اكتسبت معنى وقيمة ورمزية كبيرة، ومثلت قوة الأفكار البسيطة حينما تخترق الحواجز وتكسر الجدران المعنوية بين الناس.
د. مجدي سعيد