عبرات

السعودي “محمد الشريف” ابتكر أول طائرة شراعية تعتمد على استخدام الأيدي وقادها بنفسه رغم إعاقته

برغم تقاعده المبكر جراء إصابة تعرض لها مبكراً, إلا أنه يعشق يناديه أصدقاؤه وأصحابه بلقب ـ”الملازم”، هو ملازم طيار في قوات الدفاع الجوي بالملكة العربية السعودية، تخرج من الكلية العسكرية بامتياز.

هو “محمد الشريف”, اعتزل العمل الرسمي بعد إصابته بكسر كبير في العمود الفقري نتيجة حادث مروري مؤسف, الأمر الذي أجبره على التقاعد المبكر.

مع كسر عموده الفقري, لم تلين ولم تنكسر إرادة “محمد الشريف” استند إلى تفوقه وتخرجه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى واستطاع ان يتجاوز الكثير والكثير من المصاعب الكبيرة التي ألمت به, وواصل عشقه وممارسته للطيران، ليصبح أول شخص على مستوى الشرق الأوسط يقود طائرة شراعية باستخدام يديه، في حين أن الآلية المستخدمة للطائرة الشراعية هي الأرجل فقط!.

تجربة الطيران

“محمد الشريف” من سكان العاصمة الرياض، أخصائي علاج بالترفيه ومدرب مهارات استخدام الكرسي المتحرك في مدينة الأمير سلطان بن عبد العزيز، وحول تجربته في الطيران الشراعي يقول: “إن تجربته مع الطيران الشراعي نبعت من كونه طيار” وبالرغم من أنه أحيل إلى التقاعد المبكر, إلا انه استطاع ابتكار أول طائرة شراعية تعتمد آليتها على استخدام الأيدي لتتناسب مع حالته الصحية وعجزه في رجليه.

الطائرة المبتكرة, تتواءم مع قدرات أصحاب الاحتياجات الخاصة، ليسجل أول حالة من فئة ذوي الإعاقة على مستوى المملكة كطيار شراعي. وها هو اليوم يعود لهوايته كمدرب طيران في أكاديمية للطيران بالعاصمة.

وحول طيرانه بالطائرة الشراعية، يقول “شجعوني في مدرسة الطيران على التدرب على الطيران الشراعي والمشاركة في الملتقى، حيث تدربت لما يقارب الـ 15 ساعة خلال شهر”. وأشار إلى أنه يشعر بشيء من القلق طوال الطيران، مضيفاً أن “الهبوط لا يعتمد على مهارات الشخص بقدر ما يعتمد على الظروف الجوية وحركة الرياح”.

الطيران.. عادة أسبوعية

الطيران بالنسبة للشريف عادة وهواية أسبوعية يمارسها بصحبة أسرته في عطلة نهاية كل أسبوع. يقول “للأسف نظرة البعض لأصحاب الإعاقات لا تخرج عن اثنتين، إما أن تكون نظرة شفقة أو نظرة إحسان وعطف تفتقر إلى الواقعية، بحيث يثنى على صاحب الإعاقة في أي نشاط يمارسه داخل إطار الحياة اليومية الروتينية، فلا إفراط ولا تفريط. أما النظرة الحقيقة المثالية لهذه الفئة، فينبغي أن تكون متوازنة لا تختلف عن النظرة للشخص الطبيعي، فمصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة أو غيره من المسميات التي تعود لنفس الفئة، ما هي إلا تعبير عن احتياجات طبية لا يصح إشاعتها وتداولها المتكرر بشكل مستمر بين أفراد المجتمع”.

يضيف “إن المعاق لا يختلف عن نظيره المعافى، وإن كانت واضحة ومقتصرة على الجانب الصحي في حياة الأول، فالمعاناة والألم والتعب والمشاكل مخلوقة في حياة كل البشر وهي سنة كونية لا مفر منها، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، حيث كانت حياته مليئة بالمصاعب التي لا يقوى على تحملها البشر”. ويلفت إلى أنه تجاوز الألم والإعاقة بإصرار لا ينقطع، مطالباً في الوقت ذاته الجميع التشبث بالصبر والأمل.

جائزة الإصرار

سبق للشريف الحصول على المركز الأول في جائزة “الإصرار” في موسمها الثالث.. وحول هذه الجائزة يقول الشريف, “لا شك أن جائزة الإصرار بمثابة الدافع والمحفز لي ولكل من يتابع هذه الجائزة؛ ولهذا بالنسب لي فإنها تحملني مسؤولية أكثر على نطاق واسع، وهي دافع للتقدم والإصرار للحصول ما هو أفضل في الحياة.

النجاح فى مواجهة الإعاقة

بعد الإعاقة مباشرة مر “الشريف” بحالة نفسية سيئة جداً استمرت نحو سنة وثمانية أشهر، ولكن عندما التقي الآخرين الذين تمكنوا من تجاوز إعاقتهم وإصاباتهم، وكانت حالتهم بنفس حالته ونجحوا في التغلب على اليأس؛ أدرك أنه من المستحيل أن يستمر في هذه الحالة، وقال لنفسه: “يمكنني أن أكون مثلهم، ولا بد أن أصل إلى المراحل التي وصلوا إليها وأكثر”، وبالفعل بدأ الشريف ان ينتبه لنفسه أكثر، ووجد أنه يسلك الطريق الصحيح، كما وجد أن الكل وضع يده في يده، والكل سانده عندما بدأ يعمل على نفسه إلى أن وصل إلى الطموح الذى يسعى إليه بعد الإصابة، وبدأ يذهب إلى الشباب الذين مروا بنفس ظروفه لمساندتهم وحاول أن يختصر عليهم الكثير من الأمور التي مر بها بعد الإصابة.

الشريف قبل وبعد

مر الشريف في حياته بمرحلة الإنسان العادي ثم الإنسان المعوق.. فهل ثمة فرق بين محمد الشريف في أحلامه وطموحاته، وهل تغيرت رؤيته للناس وللحياة؟

يقول “بالطبع فرق شاسع في كل شيء؛ في رؤية الحياة، وفي التعامل مع الناس، وفي اختيار الطموحات، وفي اختيار الأهداف، وفي كل شيء في حياتي. وأشعر كأن الإعاقة كانت ضرورية في حياة “محمد” -سبحان الله-؛ من أجل أن يستيقظ ويبحث عن أحلام أخرى بعيداً عن أحلام الطموحات التقليدية مثل شراء سيارة فاخرة أو غير ذلك، إلا أنني الآن لديّ طموحات مختلفة وأكثر واقعية ومفيدة لنفسي وللآخرين وللمجتمع ولكل شخص يمر بهذه المعاناة.

مشاكل أهل الإعاقة

وحول أبرز المشكلات التى يعانى منها ذوي الإعاقة يقول الشريف, “لا تزال الكثير من المشكلات التي تواجه المعوقين، ومنها الوصول إلى الأسواق أو المغاسل أو حتى المصالح الحكومية، وكذلك المساجد وغير ذلك؛ فثمة قصور شديد في ذلك، بينما في دول أخرى مثل أمريكا وغيرها لا يمكن أن يواجه المعوق مشكلة في الوصول إلى أي شيء؛ ولهذا فإنني أرى أن برنامج الوصول الشامل الذي يتبناه مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، والذي يعد امتداداً لبرنامج “جرب الكرسي” الذي ترعاه جمعية الأطفال المعوقين من أهم البرامج للتصدي لهذا القصور. وهذا يحتاج حقيقة إلى تكاتف الجميع، سواء قطاعات الدولة ذات العلاقة أو الأفراد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى