جيرات فيرماي.. رحلة الشغف والعلم من طفل كفيف إلى أكبر علماء الرخويات والأصداف
يُقال عنه أنه ربما يكون أعلم أهل الأرض بالرخويات والأصداف، الأحفورية منها والحية، وأن لديه مجموعة عالمية منها، ووصف، فضلا عن ذلك بأنه “عالم طبيعة ميداني مقدام ومستكشف لسواحل كل قارة تقريبا”..
نحن نتكلم هنا عن جيرات فيرماي Geerat J. Vermiej أستاذ علم البيئة البحرية وعلم الأحياء القديمة بجامعة كاليفورنيا، ديفيس University of California, Davis، المولود بهولندا في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام 1946، والذي أصيب بالعمى وهو ابن 3 سنوات، نتيجة لإصابته بمرض المياه الزرقاء أو الجلوكوما، ثم انتقل مع أسرته إلى نيوجيرسي بالولايات المتحدة حيث أنهى المدرسة العليا بها عام 1965، ثم تخرج من جامعة برينستون عام 1968، ثم حصل على الدكتوراه في الجيولوجيا والبيولوجيا من جامعة ييل عام 1971.
بدأت رحلة شغف جيرات بالقواقع وجمعها منذ أن بلغ العاشرة وهو لا زال بهولندا، وهو الشغف الذي انتقل معه إلى رحلته العلمية والأكاديمية في الولايات المتحدة فنشر حوالي 100 ورقة علمية، و4 كتب، تدور في معظمها حول علم الأحياء التطوري خاصة فيما يتعلق بالرخويات molluscs والأصداف shells.
يقول جيرات في صفحة “أندرستاندنج إيفوليوشن Understanding Evolution” على موقع جامعة بيركلي: إن معلما لهم في المدرسة في نيوجيرسي هو من عمق لديه الشغف بها: حيث أحضر معلم مدرستي أصدافا من فلوريدا كانت أكثر فخامة ونحتا بشكل متساوٍ أكثر من الأصداف المعتدلة التي جمعتها من هولندا ومن شاطئ نيوجيرسي.
كان كل شيء في تلك الأصداف المجلوبة من فلوريدا مبهرا بالنسبة إليه، الرتبة والحجم، والشكل الحلزوني البديع، والملمس الخارجي المضلع، والملمس الداخلي المختلف وأنها كانت تلبي كل المتطلبات الجمالية، وأن بينها اختلافات لا حصر لها، وأنها ذات تنوع وانتظام وتباين نحتي.
وقد كان كل ذلك كافيا لإثارة الأسئلة في ذهن الصبي الشغوف حول لماذا تتميز بعض الأصداف بهذا الثراء والبعض الآخر تكون أصدافا عادية؟ وربما من لحظة التساؤل هذا تعمق الشغف ولم يترك عقل وقلب جيرات.
اشتهر جيرات أكاديميا بعمله في التأريخ لما وصفه بأنه سباق التسلح بين الرخويات المنقرضة منذ زمن طويل ومفترساتها. ومن خلال فحص وتحليل الحفريات بحث عن أدلة على التنافس بين الأنواع ومفترساتها، وقد دفع فيرماي مجال علم الأحياء القديمة للاعتراف بالتأثيرات العميقة التي تمتلكها المخلوقات على تشكيل المصائر التطورية لبعضها البعض.
شملت كتب جيرات: التطور والتصعيد: تاريخ بيئي للحياة Evolution and Escalation: An Ecological History of Life، وتاريخ طبيعي للقواقع (الأصداف) A Natural History of Shells، وسيرة ذاتية حديثة بعنوان الأيدي المتميزة: حياة علمية Privileged Hands: A Scientific Life. وقد شغل منصب محرر إيفوليوشن Evolution الدورية الأولى في هذا المجال.
وقد حصل جيرات خلال مسيرته العلمية على زمالة ماك آرثر MacArthur، وعلى منحة جينياس “genius” في عام 1992، وفي عام 2000 حصل على وسام دانييل جيرود إليوت Daniel Giraud Elliot من الأكاديمية الوطنية (الأمريكية) للعلوم.
وفي إجابته على سؤال عن كيفية اختياره لتخصصه يقول جيرات لموقع “شيب أوف لايف Shape of Life” ” كنت أعرف ما أريد أن أكون عندما كنت في العاشرة من عمري. أردت أن أكون عالم محار conchologist، ثم عالم أحياء، أو على أي حال أن أكون عالما يقوم بالبحث ويذهب إلى جميع أنواع الأماكن المثيرة للاهتمام، لم أتردد أبدا عن هذا الطريق، ولحسن الحظ، اختارت مهنتي السماح لي بممارستها كأستاذ”.
وكما أورد موقع إنسيكلوبيديا دوت كوم Encyclopedia.com، فقد وصف بريان بورو Brian Buhrow سيرة جيرات التي دونها في كتابه آنف الذكر، فيما كتبه على موقع الاتحاد الوطني للمكفوفين على شبكة الإنترنت أنها سيرة حية وممتعة، مشيرا إلى أن فيرماي يشرح نقاطه “بكل بساطة ووضوح”، وأنها تعطي نظرة رائعة لذهن عالم رائد في مجاله.
وذكر بورو أن ما يجعل هذه الرحلة ممتعة، ليس أن جيرات كان قادرا على اقتحام مجال علمي جديد في منتصف الستينيات، بل لأن العمى لم يكن، ولم يكن ينبغي أن يكون هو الشغل الشاغل له”.
واختتم بورو بقوله “أوصي بهذا الكتاب لأي شخص كفيف يريد أن يعرف ما إذا كان بإمكانه أن ينجح في بيئة تنافسية سواء كانت قانونا أو علما أو أدبا. كما أوصي به لأي شخص مبصر يشك فيما إذا كان بإمكان المكفوفين تحقيق المساواة في عالم مبصر أم لا”.
في الختام، ينصح جيرات في حديثه لموقع “شيب أوف لايف” الطلاب الذين يرغبون في دراسة أيا من فروع العلوم “إذا كان الطلاب يريدون مهنة موجهة نحو البحث في العلوم، فإنهم بحاجة إلى ثلاث صفات مترابطة بقوة: فضول لا حدود له حول العالم، وشغف للقيام بالعمل الجاد الضروري، والاستعداد للعمل في ظل ظروف مناوئة وبأجر ضئيل”. ويلخص الأمر قائلا “عليك أن تحب هذا النوع من العمل”.
د. مجدى سعيد