نابغون

الدكتور السعيد عبادة، الناقد، المحقق: قراءة في عوامل التكوين وآثارها

العلامة الأستاذ الدكتور، السعيد السيد السيد عبادة، أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية، جامعة الازهر بالقاهرة، عضو هيئة كبار العلماء بالازهر الشريف، نمطٌ عجيبٌ متفردٌ في حياته وعلمه، لأنه التزم ما ليس بلازم في الواقع، واقع الأكثرين، وإن كان ما التزم به هو الفرض في معتقد الجميع واليقين، كما عبر عن نفسه.

والمتأمل في تراثه يلحظ أنه لم يكن مكثرًا مغزِّرا فيما ألَّفَ وحَقَّقَ حتى بلوغه الخامسة والستين، لكنه كان نابغًا مُفْلِقًا مُجيدًا نابهًا حاذِقَا صادقَا قبلها وبعدها.

ولم يكن ما حقَّق وألَّف كل مظاهر نبوغه، بل من مظاهره- أيضًا- ما كان من تلقيه العلم وتدريسه، ومن محاضراته وإشرافه ومناقشته وتحكيمه، إذ كان في كل ذلك لبيبًا دؤوبًا حريصًا على الإتقان والإحسان والإجادة محاولًا الكمال.

وما كان ذلك إلا نتيجة طبعيَّة لعوامل تكوينه، التي كان منها العام، ومنها الخاص.

 أما العام فتمثل في الوراثة والبيئة:

أما الوراثة فقد كانت أسرته من أواسط الأسر في قريته، لكنها كانت ذات نسب عريق في الدين والعلم، فجده فضيلة الشيخ السيد عبادة كان أحد حفاظ القرآن الكريم بقريته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهو لم يتكسب بقرآنه، بل كان عفيفًا ورعًا.

وعمه فضيلة الشيخ عبدالباري السيد عبادة (من 1899 إلي 1969) أحد علماء الأزهر، إذ حصل على شهادة العالمية القديمة سنة 1924م، ثم كان معلمًا فناظرًا بها في المرحلة (الأولية) بالتربية والتعليم حتى الإحالة إلي المعاش (سنة 1959م) وكان عالم القرية ومفتيها وواعظها وخطبيها وشاعرها.

وأما البيئة فهو ابن قرية (شَبَاس عُمَير) إحدى قرى شمال الدلتا، تلك القرية التي عرفت بثورتها على عُمْدَتِها الطاغي وخلعته سنة 1942م قبل أن تثورَ مصرً وتخلع حاكمها سنة 1952م، وكان عمه عبدالباري أحد مرشدي تلك الثورة وزعمائها. وعرفت هذه القرية أيضا بصدها كتبية (مينو)، آخر قادة الحملة الفرنسية على مصر، عندما أراد أن يجوب شمال الدلتا مما جعله يرتد خائبا إلي رشيد.

وأما عوامل التكوين الخاصة فتمثلت في ثقافته، واستعداده الذوقي، وذكائه، وقدرته التعليمية، وقدرته الإبداعية، ومشورته العلماء، والاقتناع بتلك المشورة، والاستقصاء، وجملة من الأخلاق جبل عليها والتزم بها.

  أما ثقافته فكان من أهم روافدها القرآن الكريم الذي أتمَّه قبل عامه الحادي عشر، وتعليمه الذي بدأ بالمدرسة الأولية وكان فيها مبرِّزًا نابهًا، وكان أولَها في جميع السنوات من الأولى إلي السادسة أي من (1941 – 1947م)، ثم كان التحاقه بالمرحلة الإبتدائية في معهد دسوق الديني عام 47/1951م وكان تفوقه فيها بسبب ما زودته به المدرسة الأولية من مبادئ العلوم، وما زوده به عمه في إجازته الأسبوعية من العلوم العربية والشرعية، وكان من أساتذته في تلك المرحلة الشيخ حجاج السيد علي، والشيخ محمد فليفل.

وكانت دراسته الثانوية بمعهد طنطا الثانوي، الذي استمر تفوقه فيه إذ كان أولَ الاحناف خمس سنوات، وكان أولَ المعهد في السنة الثالثة، ثم أولَ الثانوية بالمعهد، والثاني على القُطْر.

وكان من أساتذته بتلك المرحلة الشيخ عبدالباسط سليم، الذي درس له الفقه الحنفي والنحو، والشيخ محمد فوزي، الذي درس له الأدب والنصوص والشيخ عبد العاطي المُسَيَّر الذي درس له البلاغة.

وقد استفاد من الشيوخ محمد مصطفى، ومحمد خليل الخطيب، وكمال أحمد عون الذين لم يدرسوا له، وإنما كانوا ممن يلقاهم فيما كان يعرف بالحصص الإضافية.

واستمر تفوقه في المرحلة الجامعية إذ كان الثاني على الكلية، وكان من شيوخه أصحاب الفضيلة محمد عبدالله دراز، محمد عبدالخالق عضيمه، محمد نايل، ومحمد عبدالمنعم خفاجى. ثم كان التحاقه بالدراسات العليا وفيها درس له الشيوخ: أحمد إبراهيم الشعراوي، وعلي عبدالواحد وافي، وفي السنة التمهيدية الأولى بعد التطوير درس له الدكتور محمد غنيمي هلال.

وكان لكل واحد ممن درس له إبحارات واسعة في علوم اللغة والشريعة، وآراء سديدة في الأدب ونقده أفاد منها السعيد أيما إفادة، وأثرت في تكوين ثقافته وحسه النقدي.

ولم يكن في كل هذه المراحل يذاكر قطّ لمجرد النجاح، بل كان – دائما –  يذاكر للتفوق، بل ليبلغ درجة الإتقان، مع مواظبة على الحضور، ويقظة تامة في أثناء الدرس والشرح، ومراجعة للمدرس إن احتاج، ومذاكرة أولا بأول.

من هذا نتبين أنه كان ذا ثقافة عزيزة متنوعة تمثلت في حفظه القرآن الكريم، وإفادته من كل ما درس من علوم لغوية وشرعية وثقافية، وإفادته من كل من درس له إفادة جعلت معلميه يشيدون به، ويثنون عليه، ويتحدثون عن تفوقه، ولم يكن يكتف بما يدرس من علوم بل كان يقرأ أضعافها قراءة جادة مستوعبة كأنه سيختبر فيها.

وأما استعداده الذوقي فبدا في فهمه للنقد في قول المعري من اللزوميات:

وجدتُ عواريَّ الحياةِ كثيرةً

كأن بقاءَ المرءِ شعرُ حبيبِ

“حيث جعل شعرَ حبيب أي: أبي تمام- مثلاً في كثرة العواري أي: الاستعارات- لبقاء المرء وما يتخلله من عواري الحياة- صروفها: أي: ما يتداول فيها- أن يكون عنى بالعواري في شعر حبيب ما اعتوره من تصحيف وتحريف، كانت كثرتهما في هذا الشعر عنده”.

وفي تحقيقه لنص أبي العلاء الذي ختم به كتابه (اللامع العزيزي) عن (أوزان المتنبي وقوافيه) في العام الجامعي (81/ 1982م) بأم القرى – ولم يأخذ النص للتحقيق من (اللامع) وإنما أخذه من الموضح لان اللامع كان من المفقود آن ذاك، فوجد  سقطا في غير موضع مما يخل بالمعنى فقدر الساقط المناسب وززاده بين معقوفين، ثم لما ظهر (اللامع بعد ذلك وجد مازاده بعينه فيه بلا خلاف).

وأما ذكاؤه فيكفيك دليلا عليه أنه كان يتوقع ما يثار حوله من تساؤل أو يوجه له من نقود، ليس هذا فقط بل ليرد على هذه التساؤلات والنقود بالإنجاز لا بالكلام.

أما ما أثير حوله من تساؤل فهو لمَ كان قليل النتاج حتى بلوغه الخامسة والستين؟، إذ لم يكن له إلا مقالان، وخمسة مؤلفات، ومحاضرة واحدة، ولم يكن له من التحقيق إلا نفى نسبة شرح ديوان المتنبى المسمى بمعجز أحمد إلى أبي العلاء المعري، ورسالة الإغريض وتفسيرها، وأوزان المتنبي وقوافيه، ولم يكن قد شارك في أي مؤتمر، ولم يكن له من المحاضرات سوى واحدة، ولم يكن له أي مشاركة بمعهد المخطوطات العربية في القاهرة، لا في النشر بمجلته ولا في غير ذلك.

ويمكن أن يُرَد على ذلك بأنه آثر الجدة والأصالة والجودة على التكرير والاجترار والرداءة.

أما رده فكان بأكثر من ثلاثين بحثًا ومقالًا في غير صحيفة ومجلة، وسبعة كتب، وستة فعاليات ما بين مؤتمر ومهرجان واحتفالية ودورة، وتسع محاضرات، وتمانية تحقيقات، والنشر لاثنى عشر بحثًا ومقالًا نقديًا، بمجلة معهد المخطوطات في أعداد مختلفة منذ 2001م، والمشاركة في أربع دورات تأسيسة للتدريب على التحقيق، والمشاركة في دورتين لدبلوم علوم المخطوطات 2017-2018م  لتدريس مادة: (نقد تجارب المحققين)

ومما وجه له من نقد كان عن محدودية تجربته البحثية، فقد  زعموا أنه  قصر نتاجه أو كاد على البحث في أبي العلاء المعري…

ولم يكن ذلك صحيحًا في أكثره إذ كان له – قبل التفرغ – من المؤلفات، التي لا تتعلق بأبي العلاء، ومنها ”  أدب التسمية في البيان النبوي، وصور من البطولة في الشعر القديم، وصار له بعد التفرغ: بيت الشعر وبيت الشعر ، عن تجربتي في التحقيق ، عبدالرحمن عثمان الأديب الناقد، عن أصغر ديوان للأدب الإسلامي ، فصول من النقد الأدبي ، ذكريات،  من تجربتي في مسيرتي. فضلا عن المقالات والمحاضرات الأخرى.

ومما وجه له من نقد – أيضا – غلبة التحقيق على التأليف في مؤلفاته، وقد رد على ذلك بقوله: “وأنما ذكرت هذا لما أسلفت، من أنني مؤلف حين أحقق، إذ المحقق الذي لا يحسن التأليف لا يحسن قراءة مثل هذه الفقرة لانه في كثير من الاحيان محتاج أن يضع نفسه مكان المؤلف، فإن لم يكن مثله او قريبًا منه لم يستطع تقدير كلامه”. وقصة هذا القول أنه كان في ندوة الاستاذ محمود شاكر في ليلة حضرها د. محمود الطناحي وحضر محقق ومعه صفحة من مخطوط فيها فقرة بها تصحيف في غير لفظ، ولم يستطع قراءتها فأعطاها للأستاذ محمود شاكر أولا، فنظر إليها طويلا فقرأها بما لا يبدو صحيحًا عنده ولا عند المستمعين فأخذها الطناحي وقرأها كذلك بما ليس بمقنع، ثم لم يعرضها عليه أي منهم، كأنه لم أكن محسوبًا عندهم لمثل ذلك فطلب الصفحة من من كان معه ثم نظر في الفقرة المستعصية، وقال: إنها لا يصح فيها إلا كذا وكذا، فأقر الجميع بأن هذا هو الاقرب لسياقها.

والحقيقة أنه لا مراء في كون أستاذنا مؤلفا، بل في مرتبة عالية من المؤلفين الأفذاذ العالين، لكنه حين يؤلف يحقق، وعندما يحقق يؤلف، لكنه كان أميل إلى الجمع والدرس النقدي الجاد، وهو بارع في ذلك كل البراعة، نجد ذلك في كتابه عن عبد الرحمن عثمان الذي عني في بتحقيق سيرة الرجل، ثم بإيراد شعر الرجل ومقاماته ومقالاته  تخللتها مقالات لناقد له بدون دراسة لها وهو منهج في التأليف مهم نافع، لكنه لم يشر إلى باحثين عني أحدهما بدراسة شعره في بحث ألقاه صاحبه بمؤتمر عقد في كلية اللغة العربية بالقاهرة، وأجاز شيخنا نشره بمجلتها مع الدكتور السيد الدد، وهو بعنوان: ( عبد الرحمن عثمان شاعرا ) لكاتب هذه السطور، وهو لم يشر لهذا البحث أيضا في تحقيقه لقصيدة( العمادة الندبية) لعثمان، مع أنها كانت مما عني الباحث بها في بحثه. والثاني عن مقال الشاعر الموهوب لعبد الرحمن عثمان للأستاذ الدكتور عبده إبراهيم أحمد حسن. ولعل لأستاذنا رؤية في عدم الذكر نقدرها، بل نجلها.

أما ما واجهه – شيخنا – من نصوص شعرية كتلك التي ضمنها كتابه القيم (صور من البطولة في الشعر القديم) فلم يتخل فيه عن نزوعه إلى التحقيق، مع توفر على استنباط ما بالقصائد من مقومات موضوعية وفنية لكن بطريقته هو، إعني حفاظه واحترازه مما جعله لا يأتي بنص إبداعي مواز تبدو فيه ذات الناقد. وتلك طريقة في التحليل تقدر وتحترم، لأنه يرفض الافتئات وتحميل النص ما لا يحتمل.

وأما قدرته التعليمية فقد بلغ فيها الغاية، وطبق المفصل، وأصاب عين القرطاس، ولا غرو فقد كان قمة في الدأب والالتزام والإحسان والإتقان سواء أكان في تدريسه لطلاب الإجازة العالية أم لطلاب الدرسات العليا، أم في محاضراته وندواته الأخرى، أم في إشرافه على رسائل الماجستير والدكتوراه, وقديما قلت: “لم يبذل مشرفٌ جهدًا مع طالبه مثل ما بذل الدكتور السعيد عبادة معي…أما عن الجهد الذي بذله أستاذي معي فحدِّث ولا حرج، كان بيننا لقاء أسبوعي يحاضرني فيه يمتد أحيانًا لساعات، يستمع لأسئلتي حول  البحث، ويرد عليها بما لو سجِّل لبلغ سِفرًا كبيرًا. وكنت كثير الأسئلة، وكان ثريَّ الإجابة حاضرَها. أذكر مرة أنه كان مصابًا بنزلة برد شديدة لا يكاد صوته يخرج من فيه بسببها، فأشفقت عليه لكنّه أصرَّ على متابعتي وسؤالي عما أنجزت في الأسبوع المنصرم، وكان ذلك شأنه طيلة مدة البحث”. وكان وكده مع من يشرف عليه، بل كل من يطلب مساعدته من طلاب العلم.

وأما قدرته الإبداعية فمع إيثاره الأسلوب العلمي المتأدب الذي لا يعمد إلى المجاز والخيال – غالبًا – فعبارته صحيحة مبينة مشرقة بعيدة عن الميوعة والسطحية والتكرار والترادف، وقد نصحني بقراءة محاضرة ليحيى حقي بعنوان (حاجتنا إلى أسلوب جديد) بين فيها معالم الأسلوب العلمي الجيد.

ولم يقتصر إبداعه على النثر بل له شعر قليل، لم يبق منه إلا قصيدة يتيمة أبياتها ثلاثون نظمها في الاحتفال بنهاية تدريبه مع بعض زملائه في مدرسة الحلمية الإعدادية الجديدة في يوم الخميس 22/12/ 1960م الموافق لعيد النصر على العدوان الثلاثي في 23/12/1956م.

ومما قاله في هذه القصيدة:

لنـــــــا التاريخ والذكــــرى

وتأتي أمجــــــــــــــــــــــادنا تترى

حملنا للورى البشرى

فولى اليأس واندحـــــــــــرا

ألسنــــــــــــــا قادة التحرير

من ظلم قد استشرى

ويبدو أنه لم يكمل رحلته في عالم الشعر؛ لأنه لم يوافق ما أخذ به نفسه من التزام وصدق، فالشعر شر فإن دخل في باب الخير لان، وأعذب الشعر أكذبه، كما يقولون أو أنه وجد موهبته الشعرية أقل مما كان عليه في التأليف والنقد وهو مفطور على الاعتداد بالذات، يرنو إلي الكمال أو ما يدانيه، لكنَّ قدرته على النظم كانت ضرورية في تكوين الناقد عنده.

وأما مشاورته العلماء فكان في اختيار موضوعه للدكتوراه وفيه شاور كلًّا من الدكتورة عائشة عبد الرحمن التي فضَّلت أن يكون العنوان (أبو العلاء الناقد الأدبي)، دون تعليل سوى بقولها:” دا مشيخة بأه”، والدكتور محمد عبد الخالق عضيمة، الذي أعطاه خلاصة الرأي في وصف الصفة، وهو جوازه عند الجمهور، والدكتور طه حسين، الذي أحسن استقباله، لكن حالت ظروفهما دون معاودة اللقاء،  والدكتور شوقي ضيف الذي اقترح له خطة كانت بمعزل عما هدي إليه.

ولا شك في أن مشاورة العلماء تفيد الباحث وتثبته، وتضيف إلى عقله عقولا توسع من مداركه، وتلهمه الحق والصواب.

وأما الاقتناع بما يشار به  فكان في عدم أخذه بالخطة التي اقترحها الدكتور شوقي ضيف، ومخالفة رأي الشيخ سيد سابق عندما قلل له من أهمية دراسته (أدب التسمية في البيان النبوي)، وأصر على إكمالها.

وأما الاستقصاء فلم يكن ديدنه في رسالته فقط، بل في جميع بحوثه ومؤلفاته وتحقيقاته ومحاضراته.

وكان مما جبل عليه من خلاق مذ كان واستمر معه  التروي، والتحري، والتثبت، والشك عند وجود دواعيه من أجل الوصول إلى اليقين.

ومن دلائل هذا تحقيقه نسبة ( معجز أحمد) لأبي العلاء حتى انتهى إلى نفيها بعد أن أخبره أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية بأن بعض الناس شك في تلك النسبة .

وكان مما جبل عليه – أيضًا- الصدق، والأمانة، والإتقان، والإحسان وكان هذا دأبه في كل ما دبجت يراعته، أو نطق لسانه.

وكان مما جبل عليه – كذلك – الاعتراف بالخطأ وبالسهو وبالنسيان، وتقدير  المحسن من الباحثين، والترفع في النقد عن التجريح ، وبالتسامح مع الآخر إلا في السرقة أو السطو أو الانتحال، والإيثار للجديد في التأليف والتحقيق.

ومن اعترافه بخطئه ما كان من تصويب الشيخ شاكر له تعليقه على قول المعري – ضمن (رسالة الإغريض وتفسيره): ” والشعر الأول- وإن كان سبب الأثرة…-) حيث قلت معلقا :” الشعر الأول: أي: الشعر الجاهلي ” وقال الشيخ شاكر لما أهديته تحقيقي، ونظر فيه: ” الشعر الأول هنا: هو الطويل، وقوله هو الصواب”.

ومن تقديره المحسن من الباحثين ما كان من إشادته بصاحب بحث (طرفة الأندلس أبو جعفر بن سعيد العنسي)، وهو الدكتور جلال حجازي، وصاحب رسالة ( الاتجاه الواقعي في نقد الرواية المصرية من سنة 1890 إلى نهاية 1945م) وهو الدكتور محمود لاشين، وإن لم يذكر اسميهما محافظة على (الحفاظ) الذي التزم به لأنه ضمن الكتاب الذي ورد فيه تقريرا البحث والرسالة تقارير عمن رفض رسائلهم أو أبحاثهم أو لم يوافق على منحهم الدرجات بالتقديرات التي اقترحها المشرفون.

وكان مما جبل عليه – أيضا – الحياء، والالتزام بما لا يلزم من قيم الدين التي ليست بلازم عند البعض.

وبعد فالدكتور السعيد عبادة كان نمطا مختلفا عن لداته بل نمطا متفردا عجيبا في مختلف مراحل عمره، وإذا كان علو الهمة من سمات العلماء العاملين، فإن علو همة السعيد عبادة يضرب بها المثل وعنها حدث ولاحرج،  ولا غرو فقد كان يرى أن مثله مثل امرئ القيس حين قال:

فلو أنَّ ما أسعى لأدنى معيشــــــــــةٍ

كفاني – ولم أطلب- قليل من المال

ولكنما أسعى لمجد مؤثــــلٍ

وقد يدرك المجد المؤثل أمثــالي

وما المرء ما دامت حشاشة نفسهِ بمدرك أطراف الخطـــوب ولا آلِ

لكن شتان بين طالب ملك ضائع كامرئ القيس، وبين طالب علم باق وممكن ببقاء الحاملين له من العلماء، جيلا بعد جيل”، على حد عبارة شيخنا الرائعة.

بقلم/ أ. د. سيد أحمد أبو شنب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى