حماية ورعاية

انقسام عالمي حول تجربة هولندا وسويسرا.. سياسة “الحد من الضرر”.. علاج المخدرات بالمخدرات!

منذ عشرة أعوام مضت، ولعشر سنوات مقبلة، سترفع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة شعار “الحرب على المخدرات”، وفق نفس الإستراتيجية التي لاقت الكثير من الانتقادات، والتي تقوض مبدأ الحرب العالمية ضد السموم المخدرة من الأساس، حيث انتقدت هذه الإستراتيجية كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وإيطاليا، لأنها – حسب وصفهم- “تضفي شرعية على تعاطي المخدرات”، بل ذهبت تلك الدول إلى أبعد من ذلك، حينما أكدت أن الإستراتيجية الدولية سمحت لعصابات المخدرات بالازدهار، وساعدت على انتشار فيروس “الإيدز” القاتل!

وتحاول إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات الحالية، التقليل من أنواع المخدرات التي يزيد عليها الطلب العالمي مثل الهيروين والكوكايين والقنب، وتتضمن أيضا ما يُسمى بإجراءات “الحد من الضرر”، ومنها تبديل الإبر للمدمنين الذين يتعاطون المخدرات عبر الحقن في الوريد، وتوفير غرف آمنة لتعاطي المخدرات في السجون، وعلى الرغم من الاعتقاد الكبير بأن هذه الإستراتيجية ستحد من عدد متعاطي المخدرات، أو بالأحرى ستقلل من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” إلا أن الوضع بدا على النقيض، ما دعا الكثير من الدول إلى انتقاد الإستراتيجية برمتها، بما فيها إجراءات “الحد من الضرر” الشائعة في كل الدول الغربية وأمريكا اللاتينية.

“روشتة مخدرات”

أثارت سياسة “الحد من الضرر” لغطا كبيرا في الأوساط العالمية، وتدّعي الدول التي تطبق هذه السياسة أن المدمنين المشاركين في برنامج الأمم المتحدة، أصبحوا في حالة صحية أفضل وتمكنوا من العيش بصورة أكثر استقرارا، وحسب الإحصائيات السويسرية انخفضت نسبة الوفيات الناتجة عن تعاطي المخدرات، وكذلك نسبة الإصابة بمرض “الإيدز” في البلاد، ونظرا لاقتناع المسؤولين في سويسرا بهذه النتائج، صّوت الناخبون في عام 1997م على استمرار الدعم المالي المقدم من الحكومة لهذا البرنامج، ثم انتقل الاهتمام بهذه السياسة إلى دول أوروبية أخرى منها هولندا، التي اتبعت سياسة تقنين الإدمان وصرف المخدرات على “الروشتة” الطبية تحت إشراف الأطباء، وتبعتها أستراليا التي أعربت عن اهتمامها بالسياسة السويسرية في مواجهة مشكلة المخدرات.

واعتمدت سويسرا، ومن بعدها هولندا وأستراليا وكثير من الدول، في سياسة “الحد من الضرر” على مبدأ معالجة الداء بالداء، أي تقديم المخدر للمدمنين ولكن تحت رقابة طبية، و اعتمدت أيضا على الرأي الطبي الذي يقول بأن المدمنين لا يمكن أن يشفوا من إدمانهم تماما، إذ يؤكد بعض المتخصصين من أصحاب هذا الرأي أن الإدمان ليس كأي مرض عضوي يصيب الجسم، ويمكن أن يتعافى منه المريض نهائيا كما يعتقد الكثيرون، وإنما الحقيقة هي أن الإدمان عرض لمرض مزمن، ويُجمعون على أن تلك الحقيقة دامغة ولا غبار عليها، وأنه باعتماد هذه الإستراتيجية فإن عدد المدمنين الذين يلقون حتفهم نتيجة لتعاطي جرعات زائدة سيقل إلى حد كبير، إذ ستخضع الكميات التي سيتم توزيعها لرقابة طبية صارمة.

وهذه السياسة على قدر ما نالت من الانتقادات، إلا أنها حققت– حسب مؤيديها-  نجاحا كبيرا، على حد ما جاءت به الإحصائيات الخاصة بأعداد المدمنين ووفيات الإدمان في هذه البلدان، وذهبت الدول التي طبقتها إلى أن الوقاية هي السبيل الوحيد الممكن للقضاء على المشكلة تماما، أو التقليل من حجمها إلى حد كبير، فمعالجة الأسباب التي أدت إلى الإدمان أهم بكثير من معالجة الإدمان نفسه، فالفرد يتعاطى المخدرات لكي تكون حياته مقبولة – من وجهة نظره- أو للهروب من واقعه الأليم، أو لعدم إدراكه لخطورة المخدرات أساسا.

