“عصمت زين الدين”.. مؤسس قسم الهندسة النووية في مصر
رزق الدكتور “محمد عصمت زين الدين”, (1924- 2018) طول العمر حتى بلغ 96 عاماً, وحياته تعتبر النموذج الأمثل لمعاناة العلماء الذين انضموا للتنظيم الطليعي في مصر. كان رمزًا من رموز الحركة الوطنية المصرية، وامتدادًا لنضال المصريين منذ مطلع القرن العشرين من أجل الاستقلال والحرية، وسيظل مثالًا يحتذى وملهمًا لأجيال عدة من الأساتذة الذين يعرفون الدور الحقيقي لأساتذة الجامعات.
“عصمت زين الدين”.. وبداية الاتصال بالهندسة النووية
عقب تخرجه من جامعة الإسكندرية بكلية الهندسة عام 1948، ذهب “محمد عصمت زين الدين” إلى لندن للقيام بأبحاث الفيزياء والمواد وتأثير الإشعاعات عليها وبالفعل حصل على الدكتوراة في هذا المجال، وفي عام ١٩٥٢ [اعتزمت] جامعة لندن إنشاء أول قسم هندسة نووية بإنجلترا، فاختارت اثنين من زملائه في الدراسة وهما “ماسي فيلد”، و”هوتيست يو”، وكلفوهما بإنشاء هذا القسم، وكانا من نفس تخصصه، وبدءا في إنشاء أول مفاعل نووي، وكان عصمت زين الدين يتابع معهما، وعرف كيف يبنى المفاعل، ولم يكن واردًا له أنه سيتجه لإنشاء قسم هندسة نووية.
في عام ١٩٥٩ اتخذ قراراً بإدخال إنتاج الطاقة النووية في [المقرر الدراسي] الذي يقوم بتدريسه، وخلال عامي ١٩٦٠ و١٩٦١ سعي إلى تأهيل نفسه لاتجاهات الطاقة النووية، وعمل في ثلاثة مواقع منها المركز النووي لشركات الطاقة بنيوكاسيل.
“زين الدين” والتكوين العلمي في بريطانيا
تم تدريبه تدريبًا جيدًا في المركز النووي لشركات الطاقة بمانشستر، وتدرب على الفيزياء النووية داخل هيئة الطاقة الذرية البريطانية، ودخل المفاعلات الثلاث الموجودة في لندن، فقد كان على أتم الاستعداد. علماء الهندسة النووية في جامعة لندن عرضوا عليه عروضاً مغرية ليستمر في بريطانيا وقالوا له: “ماذا ستفعل في مصر؟ لن تجد هناك أبحاث أو دوريات أو تمويل”. ولكنه رفض وبمجرد عودته لمصر عام 1964 كان متشبعاً بأمل إدخال العلوم النووية في الجامعات المصرية.
إنجاز “زين الدين” في دراسة الطاقة
أدخل “زين الدين”, لأول مرة تخصص هندسة الشبكات الكهربائية الموحدة بعد أن كانت كل محافظة لها شبكة منفصلة واتجه للطاقة النووية وركز علي تأثير الإشعاعات النووية علي خواص المواد تحت الضغط العالي وتعرف علي تكنولوجيا الإشعاعات النووية ..
البرنامج الدراسي لقسم الهندسة النووية في عهد “زين الدين”
وحول البرنامج الدراسي لقسم الهندسة النووية في عهده يقول الدكتور عصمت زين الدين: “… يوم الإثنين من كل أسبوع من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الثانية ظهرا: حوار فكري: يجتمع جميع الطلاب في القسم وجميع الأساتذة المنتدبين والمعنيين والمعيدين ورئيس القسم في دائرة، ونبدأ في حوار قائم على النقد والنقد الذاتي بدءا من رئيس القسم حتى الطلاب”..
بداية المشكلات الحقيقية
وحول أهم المشكلات التى واجهت الدكتور عصمت أثناء مسيرته العلمية يقول: “…بدأت المشاكل الحقيقية بمجرد انتهاء مرحلة الفرقة الثانية، فالفرقة الثالثة والرابعة تبدأ بمرحلة التخصص الدقيق، والجامعة ليس بها أي أستاذ واحد متخصص، فاضطررت للاستعانة بأساتذة أقرب ما يكون من التخصص، وهنا حدثت المفاجأة الكبرى، فقد قام صراع سياسي ضخم بيني وبين التنظيم السري المسيطر على الجامعة، فالجامعات المصرية لم يكن بها عميد حقيقي، بل عمداء مجرد ديكور أو شكل، والمتحكم الحقيقي في الجامعة هو التنظيم السري” ..
عضويته في المكتب الاستشاري للبحث العلمي في الرئاسة
أنشأ الدكتور زين الدين قسم الهندسة النووية في كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية وتولى رئاسته وقدم عام ١٩٦٦ أول دراسة لتشغيل محطة كهرباء السد العالي، وأول برنامج نووي للطاقة في مصر عن كيفية عمل محطات نووية وتحديد أماكنها … حضر الرئيس المصري الراحل عبد الناصر اللقاء الثاني لنادي هيئة تدريس جامعة الإسكندرية، ومن باب الزهو أعلن رئيس الجامعة عن هذه الدراسات، بعدها بأسبوعين تلقى زين الدين خطابًا من رئاسة الجمهورية بانتدابه كمستشار في المكتب الاستشاري للبحث العلمي في رئاسة الجمهورية برئاسة الدكتور “صلاح هدايت”، لم يكن ترشيحا بقدر ما كانت تقارير متميزة كتبها البعض عنه ..
إنجازه الأكبر
للتاريخ فقد كانت دفعة 1967 هذه الدفعة من صفوة عباقرة مصر ففي مشروع البكالوريوس كان الدكتور عصمت زين الدين, قد أدخل شيئاً جديداً اسمه الدراسات الخاصة لتطبيقات الهندسة النووية وفوجئ بالطلبة يقدمون له أبحاثاً خطيرة منها تصميم مركز نظائر مشعة والوقود النووي وطلب منهم عمل مشروع محطة إنتاج طاقة نووية عبر استخدام التفجيرات النووية في الأنفاق.
تغير موقفه بعد هزيمة 1967
يقول الدكتور زين الدين: “بعد هزيمة 1967 اكتشفنا كل المفاسد بعد حرق نظام عبد الناصر، وبدأت في 1968 بعض المظاهرات لمحاكمة ضباط الطيران بعيدًا عن محاكمات مارس الكاذبة”.
وفاته عصمت زين الدين
توفي الدكتور عصمت زين الدين في الإسكندرية في 10 نوفمبر 2018 عن 94 عاما، وترك ابنين وعددًا من الأحفاد والحفيدات الناجحين .