حماية ورعاية

إدمان المخدرات مأساة شباب أًصيب في معنوياته وأخلاقه.. والحل مسؤولية المجتمع

كانت ولازالت ظاهرة تعاطى المخدرات، موضع اهتمام الحكومات والهيئات المعنية بصحة المجتمع، كما أنها لا تزال موضع اهتمام العديد من الدراسات والأبحاث المعنية بالطب النفسى والصحة العقلية والاجتماعية. لما لهذه الظاهرة العديد من التداعيات الخطيرة على بنية المجتمعات. وإدمان المخدرات ليس فقط مشكلة صحية بدنية ونفسية، بل تمتد آثاره على عملية الإنتاج والنشاط الاقتصادى، إذ لا يستطيع الشخص المدمن, إذا كان يعمل فى المجال الإنتاجى ممارسة مهام عمليه على الوجه الأمثل، أضف إلى ذلك, تدهور مستوى طموحه، وإمكانات الابتكار عنده.

وقد أكدت بعض الدراسات المعنية أن الشخص المدمن, وبخاصة لو كان فنياً لا يستقر فى مهنة واحدة، جراء كثرة تعطله عن العمل وتدهور مستواه المهنى، الأمر الذي يترتب عليه انخفاض أجره الأمر الذي ينعكس مستواه المعيشي، بما هو سئ. وفى السنوات الأخيرة بدأت تنتشر موجة الإدمان بين الشباب، ولا سيما بين الطلبة.

كما ان للإدمان آثار خطيرة على الوظائف العقلية للشخص المدمن, من حيث الإدراك والتذكر والانتباه والتركيز والإرادة وسلامة التفكير بوجه عام، كما ان له تداعيات خطيرة على الجانب الانفعالى للشخصية من حيث الرضا والسرور والنشوة والاكتئاب. وبالنسبة للعلاقات الاجتماعية للمدمن فهى تصل فى الكثير من مراحلها إلى النقطة صفر، إذ لا تكون له أى علاقة إلا بالمخدرات وعالمها الخفى.

تعريف الإدمان

أحلت هيئة الصحة العالمية (WHO) فى عام 1988م, مصطلح “الاعتماد” محل, “الإدمان”. والمعنى الاصطلاحي للاعتماد أو الإدمان هو “الحالة النفسية أو العضوية, التى تنتج عن التفاعل بين العقار المخدر وجسم الإنسان, أي التفاعل, الذي يتم بين الكائن الحي والمادة النفسية, ينتج عن ذلك انماط سلوكية واستجابات مختلفة تشمل الرغبة الملحة فى التعاطي المتواصل للعقار (المستمر), أو غير المتواصل (الدوري أي بين حين وآخر) وذلك لشعور الفرد بالآثار النفسية للعقار, أو لملافاة الآثار المتعلقة بالتعاطي, نتيجة لعدم توافر العقار”. كما عُرف أيضاً بأنه” عبارة عن حالة من السمية المزمنة الناتجة عن تعاطى جرعات متكررة من العقار”. وقد تزايدت العقاقير المسببة للإدمان يوماً بعد الآخر ويتم التعاطي لها منفردة أو مجتمعة أما عن طريق الفم أو الحقن أو الاستنشاق.

والشخص القويم ليس معتاداً أن يصبح مدمناً ولكن الأغلبية من المدمنين هم فى الأصل من ذوى الاضطرابات العصبية. حيث يتعاطون العقار ليس بهدف العلاج ولكن بغرض الآثار الأخرى التى تحدثها هذه العقاقير, وبهذا تصبح الرغبة فى استمرار تعاطى العقار شديدة لا يمكن مقاومتها ويصبح المدمن غير قادراً عن التخلي عنها ومن هنا ينشأ الاعتماد الدوائي حيث يستلزم على المدمن الحصول على العقار تحت أي ظروف وبآي وسيلة.

والاعتماد أو الإدمان هو نمط فى سوء التكيف على استخدام العقاقير، يؤدى إلى تدهور ملحوظ، الأمر الذي نلحظه فى, الاحتياج فى زيادة ملحوظة للعقار للوصول إلى التأثير المرغوب, وأعراض جسمانية ونفسية تظهر عند التوقف عن استخدام العقار, وأخذ العقار بكميات أكبر ولمدة أطول مما كان ينوى الشخص عند بداية التعاطى. كما ان ثمة رغبة ملحة ودائمة للتعاطى، يقابلها محاولات فاشلة للإقلاع أو التحكم فى تعاطى العقار.

صفات المدمن

للمدمن العديد من الصفات الغير سوية, فهو شخص فى المجتمع غير متزن, غير واضح, غير مستقر, أنانى يركز على ذاته دون أدنى اهتمام بصالح الآخرين، ولا يهتم إلا بمشاكله الخاصة به, مشكلته الرئيسية الحفاظ على مورد المخدرات، أو الإشباع الفورى لرغبته للمخدرات. ويتبع أى وسيلة مهما كانت خطورتها لإشباع تلك الرغبة الملحة الشديدة. كما انه يفتقر إلى النظام الذاتى وقدرة الإرادة والطموح، ولا تتوافر لديه الثقة بالنفس، ولا الإيمان بشخصيته ويتجنب المسئولية. درجة استعداده للألم بكل أنواعه عالية للغاية، ولا يستطيع تحمل النقد ولا احتمال الإحباط. ومعروف عن المدمن ان علاقاته الشخصية تميل إلى أن تقتصر على الأعضاء الآخرين فى عالم مدمنى المخدرات، وهكذا يصبح منبوذاً اجتماعياً، ويعيش فى وحدة قاسية.

أسباب الإدمان

توجد أسباب عدة تدفع الفرد للدخول فى دائرة الإدمان، وهنا يلزم أن نفرق بين الأنواع المختلفة فى الناس المتعاطين. فناك المدمن الذي دخل دائرة الإدمان بغير رغبته وليس له إرادة فى ذلك مثل الأشخاص الذين يتعرضون لحالات صحية تستدعى استعمال المواد المخدرة، وبخاصة المورفين المستخدم كمخدر للآلام الشديدة مثل السرطان – العمليات – الكسور – الحروق… الخ. الأمر الذي يترتب عليه تعلق المريض بالعقار دون قصد أو رغبة.

وهناك المتعاطي صاحب الشخصية المضطربة قبل الإدمان, مثل ذلك الشخص الذي يحب نفسه فقط ويكره المجتمع، وله سلوك انحرافى وإجرامى، ما دام يخدم أغراضه الخاصة، ولا يشعر بأى ذنب فى إساءاته للمجتمع، لا يخاف ولا يخجل، عدوانى، مرتشى، تاجر مخدرات… الخ.

وهناك الشخص الحساس، الخجول، الذي يعزل نفسه عن الآخرين، ولا يقوى على مواجهتهم، ولا على التعبير عن نفسه وآرائه، يضطرب إذا اضطر للتعامل مع الناس، يلجأ للمواد التى تهدى من توتره وتزيل خجله، كلما اضطرته الظروف لمواجهة الآخرين، ثم بتكرار الاستعمال تقوده للإدمان.

وهناك الشخص المتوترة القلقة, المندفعة المنفعلة, قلق خائف، لا يستريح، يرهق نفسه ومن حوله بلا سبب، غير قادر على التكيف مع المجتمع، يلجأ للمواد التى تزيل توتره، وتمنحه الهدوء والاسترخاء.

وهناك الشخص الاكتئابي, الذي يميل إلى الحزن والانفراد بذاته، وهو يفتقده إلى الرغبة للاستمتاع بالحياة، ولا يثق فى نفسه، لا يوجد عنده أمل فى الحاضر أو المستقبل، يغلب عليه الإحباط والاكتئاب لأيام ويلجأ للمواد التى تسبب له الانتعاش والفرح والسرور المؤقت.. وتكرار استعمالها يقوده للإدمان.

وهناك الشخص الغير ناضج, يثور لأتفه الأسباب، يضخم الأحداث البسيطة لضيق أفقه. ثم يهدأ ويعتذر، وبعد ندمه يعود فيكرر نفس الأسلوب، ويكون هذا السلوك المميز له.. يلجأ إلى المواد المخدرة ليتحكم فى انفعالاته, أو هكذا يظن.

عامل البيئة

كل الحالات والقصص تؤكد انه لا توجد علاقة بين الإدمان والمستوى المعيشي, غير أنه وجد أن أعداد المدمنين من الطبقة المتوسطة والمميزة فى ازدياد، ولوحظ أيضاً أن المدمنين من الطبقات الفقيرة فى ازدياد مستمر, العاملين بأعمال يدوية ذات الأجور الضئيلة، والذين يسكنون فى المناطق المزدحمة.

وهذه العوامل تدفع الفرد نحو الإدمان، ظاناً منه أنها تخفف من آلامه، وأيضاً انخفض سن المتعاطى فأصبح فى مرحلة الصبا، والذى ساعد على ذلك، وجود الشلل بين الصبية والشباب فى بداية تجربة التعاطى.

عوامل أسرية

كأن يكون الوالدين أو أحدهما يتعاطى أى نوع من المخدرات، وأيضاً وجود أم متسلطة وأب غائب، مما يتسبب فى افتقاد القدوة، والتمركز حول الذات، والتساهل فى الصغائر بسبب ضعف القيادة الأسرية.

العلاج والوقاية

لإنجاز أي مهمة لا بد من توفر والإرادة القوية والعزيمة، لذا تعتبر الإرادة أول ما يجب أن يتحلى به المدمن للتخلص من الإدمان، ولابد أن يكون العلاج تحت إشراف طبي متخصص يحدد الحالة وطريقة ومكان العلاج.

وبالنسبة لإدمان المخدرات والعقاقير المخدرة فإن المرحلة الأصعب هي المرحلة المعروفة باسم الانسحاب الكيميائي، وعادة ما يضع الأطباء برنامجاً مدروساً لتخفيف آثار الانسحاب الكيميائي قدر الممكن، حيث يسبب الانسحاب الكيميائي للمادة المخدرة من الجسم آلاماً قوية ومشاعر سلبية.

وأما عن دور الأهل والأصدقاء فيجب عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في دعم المريض نفسياً لتقوية إرادته وعزيمته حتى يتعافى، ولن ينتهي دور الأهل بعد إقلاع المدمن، فخطر الانتكاس موجود دائماً.

أما عن فترة العلاج من الإدمان فذلك يعود إلى مرحلة الإدمان وطبيعة المادة التي يدمن عليها المريض، لكن على العموم يحتاج الإقلاع عن المواد المخدرة لفترة طويلة نسبياً حتى يصل المدمن إلى بر الأمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى