حلول مبتكرة.. أن تتحرك لتخفيف معاناة الآخرين
يتميز بعضنا بالقدرة على الشعور بالآخرين، وبما يعانونه من آلام، وما يعيشون فيه في أوضاع غير إنسانية، ويتجاوز البعض هذا المستوى إلى مستوى أرقى حينما تتحرك جوارحه، ويعمل عقله، ويستثمر مهاراته وإمكاناته وخبراته كي يكون تحركه من أجل الآخرين مبتكرا، ويفي بحاجات من يسعى لمساعدتهم.
وحيث أن عدد الأشخاص الذين ينامون في الشوارع قد ازداد بشكل كبير في كل بلدان أوروبا – باستثناء فنلندا، والشوارع رهيبة في تلك البلدان في الليل، ورغم ذلك فهي ملجأ ومأوى هؤلاء المشردين، حيث يعد العنف والسرقة من الأمور الشائعة، وسواء أكان المشرد في مأوى يبيت فيه أو يبيت مكشوفا في الشوارع، فإنه لا يتمتع لا بالحميمية ولا الخصوصية ولا الأمان.
إيجلو Iglou هو مأوى معزول يمكن نصبه في الشوارع والساحات التي يبيت فيها المشردون، ويقدم حلا مبتكرا لما يعانيه المشردون في الشوارع، صممه الشاب الفرنسي جيفروي دي رينال Geoffroy de Reynal ، الحاصل على ماجستير في هندسة الطاقة، والذي عمل مؤخرا في الخارج كمهندس للطاقة المتجددة في مواقع بناء التوربينات الهوائية كمدير للجودة. وعندما عاد، أدرك الوضع الحرج للمشردين بلا مأوى في فرنسا، وقد كان هذا المشروع هو وسيلته لاستخدام معرفته التقنية لمواجهة هذا التحدي الاجتماعي.
تساعد جيفروي متطوعة في إدارة المبادرة التي أسسوها لهذا الغرض أليس لين Alice Laine وهي مهندسة تطوير برمجيات، أحبت أن تجمع بين العمل والشغف والالتزام بقضية ما. وأرادت الاستفادة من مهارات إدارة المشروعات التي تتمتع بها لتوفير الملاجئ للمشردين في فصل الشتاء. حيث يقوم جيفروي بمهمة المدير فضلا عن كونه مبتكر المأوى بينما تتولى أليس رئاسة المبادرة.
وفي يناير من عام 2018 أطلقوا سويا حملة للتمويل الجماعي، ساهم فيها 503 متبرع، وفي شهر ديسمبر الماضي 2018 ، تم توزيع تسعة مآوي إيجلو على الأشخاص المشردين في مناطق متفرقة من بوردو. وقد ساعدت منظمة أطباء العالم، وهي منظمة غير حكومية فرنسية، في الخدمات اللوجستية.
التصميم الذي أنجزه جيفروي مقاوم للماء، وقابل للغسل، وللإصلاح ولإعادة التدوير، ويمكن طيه وتجميعه بسهولة، والأهم من ذلك أنه يعطي مستخدميه من المشردين 20 درجة مئوية، حيث يعكس عازله الحراري الداخلي حرارة الجسم للمستخدم، كما أن المأوى مزود بالطاقة الشمسية للإنارة، التي يمكن أن يتحكم فيها مستخدمها، ويتكلف المأوى الواحد 250 يورو.
كانت ردود الفعل الأولى على العدد القليل من المآوي التي وزعت إيجابية للغاية، حيث يشعر المستخدمون بالرضا، والذين لا يستطيعون الحصول على مأوى يسألون عن أحدها. حيث عبر أحدهم عن تقديره للابتكار الذي يسمح له بأن ينام في الليل ويستيقظ بالنهار كما هو الغالب على البشر، بينما اعتبره آخر مثاليا لأنه يعطيه الدفئ الذي يحتاجه وزيادة أحيانا، بينما عبر ثالث عن راحته لأنه أخيرا أصبح له مساحة نومه الشخصية، بينما عبر رابع عن سعادته لأن المأوى لا يسمح بقطرة مطر واحد أن تسقط عليه في الداخل مما يشعره بالدفئ.
ربما تكون القصة قصيرة، وليس فيها من التفاصيل الكثير، حيث أن مسيرة المبادرة في بدايتها، لكن مع هذا الحل المبتكر فإنها لا شك مسيرة واعدة بالنجاح.
د. مجدي سعيد