وشهد البرلمان الهولندي معارضة شديدة لسياسة البلاد تجاه مدمني المخدرات، والتي أدت إلى زيادة أعداد المدمنين بشكل غير طبيعي، إذ لا يخشى الشباب من وجود أي مانع أمني من التردد على المقاهي الهولندية التي تقدم الحشيش والماريجوانا، وهناك المعدات التي تستخدم في زراعة المخدرات داخل المنازل والتي نالت شهرة عالمية، وفي نفس الوقت نالت نقدا كبيرا من مختلف الأوساط في العالم، ما جعل وزير العدل الهولندي أرنست هيرش بالين يعد بإصدار تشريعات جديدة تهدف إلى منع “كل شيء يسهل زراعة القنب الهندي في البيوت”، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين، وأيد قرار وزير العدل أغلبية البرلمانيين الهولنديين الذين نادوا بإغلاق مثل تلك المقاهي سيئة السمعة عالميا، التي تسمح للشباب بشراء كميات من المواد المخدرة دون وجود أي رادع قانوني، أو أية عقوبات تذكر، بل تُوزع بإشراف الحكومة نفسها.

وفي الوقت الذي حذرت فيه “الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات” من أن مراكز توزيع الهيروين والمورفين والميثادون السويسرية الخاضعة للرقابة، لا يُستبعد تماما سوء استخدام المخدرات فيها، وأنها لا تشجع المدمنين على بذل المجهودات الضرورية للتخلص من الإدمان، إلا أن مجلس النواب الفيدرالي السويسري صّوت بأغلبية 110 أصوات مقابل 42 صوتا، لتمديد العمل ببرنامج “توزيع مخدر الهيروين تحت الرقابة الطبية” على المدمنين حتى نهاية عام 2009م، واتخذ المجلس هذا القرار رغم معارضة أحزاب وسط اليمين، وبعض السياسيين الذين يرون أن تحويل “فواتير الإدمان” على التأمينات الصحية التي تعاني من التكاليف المتصاعدة للنظام الصحي، تكلف الدولة مبالغ طائلة فتجد نفسها مرغمة على توزيع هذه التكاليف الإضافية على المشتركين عاما بعد عام.

الوقاية قبل العلاج

إذا كانت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالمخدرات في تصاعد يوما بعد يوم في مجتمعات العالم، فإن المملكة خطت خطوات واسعة في مجال معالجة مشكلة الإدمان، إذ تركز المملكة في سياستها لمحاربة المخدرات على التوعية والوقاية باعتبارهما خير من العلاج.

وحسب عبد الإله الشريف مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائي فإن: “مديرية مكافحة المخدرات تتعاون مع كافة الجهات المعنية في سبيل توعية ووقاية الرجال والنساء من خطر المخدرات، ومن هذه الجهات وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي و”الرئاسة العامة لرعاية الشباب”، وتتكاتف هذه الإدارات لإقامة العديد من البرامج الوقائية وتنظيم البرامج التوعوية والوقائية، من خلال إقامة المعارض والندوات والمحاضرات في مناطق ومحافظات البلاد، في المدارس والقطاعات العسكرية والأندية الرياضية والمستشفيات، مستهدفة الشباب والمراهقين وأولياء الأمور لحمايتهم من مغبة الوقوع في المخدرات”.

ومن جانبها قالت هنا الفريح مسؤولة البرامج الوقائية “بالمديرية العامة لمكافحة المخدرات”، إن “آخر الورش التدريبية التي عُقدت تحت إشراف المديرية “بمركز الأمير سلمان الاجتماعي” استقطبت 45 مرشدة طلابية يعملن بالمرحلة المتوسطة وموظفات الإدارة النسوية بالمديرية، وتساعد مثل هذه الورش المرشدات على كيفية التعامل مع الحالات وسبل اكتشافها والتصرف السليم تجاه الإدمان، ودلائل التعاطي وأسبابه وكيفية حماية الطالبات من خطر الإدمان، وما يسببه من أمراض على رأسها مرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى