عبرات

مجدي عبد السيد الذي تحدى الصعاب.. عندما تكون قدرتك في إعاقتك!

أن تتقبل مرضك أمرٌ غير سهل. لكن عندما تؤمن بأنّ مرضك هو ما يجعل لحياتك هدف، فهذا أمر آخر. وعندما تجد قدرتك في إعاقتك، هنا تجعل المستحيل ممكنًا.. وهذا ما فعله الشاب المصري مجدي عبد السيد.

بنهاية العام الأول، يبدأ الطفل فى اكتشاف العالم من حوله. فما بالك إن أخبر الأطبّاءُ أسرتك أنّك لن تستطيع أن تمارس حياتك بصورة طبيعية، مثل بقية الأقران من الأطفال، أو أنّك لن تستطيع المشي، ولن تكون قادرًا على الكلام أو الكتابة أو القراءة. فقد تمّ تشخيصُ حالة “مجدي” بالشّلل الدماغي، الذي يعد بمثابة رسالة واضحة لمصابيه بأن قدراتهم باتت محدودة إلى الأبد!

ولكن هذه المرة، كانت الرسالة لمجدي عبد السيد، رغم ذلك، لم يجزع ذويه، بل آمنوا بقُدراتِه على صُنع المعجزات، وأنه لن يمنعه شيء من تحقيق أهدافه وأحلامه.

منذ الصغر، و”مجدي” يحاول الاندماج في المجتمع، رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته. فعندما وصل إلى سنّ الالتحاق بالمدرسة، لم يستطع أن يسجل بعدّة مدارس، بحجة أنّهم غير مجهّزين للأشخاص ذوي الإعاقة، بالرغم من قدرته على الالتحاق كأي طالب، فقد كانَ مؤهلًّا للدراسة بصورة طبيعية. بعد بحثٍ طويل، قبلته “مدرسة الشّويفات” في القاهرة، وظل بها عشر سنوات، ثم انتقل إلى “مدرسة مصر 2000″، التّي تخرّج فيها بمرتبة الشرف، كما أنّه التحق بكلية الإعلام في الجامعة الأمريكية في مصر، وكان مثالاً للازدهار كطالب ومصدر إلهام لأقرانه.

الإصرار ومساندة الأهل

ونظرا لحالته الصحية، لم تكن حياة مجدي سهلة، يقول “لم أستطع التحرك بشكل مستقل إلا عند بلوغي الخمس أو الست سنوات، ولقد خضت العديد من الجراحات التصحيحية لمساعدتي على المشي، ولكن أعتقد أن إصراري وتشجيع ومساندة أهلي لي، هو سبب ما أستطيع القيام به اليوم”.

ويقول مجدي أن الكثير من المدارس لم تكن تسمح بالتحاق الأطفال ذوي الإعاقة، فالكثير من المدارس في مصر لم يكن لديها إمكانيات لاستيعابي. كما أشار أنه تلقى معاملة نفسية سيئة كطالب من بعض المدارس.

وتعد المثابرة هي أكثر صفات مجدي عبد السيد تميزاً: “قال الأطباء إنني لن أكون قادراً على القراءة والكتابة أو الكلام، ولكن لم يقتنع والدي ووالدتي بكلامهم وألحقاني بالمدرسة، والتي لم تكن تجربة سهلة في مصر مع أخذ إعاقاتي في الاعتبار.” ويقول مجدي الذي تخرج من المدرسة مع مرتبة الشرف: “قال الأطباء أيضاً أنني لن أكون قادراً على المشي دون دعم، وأنا أعتقد أن المشي بدعم أفضل من عدم المشي مطلقاً”.

يحكى مجدي عن حالته قائلاً: “الإعاقة هي الافتقار إلى الإرادة، وليست إعاقة البدن. يمكن أن يقوم الجميع بإحداث فرق إذا ما أتيحت لهم الفرصة. أحد أهم الأشياء التي تعلمتها في الجامعة هي أن التعليم لا يقتصر فقط على الجانب الأكاديمي بل هو تجاوز للقيود التي تضعها لنفسك، مما يساعدك على معرفة حقيقة نفسك وهدفك في الحياة.”

انخرط مجدي في العديد من الأنشطة غير الدراسية التي توفرها الجامعة لطلابها، فقد كان عضواً في اتحاد الطلاب بالجامعة، وعضواً في كل من نموذج جامعة الدول العربية الدولي بالقاهرة و”أناكتس”، وهي منظمة خيرية تقدم خدماتها إلى الذين يفتقدون الدعم المالي المستدام في مصر. كما عمل مع برنامج تجربة السنة الأولى للطلاب الجدد ومنظمة “آيزاك” الطلابية والتي تساعد الطلاب على اكتساب الخبرة الدولية عن طريق التزاور مع طلاب دوليين بالخارج. يقول عبد السيد “لقد تعلمت الكثير من الأنشطة التي انضممت إليها والتي لم أكن لأتعلمها في قاعة المحاضرات. كما قمت أيضاً بتوسيع دائرة معارفي الاجتماعية ومقابلة أشخاص أكثر من رائعين”.

مؤسسة “حلم”

على الرغم من مشاركته في العديد من الأنشطة، فإن هناك مؤسسة واحدة ارتبط بها ارتباطاً وثيقاً، وهي مؤسسة “حلم”، والتي تعد أيضاً ناديا طلابيا، وتهدف إلى رفع الوعي بالإعاقة في مصر، وإيجاد فرص عمل للأشخاص من ذوي الإعاقة. بعد انضمامه للمنظمة في ديسمبر عام 2013، أصبح “مجدي” الناطق الرسمي لمؤسسة “حلم”، والتي كانت السبب في تشكيل أهدافه المستقبلية.

يقول مجدي: “ألقيت كلمات افتتاحية كثيرة، وقمت بتوفير معلومات أساسية عن المنظمة، وعملت على زيادة الوعي عن المعاقين في مصر من خلال الدعاية لفعاليات المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي.

بالإضافة إلى الجانب الأكاديمي والمشاركة المجتمعية، قضى مجدي فترة تدريب في راديو “نايل أف أم” وأدرك من خلالها مدى حبه لنشر السعادة من خلال الموسيقى وزاد هذا الحب للإذاعة وتطور بشكل كبير عندما انضم لمؤسسة “حلم”. يقول مجدي: “لقد أردت أن استخدم وسائل الإعلام لنشر رسالة مؤسسة غير حكومية.”

بعد استلام جائزة كامبردج في عام 2008، عُرض على مجدي أكثر من فرصة عمل في مجال الصحافة، وعلى الرغم من إغراء تلك العروض إلا إنه اتخذ قرار التركيز على دراسته”.

الإعاقة هي نقص الإرادة

وقال مجدي أنه يؤمن أن الإعاقة الحقيقة هي نقص الإرادة والتهميش، ولو منح كل شخص فرصته يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة تفرق في المجتمع، مشيراً أن سلوكه في الحياة قائم على تحقيق أحلامه مهما كانت بعيدة عليه، حتى أستطاع ان يصل لما عليه اليوم.

مجدي الآن شاب ينهي عقده الثالث، مؤمنًا بأن الأشخاص ذوي الإعاقة يملكون قدراتٍ تفوق التوقعات إذا آمنوا بأنفسهم، وأنّه إذا عاد به الزمن، أو أُتيحت له فرصة اختيار ألا يكون معافًا، فلن يوافق. فهو يؤمن بأنّه الآن يملك هدفاً للحياة، إذ أنّه شخص متعايش مع الإعاقة، ويساعد الأشخاص ذوي الإعاقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى