عبرات

“الجوهرة التميمي”.. رحلة إصرار وتحدي

واجهتها صعوبات وعراقيل في بداية مشوارها الدراسي حيث لم يكن وجودها في المدرسة مرغوبًا به من موجهات إدارة التعليم، وذلك لزعمهن أن المدرسة غير مناسبة لمن هن في مثل ظروفها. إلى أن تعرفت على مديرة المدرسة الابتدائية ورأت من خلال زيارتها لها أنها لا تختلف عن أقرانها من الفتيات الأخريات، وأنها بحاجة إلى التعليم للاستفادة من هذا الطريق الذي سينير حياتها في المستقبل والتي بدونها لن يكون لها دور في هذا المجتمع.

وافقت مديرة المدرسة على انضمام “الجوهرة التميمي” لطالبات الصف الأول، وتم الاتفاق على أن تبقى في مقعدها ولا تتحرك أبدًا بحضور الموجهات، لكي لا يشعرن بوجودها وباختلافها عن زميلاتها!.

وبالرغم من المصاعب التي تواجهتها في طريقها اليومي من المنزل إلى المدرسة والتي من أهمها هو صعوبة المشي حيث كانت “تحبو”, عندما أريد الانتقال من مكان إلى آخر، فقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة للتنقل.

انتقلت من صف إلى صف إلى أن أنهيت المرحلة الابتدائية التي لولا الله سبحانه ثم وقوف مديرة المدرسة إلى جانبها لم يكن ليهيأ لها اجتيازها بامتياز.

المرحلة المتوسطة

انتقلت إلى المرحلة المتوسطة ولم تكن مديرة المدرسة تحمل ما كانت تحمله مديرة المرحلة الابتدائية من رحمة ومساعدة وحب للخير، فقد قوبلت “الجوهرة” بالرفض عندما قدمت أوراقها للانضمام إلى مدرستها، وقالتها صريحة: “اذهبوا بها إلى المدارس الخاصة، مدرستنا غير مهيأة لها”، إلا أن الجوهرة قابلت رفضها بالإصرار بالرغم من وجود الصف في الدور الثاني، وكان الدرج المؤدي للدور الثاني غير مهيأ لعدم وجود درابزين للإمساك به أثناء الصعود أو النزول، فقررت وبمساعدة زميلاتها أن تستعمل طريقة “الحبو” فقد كانت تستعمل قفازات في يدها وتقوم برفع ملابسها بواسطة حزام لتساعد في سرعة الانتقال!

هذه باختصار كانت طريقتها في التنقل بين المنزل والمدرسة. وفي أرجاء المدرسة، فقد كانت تصعد من جهة وأنزل من الجهة الأخرى ولا تستعمل نفس الدرج وذلك بأوامر إدارة المدرسة! وكل هذا كان بهدف إدخال اليأس والإحباط في نفسها حتى تترك المدرسة!!. إلا أن هذا لم يزدها إلا إصرارًا فوق إصرارها وعزيمة تفوق عزيمتها من هم أحسن حالاً منها.

استمررت على هذا الحال إلى أن أنهت المرحلة الثانوية، فتوجهت إلى عمادة القبول والتسجيل في جامعة الملك سعود وكلها أمل بأن تلقى القبول إلا أننها قوبلت بالرفض وهي عند باب الغرفة المخصصة للتسجيل، حيث لم تمهلها الموظفة للدخول وشرح حالتها لها، بل قالت بكل برود: “المكان غير مهيأ لمن هن في مثل حالتك، والأفضل لك أن تجدي مكانًا غير هذا المكان..

بعدها ذهبت إلى معهد الإدارة العامة وسجلت في قسم إدارة المستشفيات وقوبلت بالرفض بحجة أن هذا القسم.!

الإصرار

وبعدها بقيت في المنزل سنة كاملة لم تجد من يفتح لها ذراعيه ويقبل بتسجيلها، حتى قدمت أوراقها إلى كلية الخدمة الاجتماعية، وقابلت عميدة الكلية التي لم تكن أفضل من غيرها من المديرات اللواتي قابلنها في مشوارها التعليمي، إلا أنه وبسبب إصرارها وافقت على انضمامها لهذه الكلية بشرط اجتياز المقابلة الشخصية التي كانت مكونة من 13 دكتورة!

تقول الجوهرة “لا أدري هل هذا هو المتعرف عليه في هذه الكلية، أم أنه جعل هذا العدد لإدخال الهيبة والخوف في نفسي مما يجعلني أتوقف وأنسحب؟!“.

اجتازت “الجوهرة” تلك المقابلة وتمت الموافقة على انضمامها لهذه الكلية بشرط تجربتها شهرًا لمعرفة إمكانية تخطها الصعوبات!!،

وقف القدر فى صف الجوهرة واستطاعت تخطى “التجربة”، حيث كانت الكلية مهيأة لها من حيث سهولة الممرات ووجود درابزين على الدرج مما يساعد على الصعود والنزول.

