عبرات

“أحمد السمان”.. أول مخرج سينمائي أصم في العالم العربي

“لا تقل إني معاق، مد لي كف الأخوة ستراني في السباق أعبر الشوط بقوة فأنا مميز وإعاقتي ليست موتي من الحياة”، هكذا عبر أحمد علي السمان أول مخرج أصم فى مصر والوطن العربي, يستطرد “السمان” : “تصنيفي كشخص يقدم سينما عن ذو الإعاقة يضايقني كثيرًا، ماذا سيحدث لو تم التعامل مع أفلامي مثل أي شخص يقدم سينما مختلفة، لماذا الإصرار على أن يشعرني غيري بأني شخص يعاني من العجز والنقصان وشىء من الإعاقة”.

ولد أحمد السمان بإعاقة الصمم, عندما أخبر الطبيب والدته بذلك لم تصدق ولم تتقبل فكرة الإعاقة لأحمد. ومع الوقت تأكدت رؤية الطبيب، لتبدأ الأم المكلومة رحلة العلاج مع طبيب آخر مختص بالتخاطب، وربما هذا الأمر ساعد بشكل كبير على تحسين النطق على الأقل.

لم يستكمل أحمد السمان تعليمه جراء التنمر الذي تعرض له، فالتنمر الذي واجهه صعّب عليه استكمال المهمة، وكان التحدي الأول الذي يخسره.

بحب السيما

قرر احمد السمان أن يصبح مختلفاً بعد مشاهدته فيلم (بحب السيما) الذي تم عرضه في دور السينما عام 2005، والذي شكل صدمة له ودفعه منذ ذلك الحين لعشق الفن السابع.

في عامه الحالي يجلس أحد السمان الذي لم يعد طفلاً، وعلى ظهره لافتة معلقة كُتب عليها بخط سحري “مخرج”، ليصبح أول مخرج سينمائي أصم في مصر، وما بين هذا وذاك قصة طويلة من التحدي.

ورغم عزم أحمد السمان على الشروع في تعلم العمل الفني والسينمائي، حيث يتطلب ذلك دراسة ولو بسيطة تدعم الموهبة، فإن الأمر لم يكن سهلاً بالمرة، إذ تعرض أحمد لحادث ترك أثراً في جسده، مما جعله يشعر بيأس كبير، لكنه لم يتوقف وعمل في أكثر من مجال ليتمكن من الحصول على أموال تساعده على تحقيق حلمه.

بداية النجاح

“يارب أنا غلط ولا صح.. دلني يارب”.. محاكاة الفنان الكبير محمود حميدة في فيلم “بحب السيما”، كانت مكررة في حياة السمان، الذي ربما اقتبسها من الفيلم الذي ساهم في تغيير حياته، ليحصل على الإجابة في النهاية. ويقول: “نجحت في إنتاج أول فيلم بعد الحصول على عدة ورش سينمائية عام 2016”.

فريق الرجل الواحد

بفخر شديد، يؤكد السمان أنه نجح فيما كان يصبو إليه، ليصبح مخرجاً سينمائياً ينتج الأفلام بطريقة الـ”one man crew“، أو ما يعرف بـ”فريق الرجل الواحد”.

ومع إنتاج فيلمه الثاني عام 2017، الذي تم عرضه في مهرجانات عدة صغيرة ومتوسطة، شجعه هذا الأمر على الاستمرار في مهمته وممارسة الأمر الأكثر قربا لقلبه.. الرجل الذي كان يتصور أنه بمثابة سحر أن تُعطى إشارة باليد فيبدأ العمل، أصبح هو نفسه الساحر الآن.

تحدي الإعاقة

يشير السمان إلى أن العمل بهذه الطريقة يجعله يبذل جهدا مضاعفا، إذ يرتدي سماعتين على سبيل المثال لتحسين السمع، فيما يواصل جلسات التخاطب، مما جعله يتكلم بشكل مفهوم حتى ولو صعب، لكن في النهاية تغطي سعادته وهو خلف الكاميرا على كل هذه المتاعب التي تنتهي بانتهاء العمل مكللا بالنجاح.

ويعكف السمان الآن على عمل فيلم وثائقي كبير يتناول سيرته الذاتية، وكيف تغلب على العديد من الصعوبات لتحقيق حلمه، مع كل التنمر الذي تعرض له، إلى جانب العوائق المالية التي كانت أكثر قوة من الإعاقة السمعية، لكن في الوقت نفسه يعطي أملاً بأن الأماني لا تزال ممكنة.

وقد صنع أفلام قصيرة عدة بعد كل هذه الفترة، عرضت بعضها في مهرجانات دعم الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة، لكن سعادته الكبيرة عندما علم أن أطفالا بنفس معاناته يشاهدونها. هذه الرسائل جعلته أكثر عزما على السير في طريقه، وربما تكون إجابة وافية على سؤاله منذ البداية: “دلني يا رب”.

ومع ذلك لا تزال الصعوبات مستمرة، فيؤكد السمان فشله في الحصول على بطاقة الدعم التكاملية لذوي الإعاقة في مصر، على الرغم من حقه فيها، وذلك لشراء معدات تصوير تساعده في العمل الفردي، حيث تتحصل بعض الجهات الرسمية على دعم خاص لهذا النوع من الإنتاج السينمائي، ويرى أنه يستحقه فعلا كمنتج ومخرج ناشئ.

المعاناة المادية للسمان تظهر بعد طلبه المشاركة في مهرجان “ديتمولد السينمائي” بألمانيا، إذ لم يكن يمتلك حق التأشيرة، لكن مع موافقة المهرجان على مشاركته وعلمهم بحالته كان الرد واضحا: “عظيم يا أحمد أنك تصنع أفلاما”، ليتم منحه تأشيرة بعدها بوقت قليل، إلا أن ضيق الوقت لم يمكنه من السفر للمشاركة.

يأمل احمد على السمان، أن يصبح رائدا لصناعة الأفلام التي تصور حياة ذوي الإعاقة، ليس في مصر فقط وإنما على مستوى الوطن العربي، خاصة وأن هذا النوع ليس موجودا بشكل مرضي لهذه الفئات، بينما ينتظر من فيلمه الوثائقي المقبل أن يسهم في توصيل رسائل هذه الفئات إلى المجتمع، وأن يحقق نجاحا بقدر تحدياتهم التي لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى