الأقوياء

90% من العاملين فيه مكفوفون.. أول “مطعم ظلام” في المنطقة العربية!

قرر عبد الباسط محمد، رئيس المركز العربي للإعلام المتخصص لذوي الإعاقة بالقاهرة، نقل فكرة “مطاعم الظلام” من أوروبا إلى مصر، ليدشن أول مطعم من نوعه في مصر والمنطقة العربية، يقدم الطعام لعملائه في الظلام التام، وحتى من دون معرفة قائمة الطعام!

يتبع المطعم شركة فرنسية تتولى إدارته، وعلى الرغم من ذلك يقدِّم لزبائنه الأطباق المصرية، ويمتاز بديكوراته ذات الطابع الفرعوني والشرقي. ويؤكد صاحب المطعم أنه “يعايش واقع المكفوفين ويعرف التحديات التي يواجهونها جيداً، وكان أول مُقدِّم برامج للمكفوفين في العالم العربي”.

وأضاف عبد الباسط: “سافرت كثيراً إلى الخارج، وفي أثناء سفري رأيت هذه التجربة وأعجبتُ بها كثيراً، وسعيت إلى نقل الفكرة من الشركة الفرنسية، فهذا المطعم له فروع كثيرة في 16 دولة، منها روسيا وفرنسا وهولندا وإنجلترا، وهذا الفرع الذي افتتحناه في مصر هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط”.

الزبون كفيف مؤقتاً!

يؤكد عبد الباسط أن “التجربة عموماً جديدة تماماً على الناس في مصر، والهدف منها أن يعايش الشخص العادي تجربة المكفوفين ولو لفترة بسيطة، بهدف توسيع مداركه وتغيير نظرته إلى كثير من الأمور المتعلقة بذوي الإعاقة البصرية، وكيفية تعاملهم في أمور حياتهم اليومية، بالإضافة إلى أن تعطيل البصر في الظلام يساعد الشخص العادي على التركيز أكثر على الحواس الأخرى”.

تختلف تجربة تناول الأكل في مطعم مظلم عن غيره من المطاعم، ولها استعدادات وإجراءات تبدأ بأن يلتقي مرشد كفيف الزبائن على مدخل قاعة معتمة، وهنا يوضح صاحب المطعم “يأتي الضيوف إلى المطعم فنوفر لهم مكاناً لحفظ متعلقاتهم الشخصية وترك أي شيء يسبب إضاءة مثل الهاتف الجوال أو ساعة اليد، ثم يجري الانتقال إلى قاعة أخرى يُشرح فيها ما سيحدث بالضبط حتى يكون الزبون على علم بالتفاصيل، وأخيراً يصطحب المرشد الزبائن إلى غرفة مظلمة”.

يستطرد “تهدف التجربة إلى تغيير الثقافة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة عموماً، فالأمر ليس تناول وجبة في قاعة مظلمة، وإنما معايشة لأسلوب حياة قطاع من الناس في المجتمع عبر تبادل الأدوار، وهذا تنتج عنه رؤية أوضح لطبيعة حياة ذوي الإعاقة وبالتالي كيفية التعامل معهم”.

يعتمد “مطعم الظلام” على تشغيل المكفوفين في أعمال تتعلق بمجال المطاعم والسياحة والفندقة، وهو توجه يُعد الأول من نوعه في مصر، ويمثل المكفوفون 90% من العاملين والمدربين في هذا المطعم، حيث يستعين عبد الباسط بـ19 نادلاً وموظفاً للتسويق، بعد أن تم تدريبهم على يد فريق من المختصين.

وفي هذا الصدد، يقول عبد الباسط “من بين أهدافنا توفير فرص عمل لذوي الإعاقة البصرية، حيث يعمل الكفيف على قيادة المبصر في الظلام وتقديم الطعام إليه ومساعدته وتلبية كل متطلباته، حيث يكون هو القائد الذي يأخذ الزبائن إلى عالمه لمدة ساعة”.

ويشترط عبد الباسط أن يستوفي العاملون في المطعم بعض الشروط الأساسية، فيجب أن يتقن النادل التحدث بأكثر من لغة وأن يتسم باللباقة وحسن المعاملة، وأن يجتاز بعض المقابلات الشخصية قبل التحاقه بالعمل معنا.

تغيير ثقافة المبصرين

يهدف الموقع فيما يهدف – بحسب عبد الباسط- إلى تغيير ثقافة المبصرين عن ذوي الإعاقات، ليثبت لهم أن المعوق عند تهيئة الفرص له يقدر على الإبداع والتقدم،. كما يسعى المطعم إلى أن يحرك حواس الفرد من خلال البقاء لمدة ساعة ونصف تعتمد خلالها على حواسك المختلفة من اللمس والشم لتكتشف الأشياء بطريقة مختلفة تماماً لم يسبق للمبصر تجربتها من قبل، كما يساعد العمل في تعزيز ثقة المعاق في قدراته من خلال عمله.

ويعتمد المطعم على أكلات مصرية تقليدية، ويقدِّم الأطباق التي تشتهر بها البلاد منذ عصور طويلة، بأسلوب عصري ومميز يثير الحواس الأخرى للزبائن، بعدما تتعطل لديهم حاسة البصر، حيث يدخل الواحد إلى القاعة من دون أن يعرف ماذا سيُقدم إليه، وعليه التذوق واستكشاف الأمر بنفسه.

ويقول صاحب المطعم “نركز على الأطباق القديمة التي لا تُقدم بكثرة في المطاعم العادية، مثل الفريك والكشري والكشك الصعيدي وكبد الإوز والشعرية المصنوعة يدوياً، والزبون عند الطلب لا يرى قائمة الطعام ولا يعرف ما فيها، لكن يخبرنا فقط إذا كان يعاني حساسيةً تجاه نوع معين من الطعام، أو إذا كان نباتياً، لنراعي ذلك في إعداد وجبته”.

الحجز مُسبقا

ينفرد هذا المطعم بطريقة خاصة في التعامل مع الزائرين بدءاً من الحجز حتى تقديم الطعام، حيث يشترط المطعم على الزائرين الحجز المسبق ليقوم العاملون بسؤالهم عن إذا كانوا يعانون من الحساسية من بعض الأطعمة أو التوابل وما يفضلونه من الأطعمة. إذ لا يقدم المطعم قائمة طعام للزائرين بل يعتمد على تقديم الأطعمة الفرعونية القديمة التي يتميز بها المصريون.

وأخيراً يقول “أغلب الذين خاضوا التجربة استمتعوا بها، وأكدوا أنها أضافت إليهم أبعاداً جديدة وجعلتهم يبصرون أموراً في الظلام لم يكونوا على علم بها من قبل”. ويضيف “أحياناً يكون هناك أكثر من حجز للقاعة في نفس الوقت، ويبدأ أشخاص لا يعرفون بعضهم البعض بالتعارف، وهكذا يجد المرء نفسه يتعامل مع آخرين لا يرى ملامحهم ولا هيئتهم ولا يستطيع تقييمهم إلا عبر الشخصية والروح، من دون أن يكون للمظهر أي دور، ويكتشف بعد ذلك أن هذه هي حياة الكفيف وأسلوب تعامله واكتشافه للآخرين، ما يضيف إلى الزبون بعداً جديداً لم يخطر بباله من قبل”.

ويستعين الزائر في الظلام بحاسة الشم واللمس ليتعرف على الوجبة التي اختارها المطعم له من خلال إجابته على الأسئلة عند إجراء الحجز. وبعد انتهاء الساعة والنصف يحضر النادل ليسأل الزائرين في ما إذا استطاعوا معرفة الوجبة التي تم تحضيرها لهم وعن رأيهم في التجربة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى