“التدخل المبكر”.. كيف نقلل آثار الإعاقة؟
كيف نقلل آثار الإعاقة على الطفل المعرضّ لها؟
سؤال جرئ، يجيب عنه تخصص “التدخل المبكر”، وهو نظام متكامل من الخدمات التربوية والعلاجية والوقائية، التي تُقدم للأطفال منذ الولادة وحتى سن 6 سنوات، ممن لديهم احتياجات خاصة نمائية وتربوية، والمعرضين لخطر الإعاقة لأسباب متعددة. ولكن التدخل المبكر فى عالمنا العربي مازال فى بداياته، ويواجه تحديات مختلفة.
يقول د. محمد هويدي أستاذ علم النفس والتربية الخاصة المشارك بجامعة الخليج العربي “المقصود بالتدخل المبكر هو اكتشاف الإعاقة فى سن مبكر جداً، وتقديم خدمات وبرامج تربوية وتعليمية وعلاجية للأطفال وأسرهم، من أجل تطوير مهاراتهم وتقليل الآثار السلبية للإعاقة على حياتهم وتحسين جودة حياة أسرهم”.
وأضاف هويدي أن “خدمات التدخل المبكر تركز على الأسرة بقدر تركيزها على الطفل نفسه، حيث إننا نعرف تأثير وجود طفل ذي إعاقة داخل الأسرة، بما يعني الحاجة إلى تنمية مهارات أعضائها على التعامل معه، والحد من مشاعر اليأس والإحباط والتوتر والقلق، حتى ينمو نمواً طبيعياً وتتطور مهاراته فى أجواء من الألفة والحب”.
المقصود بالتدخل المبكر هو اكتشاف الإعاقة فى سن مبكر جداً، وتقديم خدمات وبرامج تربوية وتعليمية وعلاجية للأطفال وأسرهم، من أجل تطوير مهاراتهم وتقليل الآثار السلبية للإعاقة
واعتبر هويدي أن “طرح قضية التدخل المبكر يؤدي الى زيادة الاهتمام بها فى دول العالم العربي، حيث تعاني هذ الدول من أمرين: الأول، نقص المؤسسات التى تقدم خدمات متكاملة للتدخل المبكر، فرغم تزايد أعداد هذه المؤسسات، إلا أن برامجها تفتقد المختصين المدربين.
الأمر الثاني: البحث العلمي، فهناك اهتمام بالبحث العلمي فى قضايا الإعاقة بقسم التربية الخاصة بجامعة الخليج العربي، ولدينا عدد من رسائل الماجستير حول “التدخل المبكر” إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من البحوث وهذا يتطلب تشجيع الجامعات ومراكز البحث للباحثين والأكاديميين لكي يسلكوا هذا الطريق.
توجه عالمي
من جانبه أكد د. أحمد بن عبد العزيز التميمي، الحاصل على دكتوراه فى التدخل المبكر والأستاذ بجامعة الملك سعود، إن “التدخل المبكر للأطفال ذوي الإعاقات يمثل جهداً عالمياً ناشئاً ومتنامياً، وتسعى الدول المتقدمة إلى تطوير أنظمتها فى المجال التربوي، من خلال إطلاق مجموعة من النماذج العلمية فى مجال التدخل المبكر، القادرة على الوفاء بمتطلبات واحتياجات ذوي الاعاقة فى مرحلة الطفولة المبكرة، اعتماداً على الموارد البشرية والمادية المتاحة”.
ضرورة الاستفادة من التجارب الميدانية فى مجال التدخل المبكر، والتعرف على التجارب المتميزة
وأشار التميمي، إلى أن “التدخل المبكر يعكس تحولاً عالمياً من النموذج الإكلينيكي الذي يرتكز فى الغالب على الرعاية الصحية، إلى نموذج قائم على أنشطة متنوعة للمجتمع المحلي لدمج هؤلاء الاطفال فى البيئات الطبيعية، مثل المنزل والأسرة ومؤسسات المجتمع”.
ومن الأمثلة الثرية فى هذا السياق، وفقاً للدكتور التميمي، تجارب كل من كوريا والصين والهند والسويد وألمانيا والولايات المتحدة وجامايكا وإثيوبيا، وهى دول متقدمة ونامية، حيث إن التدخل المبكر بحاجة إلى إرادة مجتمعية حتى يستطيع التغلب على أى صعوبات وتحديات قد تواجهه.
من جهة أخرى، شددت أكدت الاكاديمية الإماراتية د. عوشة المهيري، على ضرورة الاستفادة من التجارب الميدانية فى مجال التدخل المبكر، والتعرف على التجارب المتميزة، والاستفادة منها، وأيضاً عرض المشكلات التى تبرز فى مجال العمل ومناقشتها، واقتراح سبل حلها.
أكدت المهيري، على ضرورة عقد لقاءات مباشرة بين الباحثين والعالمين فى حقل التدخل المبكر، لزيادة التواصل وتبادل الآراء والخبرات، إضافة إلى إقامة علاقات وقنوات اتصال بين الباحثين والعاملين لإجراء البحوث المتخصصة فى هذا المجال مستقبلاً.
وقالت المهيري إن “النتائج والتوصيات التى انتهت إليها الملتقيات العلمية للجمعية الخليجية للإعاقة، كانت أساساً ومنطلقاً للعديد من المشروعات والبرامج التى تبناها مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعمل على تنفيذها المكتب التنفيذي فى سبيل تحقيق الأهداف المنشودة”.
توفير التكاليف
من جانبه أكد د. محمد المناعي مشرف مركز التدريب بالمؤسسة الوطنية لخدمات المعاقين بالسعودية ان التدخل المبكر يقلل من تطور الاعاقة بشكل يؤثر بالإيجاب على حياة ذوي الاعاقة وأسرهم، مضيفاً أن تقديم خدمات التدخل يقلل من الأعباء الاقتصادية بعد ذلك حيث إنه يوفر الكثير من تكاليف رعاية الاطفال فى المراحل اللاحقة من العمر.
وطالب المناعي بان يتم بلورة قضية التدخل المبكر فى سياسات حكومية واضحة ومنهجية، تعالج التحديات المتمثلة فى تدريب المتخصصين وتوفيرهم وتمويل مراكز متكاملة للتدخل المبكر فى مجلس التعاون.
الغالبية الساحقة للأطفال الذين قدمت لهم خدمات التدخل المبكر في مرحله ما قبل المدرسة، حققوا تحسّنا دائما حال دون إعادتهم للصفوف الخاصة
المهارات المركبة
تكمن أهمية التدخل المبكر في الطفولة الأولى ما قبل سن المدرسة – وفقا لأخصائي التخاطب أحمد إبراهيم، في أن “تنمية المهارات المركبة لتوجيه الجسم والجلوس والوقوف والمشي والجري والتوازن، إلى جانب نمو المهارات اللفظية وعادات الطعام المقبولة، تعتبر أمورا ذات أهمية قصوى في مساندة الطفل على التكيف مع البيئة، بالإضافة إلى تطوير قدراته العقلية واللغوية والاجتماعية.
ولقد أثبتت البحوث العلمية بما لا يدع مجالاً للشك أن برامج التدخل المبكر تغيّر سلوك الأطفال، وهذا التغيّر في السلوك قد يتمثل بزيادة مستوى استقلالية الطفل، وتحسّن قدرته على العناية بذاته، وتضمن اكتسابه أنماطاً سلوكية جديدة لم يكن قادرا على تأديتها من قبل، فضلا عن تطوير معدلات النمو لديه، سواء من الناحية المعرفية أو اللغوية أو الحركية أو الاجتماعية – الانفعالية.
هذه الحقيقة، جعلت بعض الرواد في ميدان التربية الخاصة يؤكدون على أن التدخل المبكر يحسّن السلوك، ويعتقدون أن معظم حالات الإعاقة ما كان لها أن تحدث لو أن الأطفال لم يتعرضوا لظروف بيئية سيئة. فالدراسات تبين أن سلوك الأطفال الذين يعيشون في بيئة محرومة أو مضطربة، يتحسن بشكل ملحوظ عندما يوضعون في ظروف بيئية أفضل.
ووجد الباحثان بينيه وجورالنك (1991) أن الغالبية الساحقة للأطفال الذين قدمت لهم خدمات التدخل المبكر في مرحله ما قبل المدرسة، حققوا تحسّنا دائما حال دون إعادتهم للصفوف الخاصة، أو التحاقهم ببرامج التربية الخاصة مستقبلا، وترك تأثيرات لم تتبدد على تحصيلهم واتجاهاتهم وقيمهم.