زهور الجنة

دراسة جديدة: البكتيريا هي السبب الرئيس للولادات المبتسرة وحالات الإعاقة ووفيات الأطفال

كشفت دراسة حديثة عن التأثير العالمي المفزع للمكورات العقدية من الفئة “ب” (المكورات العقدية) – وهي بكتيريا شائعة الانتشار يمكن أن تنتقل في رحم الأم أو أثناء الولادة أو في الأسابيع الأولى من العمر – وتتسبب سنويًا في وفاة حوالي 150000 طفل، وفي أكثر من نصف مليون ولادة مبتسرة، وعدد كبير من حالات الإعاقة المستديمة.

وصدرت الدراسة التي أعدتها منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، على هامش المؤتمر العالمي المعني بالمكورات العقدية، المعقود في إطار الندوة الدولية بشأن مرض المكورات العقدية، الذي عقدته المنظمة وكلية لندن نوفمبر 2021، وكان المؤتمر يهدف إلى تعبئة طاقات الباحثين بشأن كيفية سد الفجوات التي تتخلل البيانات، وتسريع وتيرة البحوث العلمية للحد من آثار هذه البكتيريا المهددة لأرواح الناس في جميع أنحاء العالم.

لقاحات ضد المكورات العقدية

وتوجّه الدراسة دعوة عاجلة إلى تطوير لقاحات للأمهات ضد المكورات العقدية للحد من هذه الخسائر، ويشدّد على أنها لقاحات يمكن أن تكون عالية المردودية – وتعود بفوائد صحية كبيرة – في أقاليم العالم كافّة.

وتحدث الدكتور فيليب لامباش – المسئول الطبي في إدارة التمنيع واللقاحات والمستحضرات البيولوجية في المنظمة ومؤلف الدراسة – قائلًا: إن هذا البحث الجديد يثبت أن المكورات العقدية تشكل تهديدًا كبيرًا من التهديدات المُستهان بها بالنسبة لبقاء المواليد على قيد الحياة ورفاههم، مما يخلّف آثارًا مدمرة على أسر كثيرة جدًا في العالم، وتضم المنظمة صوتها إلى الشركاء في الدعوة إلى التعجيل بتطوير لقاح للأمهات ضد المكورات العقدية الذي من شأنه أن يعود بفوائد هائلة على بلدان العالم بأسره”.

ويحدّد هذا البحث الجديد لأول مرة الدور الرئيس للمكورات العقدية في الولادات المبتسرة، وكذلك الاعتلالات العصبية الناجمة عنها – مثل الشلل الدماغي وفقدان السمع البصر – التي يمكن أن تحدث الإصابة بالعدوى المرتبطة بالمكورات العقدية.

وهناك العديد من لقاحات المكورات العقدية المرشحة قيد التطوير، ولكن لم يُوفّر بعدُ أي واحد منها، رغم مرور عدة عقود من العمل على تطويرها.

العلاج الوقائي

كما تحدثت البروفيسورة جوي لاون – مديرة مركز الصحة الإنجابية للأمهات وصحة المراهقين والأطفال في كلية لندن وإحدى المسهمات في إعداد التقرير – قائلةً: “إن عدوى المكورات العقدية من الفئة “ب” تشكل تحديًا خطيرًا لكل أسرة متضرر بها، وفي كل بلد، وقد يؤدي تطعيم الأمهات ضدها إلى إنقاذ أرواح مئات الآلاف من الأطفال في السنوات المقبلة، ولكن العالم لم ينتج بعد أي لقاح ضدها رغم مرور 30 عامًا على طرح هذا الموضوع لأول مرة، وقد حان وقت العمل الآن لحماية المواطنين الأكثر عرضةً للخطر في العالم بلقاح مضاد للمكورات العقدية”.

ويحمل ما متوسطه 15٪ من جميع الحوامل حول العالم – أي قرابة 20 مليون حامل سنويًا – بكتيريا المكورات العقدية في المهبل، دون أن تصحب ذلك أي أعراض عادةً، ومن ثم يمكن أن تنتقل البكتيريا من الحامل إلى الجنين في الرحم، أو إلى المولود أثناء المخاض.

ويمثل العلاج الوقائي بالمضادات الحيوية – الذي يُعطى للحامل أثناء المخاض – الوسيلة الرئيسة حاليًا لوقاية المواليد من مرض المكورات العقدية إذا كُشف عن البكتيريا أثناء الحمل، بيد أنه ما زالت هناك مخاطر صحية كبيرة حتى في الأقاليم التي ترتفع فيها معدلات التغطية بالعلاج الوقائي؛ لأن من المستبعد أن يحول هذا التدخل دون وقوع معظم حالات الإملاص أو الولادات المبتسرة المرتبطة بالمكورات العقدية، أو مرض المكورات العقدية الذي يُصيب الطفل في وقت لاحق عقب الولادة.

والأهم من ذلك أن العبء الأكبر للمكورات العقدية يقع على عاتق البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل التي يصعب فيها للغاية إجراء الفحوص وإعطاء المضادات الحيوية أثناء الولادة، وتمسّ فيها بالتالي الحاجة إلى إيجاد لقاح للمرض، وتتركز أعلى معدلات الإصابة بالمكورات العقدية لدى الأمهات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – التي تستأثر بنصف العبء العالمي للمرض تقريبًا – وفي شرق آسيا وجنوب شرقها.

تغير قواعد اللعبة

وتحدثت الدكتورة مارتينا لوكونغ باي – منسقة البرنامج الوطني متعدد القطاعات لمكافحة وفيات الأمهات والمواليد والأطفال في وزارة الصحة العامة بالكاميرون  وهي من المسهمين أيضًا في إعداد التقرير – قائلة: “إن من شأن إيجاد لقاح جديد للأمهات ضد المكورات العقدية أن يغير قواعد اللعبة فيما يخص الحد من وفيات المواليد والأمهات في البلدان الأشدّ تضررًا بالمرض، وخصوصًا أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي يبلغ فيها عبء هذه الوفيات مستوىً مثيرًا للذعر، ونحن نناشد جميع أصحاب المصلحة أن يتعاملوا مع هذه المسألة على أنها مسألة ذات أولوية أخلاقية”.

تسريع وتيرة تطوير اللقاحات

ويدعو التقرير الباحثين ومطوري اللقاحات والممولين إلى تسريع وتيرة تطوير لقاح فعال ضد المكورات العقدية، بحيث يتسنى إعطاؤه للحوامل أثناء خضوعهن لفحوص الحمل الروتينية.

وتشير التقديرات إلى أنه إذا بلغت نسبة تطعيم الحوامل ضد المكورات العقدية أكثر من 70%، فإنه يمكن حينئذ تجنب أكثر من 50,000 وفاة مرتبطة بتلك المكورات سنويًا، فضلًا عن تجنب أكثر من 170,000 ولادة مبتسرة. ووفقًا لما يرد في التقرير، فإن صافي الفوائد النقدية الناتجة عن تطعيم الأمهات ضد المكورات العقدية لمدة عام قد يصل إلى ما مقداره 17 مليار دولار أميركي – تتراكم على مدى عدة سنوات – إذا تم توفير اللقاحات بأسعار معقولة.

ويبرز التقرير فجوات كبيرة تتخلل البيانات وتسبب بعض أوجه عدم اليقين بشأن العبء الإجمالي للوفيات والأمراض الناجمة عن المكورات العقدية، فكثيرًا ما يتدنى مستوى تحري الأسباب المعدية لحالات الإملاص مثلًا – في مختلف البلدان – ما يعني أن النصيب الفعلي للمكورات العقدية في وقوعها قد يكون أعلى بكثير من ذلك.

الشعور بالذنب

ونقلت السيدة ديبي فوروود – التي ولدت ابنتها آدا ميتة عقب إصابتهما كلتيهما بعدوى المكورات العقدية – تجربتها قائلة: “من الصعب وصف مدى الحزن الذي يصيبك أو عمقه عندما يموت طفلك، أو الشعور بالذنب المصاحب لذلك، وإلى أي حد يغيّرك ذلك، ويغير أسرتك، وعلاقاتك إلى الأبد؛ لم يكن بالإمكان إنقاذ آدا إلا بلقاح مضاد للمكورات العقدية، وعندما يتسنى طرح لقاح مضاد للمرض على نطاق واسع، فسوف أبكي وأصرخ بوجه الظلم الذي أتى به بعد فوات الأوان بالنسبة لها ولجميع الأطفال الآخرين الذين يعانون ويموتون سنويًا دون داع بسب تأخر اللقاح، ولكنني سأبكي فرحًا أيضًا لأن أطفالًا آخرين كُثُر سيعيشون في المستقبل، وستُنتشل أسرهم من الجحيم الذي يعيشه مَنْ فقد طفله”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى