عبرات

حكاية “زينب الشاعر” التي روضت إعاقتها بالأفكار المبدعة وأصبحت مديرة لمؤسسة “حياة” لذوي الاحتياجات الخاصة

ثمة مقولة صينية تقول: حينما يغلق أمامك باب الأمل لا تتوقف لتبكي أمامه طويلا؛ لأنه في هذه اللحظة انفتح خلفك ألف باب ينتظرون أن تلتفت لهم. كانت حياتها عادية للغاية، وكانت تمارس يومياتها بصورة طبيعية، ولم تشعر بالقيود، كان والدها ووالدتها حريصين على دفعها للأمام في الدراسة، كانت تأمل الحصول على مجموع كبير في الثانوية العامة يؤهلها للالتحاق بكلية الهندسة، لكن هذا لم يحدث بسبب ضعف مجموعها، وهنا التحقت بكلية الحقوق وقررت أن تتفوق في هذا المجال حتى على أمل الالتحاق بالسلك القضائي، وتصبح وكيلة نيابة، لكن هذا أيضًا لم يحدث بسبب الحادثة التي تعرضت لها، وتحديدًا في العام الدراسي الجامعي الأول.

بعد تخرج الفتاة المصرية “زينب الشاعر” من كلية الحقوق، وهي المصابة حينئذ بحادث غيَّر مجرى حياتها، وتسبب لها في كسر بالعمود الفقري وقطع في النخاع الشوكي وأصبحت تستخدم كرسيًا متحركا بشكل دائم؛ إلا أن القدر حمل لها الكثير من المفاجآت السارة، حيث أصبحت مديرة لمؤسسة “حياة لذوي الاحتياجات الخاصة” بمدينة الإسكندرية.

كانت للفتاة العشرينية رؤية مختلفة عن إعاقتها الحركية والتي روضتها بالإرادة والعمل والأفكار المبدعة الخلاقة، حيث بدأت في تنفيذ فكرة للترفيه عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وبصفة خاصة الأطفال الجالسين على الكرسي المتحرك أو مستخدمي الأطراف الصناعية عن طريق تعريفهم مكونات الكرسي المتحرك، مستعينة بذلك بعمل تصميم مصغر أشبه بـ “البازل” على نفس هيئته وشكله وبنفس تفاصيله المعقدة والمركبة.

بداية القصة

بدأت قصة “زينب” مع الكرسي المتحرك حين تعرضت لحادث في طفولتها وكانت تبلغ من العمر حينئذ 11 عامًا، تقول زينب”، “كنت أجلس في البيت وبدون شعور فوجئت بأنني جالسة بجوار شرفة منزلي، وظننت أن الزجاج مغلق مما جعلني أسند بكل قوتي، لكن حدث ما لا يتخيله أحد، ففوجئت بأن زجاج الشرفة فتح وسقطت من أعلى على ظهري، فأصبت بكسر في العمود الفقري وجزء كبير بالنخاع الشوكي، الأمر الذي تسبب في إصابتي بشلل نصفي، لأصبح مجبرة على التحرك بواسطة كرسي متحرك”.

بعد هذا الحادث أصبحت “زينب” من مستخدمي الكراسي المتحركة بشكل دائم، وساعد زينب في تطوير فكرتها عملها في مؤسسة تسهم في رفع الوعي ونشر ثقافة الاختلاف لتقبل الآخرين باختلافاتهم ولتوعية الكبير والصغير، كانت تذهب بنفسها إلى المدارس حيث تلتقي الأطفال لتعرفهم ما هي الأطراف وما هي الأطراف الصناعية، فوجدت “زينب” الفضول في نظرات الأطفال لمعرفة لماذا هم مختلفين، ففكرت تعرفهم بالطرق التي تصل لقلوبهم.

تقول زينب: “لدينا نوعان من الأطفال؛ طفل يجب أن يفهم لأن هذه هي الصورة التي خلق عليها، وطفل آخر يجب أن يعيش ولديه ثقة في نفسه، وجدنا أن أكثر شيء مشترك بينهم ويعشقونه هو الألعاب، فقمنا بدمج هذا كله في لعبة شبهه ويحبها الآخر، والنتيجة خرجت جيدة”. ساعدت زينب في تطوير عدة ألعاب بالأطراف الصناعية مع المؤسسة التي تعمل بها.

تضيف زينب: “تعمدنا في المؤسسة أن تكون اللعبة “بازل” فك وتركيب وتفكير ونتيجة يفرح بها بعد اكتمال الكرسي وفرحة باللعبة بعد المحاولة واهتمامنا بالطفل. اللعبة أيضًا تجعل الطفل يشعر أنه بطل ومميز فيما يحب”.

لم يكن بازل الكرسي المتحرك هو الابتكار الأول، إنما سبق وصنعت المؤسسة أول دمية مصرية بطرف صناعي، وقالت زينب: “الدمية تساعد الطفل العادى في تفهم الاختلافات وسيرى الاختلاف عاديًا ومقبولاً في الشارع والنادي والمجتمع كله ولن يكون غريبًا عليه؛ لأن عينه ستعتاد على وجود المستخدمين لها، أما الطفل مستخدم الطرف الصناعي فستساعده الدمية في تقبل وضعه ورؤيته كشيء عادي”.

وأضافت: “في الوقت الذي يرى فيه الطفل صاحبه في المدرسة يمتلك لعبة تشبهه ويهتم بها ويحبها، سيكون مثل الطفل الشغوف برؤية سوبرمان، أو البنت التي ترغب في مقابلة باربي الجميلة؛ هذا سيسرّع اندماجهم بشكل إيجابي مع المجتمع منذ صغرهم”.

هكذا أصبحت مديرة

بعد استقرار وضعها الصحي والنفسي، وجدت زينب أن الكرسي الذي كانت تجلس عليه بعد الحادثة لم يكن مؤهلًا بشكل كافٍ حتى تتمكن من التحرك بمفردها وفعل كل ما تريده، فقررت أسرتها تغيير الكرسي بآخر، وبالفعل ذهبت إلى شركة متخصصة في بيع أحدث الكراسي المتحركة الحديثة، وبعدها شعرت بفارق كبير لأنها بدأت تعتمد على نفسها وتنطلق بمفردها دون الحاجة إلى دعم أفراد الأسرة،  ويوما تلو الآخر بدأت تعود لحياتها ما قبل الحادثة، حتى تعرفت على صاحب إحدى المؤسسات المتخصصة في تركيب الأطراف الصناعية وتأهيل أصحاب الهمم على الحركة، وبعدها تلقتْ عرضًا من أصحاب الشركة بأن تعمل معهما متدربة، ووافقت على الفور، يوما تلو الآخر أثبت نفسها وأنها قادرة على العمل بشكل طبيعي، وهو ما أدى في النهاية إلى تحسين وضعها المعيشي والوظيفي، وأصبحت مديرة أحد فروع هذه المؤسسة، التي تتعامل مع ما يقرب من 2000 عميل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى