“الشيخوخـة” كما صورّتها السينما العالمية.. تراجيديا ممزوجة بالكوميديا
تقول الإحصائيات إنه بحلول منتصف القرن الحالي، سيرتفع عدد المسنين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً حول العالم من 700 مليون نسمة، إلى ما يقارب مليـاري نسمة، وهو ما سيزيد عن 20% من تعداد العالم وقتئذ، ما يعني – للمرة الأولى في تاريخ البشـر- أن عدد المسنين سيتجاوز عدد الأطفال في العالم في هذا التاريخ. ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع متوسط الأعمار العام ليصل إلى 81 عاما بنهاية القــرن الحالي.
يبدو واضحاً من هذه الأرقام أن الشيخوخة في هذا القرن لن تصبح مجرد ظاهـرة إنسانية عادية، وإنما أيضا ظاهرة شائعة بشكل كبيـر بين سكان العالم؛ مما سوف يتطلب خططاً شاملة لمراكز الرعاية والتأهيل ومساندة المسنين الذين سيرتفع عددهم ليشمل خُمس سكـان الأرض تقريبا. وهو ما جعلها -الشيخوخة- محل تركيز كبير سواء من الأبحاث العلمية والطبية من ناحية، أو من الأدب والسينما والأفلام الوثائقية والمحاضرات التوعوية من ناحية أخرى. تجاهلت السينما طويلاً الفترات الأخيرة من حياة الإنسان مثل فترات الشيخوخة والموت. في السنوات الأخيرة ظهرت مجموعة من الأفلام عرض مسارات حياة العجزة ومعاناتهم.
فيلم “الشباب” من أشهر الأفلام الحديثة التي تناقش قضيـة الشيخوخة، وتسلط الضوء عليها في محاولة ربط العمر المتقدم جدا بإمكـانية الاستمرارية في الإنتاج، حيث أظهـر أن كبار السن الذين يقطنون أفخر منتجع في العالم، لديهم أزمـات في اجترار الذكـريات المؤلمة التي تجتمع مع المشاكل الصحية. المكان الفاخر لم يشفع لهم بالراحة، بقدر ما سمح لهم بالتذكـر والحزن بشكل أكبر.
إيقاع الفيلم رتيب بطيء، يناسب تماماً فيلماً يتحدث عن الشيخوخة وأعراضها من ناحية، ثم هو إيقاع سريع مرح يناسب الشباب من ناحية أخرى، وهو ما جعله حلقة وصل بين الشيخوخة والشباب، المستقبل والماضي، الحياة والموت.
ويقدم فيلم “الحالة العجيبة لبنجامين بوتان” منظورا غرائبيا للشيخوخة، عندما لاحظ ملجأ الأيتام الفقيــر – في تلك الفترة من عشرينيات القرن العشرين- الملفوفة الصغيرة على باب الدار، اكتشفوا أنه طفل صغير يبكي تركـه شخص مجهول ومضى. هو إذا طفل آخر يتيم تخلى عنه أهله، إلا أنه بتأمل ملامح وجهه بدا واضحا أن هذا الطفل بالتحديد، مختلف عن أي طفل في الدنيا؛ فهو طفـل رضيع بملامح شيخ طاعن في السن.
يقضي الطفل حياته في الملجأ، وهو بملامح رجل طاعن في السن، ثم يبدأ في النمو ليكتشف الجميع أنه يصغر في السن عكس جميع الناس. اسمه “بنجامين باتون”، بدأ حياته كشيخ طاعن في السن كلما تقدم به العمــر كلما صغـرت ملامحه وظهـر أكثر شبابا. وفي هذه الرحلة -رغم غرابتها- الكثير من الآلام والأحزان والفراق والمشاكل، خصوصاً أنه يسير عكس الزمن، فيرى أحباءه يتقدمون في السن ويشيبون، بينما هو يزداد شبابا بمرور الوقت. حتى لحظـة مغادرته للحيـاة جاءت مختلفة تماما عن بقية البشر.
وهو واحد من أشهر الأفلام الهوليودية على الإطلاق التي تم إنتاجها عام 2008، من بطولة النجم الأميـركي براد بيت، في واحد من أروع أدوراه التمثيلية برفقة النجمة كيت بلانشيت.
على الرغم من أن فكـرته الأساسية يغلب عليها الخيال، إلا أن التوظيف الدرامي للفيلم ركز بشكل كامل على مفهوم الشيخوخة والشباب في مراحلهما المختلفة، بدءا من تغير الأشكال والطاقة والنفسيات، مرورا لآلام الفراق وأزمات الحيـاة. هو فيلم درامي شديد العمق قائم على فكـرة خياليـة زادت من عمقه وأضفت تأثيرا ممتازا لتوضيح فكـرته.
معاناة الشيخوخة والكوميديا
اختارت المخرجة الفلبينية دينيس أوهورا وجهة النظر الكوميدية لتعرض قصة حياة بطلة فيلمها “مامانج” أو “أمى”؛ حيث تعانى بطلة العمل من أمراض الشيخوخة، وتتوهم بوجود أشخاص فى حياتها وافتهم المنية قبل سنوات حتى ابنها وزوجها، عللت المخرجة سبب اختيارها لوجهة النظر الكوميدية للتعبير عن مأساة حقيقية بقولها “أردت فى هذا الفيلم أن أمزج بين الدراما والكوميديا لأننا فى الفلبين نتعامل دوما مع المآسى والمشكلات التى تواجهنا بشىء من الخفة والكوميديا”.
وأضافت: “الفلبين بلد عانى من الصعاب كثيرا ولو ركزنا على كل مشكلة أو مصيبة وتعاملنا معها بحجمها الضخم لتعبنا كثيرا، وبناء عليه فالخفة هى نمط حياة اخترناه لأنفسنا كى نستطيع أن نحيا ونستمر”.
عن اختيار شخصية الأم والتعبير عن مرض بهذه القسوة، قالت: “بعض الأشخاص عندما يصلون لمرحلة معينة من شيخوختهم يعانون من أمراض صعبة ومنها انكماش المخ بشكل ما، ويبدأ يتوهم أمورا وأشخاصا فى حياته، وبالتالى فإن المحيطين به يعانون بشدة، وقد تعاملت مع بعض هؤلاء الأشخاص وقررت أن أعبر عن معاناتهم فى فيلم”.
العمور (2012)
الحب لا يغزو كل شيء في هذا الفيلم الفرنسي عام 2012 – لكنه الخيط الذي يمر عبر حياة اثنين من 80 معلمًا متقاعدين للموسيقى الذين هم موضوع القصة.
يوضح العمور الحقائق القاسية التي يجب أن يواجهها العديد من الأزواج المسنين عندما يصاب المرء بالمرض. عندما تتعرض الزوجة آن (إيمانويل ريفا) صامتة، تاركةً لها محصورة في كرسي متحرك ، الزوج جورج (جان-لويس ترنتينيانت)، مما يقوي روابطهما. فاز العمور بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
عمر أدالين
فكرة الاستطالة في العمــر والحياة لأطول وقت ممكن بجسد صحيح وبملامح شابة هي حتما واحدة من أهم الأفكار التي يسعى لها البشر منذ بدء وعيهم بتقدمهم في الزمن. الإصرار الدائم على الشباب والرغبة في الخلود كانت هي الأساس الذي كتبت عليه آلاف الروايات الخيالية، وحالة تحدث عنها الفلاسفة والأطباء والعلماء في كل الأزمنة، الشباب الدائم والعمر الطويل.
هذه الحالة بالضبط هي التي تجسدها لنا “أدالين” في الفيلم الأميـركي “عمــر أدالين” الذي أنتج عام 2015. كانت أدالين فتاة حسناء عادية، تعرضت في عمر الـ29 إلى حادث سيارة كاد يودي بحياتها لولا أن هبطت عليها صاعقة جعلتها تفيق مرة أخرى وتنجو من الموت، لتكتشف أنها منذ تلك اللحظة لا تتقدم في العمر مطلقا، الكل يشيب وينمو ويموت وهي مستمرة في الحياة بنفس الملامح والشباب، حتى تواردت عليها عقود وأجيال مختلفة وهي لا تتغير إطلاقا، رغم أن عمـرها -حسابيا- وصل إلى 107 سنوات.
الرحلة إلى بونتيفول
يحكي هذا الفيلم مقتبس من مسرحية تلفزيونية عام 1985 قصة كاري واتس (جيرالدين بيج)، وهي امرأة مسنة تريد بشدة العودة إلى منزل طفولتها في بونتيفول (بلدة خيالية في تكساس) قبل أن تموت. لكنها عالقة في هيوستون مع إبن مفرط وعلاقة زوجها التي تحبط محاولاتها في كل مرة. عندما تتسلل كاري في النهاية وترسو حافلة إلى بونتيفول ، تصادق امرأة شابة ، وتبدو من خلال رواية قصص شابة عن الشباب ، إحساسًا بالسلام في مواجهة نهاية حياتها. كما تم إنجاز الرحلة إلى مسرحيتين منفصلتين في برودواي – تم افتتاحها في عام 1953 ، واستمرت لمدة 39 عرضًا ، وأخرى افتتحت في أبريل 2013 ولا تزال قيد الإنتاج. فازت الممثلة الرئيسية في كل مسرحية (جو فان فلييت، 1953؛ Cicely Tyson ، 2013) بجائزة توني عن أدائها.
اكتشاف الحيـاة متأخراً
بعد أربعين عاماً من قضاء عمل روتيني تماما كمندوب لإحدى شركات التأمين، عاش وارين شميدت حيـاة بسيطة كما يحياها أي مواطن أميـركي؛ تزوج بعد التخرج، عمل في الوظيفة، أنجب ابنة جميلة، وعند وصوله لسن 66 عاما أحيل إلى التقاعد. ومع ألمه من إحالته للتقاعد إلا أنه يقرر أن يستمتع ببقية حياته مع زوجته هيلين، ليجد نفسه تائها في عالم جديد تماما. تقترح عليه هيلين أن يشتري مقطورة تمكنهما من التجوال والسفر عبر الولايات المتحدة بالكامل، والاستمتاع بآخر أيامهما، لتتركه فجأة بعد إصابتها بجلطة وتتوفى تاركة إياه وحيدا تماما برفقة ابنتـه المشاكسة التي تسعى للزواج بشاب لا يرضى به بتاتا، ولا يجده مناسبا لما أفنى عمـره عليها. تتصاعد المشاكل بينهما، فيضطـر أن يوجه وجهه شطـر حياته الشخصية، ليتأمل الحيـاة عبر رحلته في الولايات المتحدة، وعبر تذكـر الحسنات التي صنعها في حياته بما في ذلك كفالة طفل تنزاني فقير.
الفيلم مزيج من معاناة الوحدة التي يعانيها كبير السن بمفرده، والمشاكل الاجتماعية التي يكتشفها في أسرته بعد التقاعد، فضلا عن الاكتئاب الذي يشعر به بعد شعـوره أن قطـار الحياة قد مضى بالفعل دون أن يترك الأثر الذي كان يتمناه على نفسه وأسرته والمحيطين به. قصة الفيلم وعمقها وتأثيرها وتنوعها ما بين الدراما الكئيبة والكوميديا جعلته واحدا من أفضل الأفلام التي تم إنتاجها هذا العام.
كوكون
ماذا ستفعل لو؟ يروي فيلم الخيال العلمي قصة ثلاثة من كبار السن الذين يواجهون مجموعة من المياه التي يسكنها شرانق غريبة. تمتلئ الشرانق بالحياة، وتمنحهم القدرة على تجديد أجسادهم. في نهاية المطاف، عندما يتعرف المزيد من كبار السن على مجموعة الحياة، لا يستطيع الأجانب المسالمين استخدام شرانقهم للعودة إلى كوكبهم. يجب على كبار السن مساعدتهم – والبعض في النهاية يقرر الذهاب مع الأجانب. من إخراج رون هوارد، فاز كوكون بجائزتين من جوائز الأوسكار لأفضل ممثل مساعد (Don Ameche) وأفضل مؤثرات بصرية.
فيلم يتجاوز الحدود الفرنسية
واحد من أهم وأشهر الأفلام التي تناقش موضوع الشيخــوخة في أفضل إطاراتها الدرامية والرومانسية، فيلم “الحب” هو فيلم فرنسي من إنتاج العام 2012، حقق شهـرة عالمية كبيـرة تجاوزت حدود فرنسـا بكثير، ليطوف العالم أجمع كواحد من أفضل الأفلام الرومانسيـة التي تتناول كبر السن بكافة تفاصيله تقريبا، بدءا بالأمراض مرورا بالوحدة، وليس انتهاء بالحب المتبادل بين زوجين لم تعد تجمعهما سوى الرحمة والتعاطف بأنقى صورهما.
الأيام الأخيـرة في حياة الزوجين المسنين اللذين يعانيان من شيخوخة متقدمة. جورج وآنا، متزوجان من فترة طويلة جدا، بلغا من العمـر عتيا، ومع ذلك يقضيان كل يوم من أيام حياتهما متحابين. تصاب الزوجة آنا بسكتـة دماغية تؤثر على صحتها تماما وأسلوب حركتها وحديثها ووعيها، فيقوم زوجها الوفي جورج برعايتها وإحاطتها بحبه في كل لحظة، متمنيا أن تعود زوجته إلى عافيتها. حب هائل لم تبدده التجاعيد على الوجوه، بل ربما زادته عما يمكن تخيله في الأفلام الرومانسية للشباب والمراهقين في العديد من الجوانب.