الزواج والتخرج

عندما كانت الجوهرة في المستوى الجامعي الرابع تزوجت من رجل سليم جسديًا، واستطاعت العيش معه بالرغم من عدم توفير الأمور التي تحتاجها كل معاقة لتأسيس منزل، وكانت ثمرة هذا الزواج طفلًا.

تخرجت “الجوهرة” في عام 1416-1417هـ، وطرقت جميع الأبواب من أجل الحصول على الوظيفة ولكن مع الأسف كانت جميعها مغلقة في وجهها، لا لشيء إلا أنهم كانوا يربطون بين القدرات والإعاقة.

ذهبت إلى مكتب الرئيس العام لتعليم البنات ومنعت من مقابلته، فبقيت تنتظره عند بوابة الدخول، وما أن حضر وبدأت تشرح له حكايتها حتى رد عليها بالرفض!

بعدها ذهبت “الجوهرة” إلى الإدارة العامة للإشراف التربوي، والتقت الأستاذة حصة الصليح التي مدت لها يد المساعدة، وتفهمت وضعي وخاصة بعد أن بدأت حديثها معها بقولها: “نحن المعاقين مع الأسف الشديد محصورون بين عنوانين رئيسين وهما: أولاً عندما نريد أن نمارس دورنا في الحياة ونحصل على حقوقنا يقال لنا: عفوًا.. قفوا أنتم معاقون. ثانيًا: إذا كنا نحن المعاقين تجاوزنا تلك المعوقات، وأردنا أن يميزونا عن غيرنا باعتبارنا معاقين ومتغلبين على الإعاقة يقال لنا: أنتم مثلكم مثل غيركم” كيف يكون ذلك؟ …! وبعد ذلك تم تعيينها في نفس الإدارة كمأمورة سنترال، وكانت هذه هي الصدمة الأولى في حياتها الوظيفية.

ثم بعد ذلك حاولت بعد جهد جهيد الانتقال إلى مكتب الإشراف التربوي للتعليم الخاص أملاً في أن تجد من يقدر قدراتها وشهادتها، ولكن مع الأسف لم يكن الأمر بأحسن حالاً، فقد استلمت الأمور الإدارية البسيطة، والرد على الهاتف, في هذه المرحلة رشحت كعضو في المجموعة الاستشارية للتوظيف الخاصة بالنظام الوطني للمعاقين، وحضرت العديد من المؤتمرات والمحاضرات والندوات الخاصة بالإعاقة، كما التحقت بالعديد من اللجان المختصة بالإعاقة. هذا إلى جانب أنها كانت تعمل على دراسة لمشروع خيري تشغيلي واجتماعي وتثقيفي للفتيات المعاقات.

مركز الأميرة العنود

في هذه الاثناء طلبت “الجوهرة الانتقال إلى “الروضة الثلاثون”, وهناك وجدت مديرة متعاونة ومتفهمة إلى أبعد الحدود. فقد كانت داعمة لها بمشاعرها وصلاحيتها المخولة لها. وعند اكتمال تلك الدراسة قامت بتقديم المشروع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي رحبت بالمشروع، ولكنها وضعت أمامها بعض الشروط المالية التي عجزت عنها. ثم بعد ذلك تقدمت بمشروعها إلى “مؤسسة الأميرة العنود الخيرية” التي احتضنتها ومن ثم احتضنت بذلك مشروعها تحت اسم “مركز الأميرة العنود لشؤون المعاقات” وعليه تم احتضان أكثر من 50 فتاة معاقة إعاقات مختلفة.

فكرة المشروع

وتتلخص فكرة المشروع فى توفير ورش عمل (خياطة وتطريز، خزف، سيراميك، جلود) ويستقبل بشكل خاص خريجات القسم المهني في مركز التأهيل الشامل، بالإضافة إلى استقبال كل من لديها موهبة فنية سواء كانت معاقة أو سليمة.

وشروط القبول في المركز هي أن تكون الفتاة فوق 15 سنة، وأن يكون لديها القدرة على الإنتاج والاندماج في المجتمع. وهو يستقبل معظم الإعاقات، والدوام فيه بالنسبة للمنتسبات يبدأ من الساعة الثامنة صباحًا إلى الواحدة ظهرًا جميع أيام الأسبوع عدا الخميس والجمعة.

دبلوم إدارة الأعمال

تعمل الجوهرة حالياً مديرة لهذا المركز. وقد التحقت بدبلوم إدارة أعمال، وهى عضو في أكثر من لجنة خاصة بالإعاقة، وتعتبر الجوهرة أول سيدة سعودية تلتحق بلجان خاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية، وممثلة للمعاقين في لجنة تنسيق خدمات المعاقين في المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى