مقالات

“ذوو الإعاقة: من التعريف بالحقوق إلى التمكين والاندماج”

ورقة عمل مقدمة من وكالة الإسكان التنموي والمشاركة المجتمعية

بوزارة الموارد الشؤون البلدية والقروية والإسكان كمشاركة في ورشة عمل

(من العاطفة الى الحقوق) بتنظيم من هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة

المنعقدة في يوم الاثنين 6 /6/2022م

بمقر هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة

 في حي الغدير  بالرياض– المملكة العربية السعودية

إعداد وتقديم

أ.د. محمد بن حمود الطريقي

 مستشار التأهيل والتنمية المستدامة بوزارة الموارد الشؤون البلدية والقروية والإسكان

رئيس مجلس العالم الإسلامي للاعاقة والتأهيل

الحمد لله أن من علينا بنعمة المواطَنة في هذا الوطن العظيموأكرمنا بولاة أمر آباء وإخوة كلهم حرص على بني وطنهم ورعيتهم التي وضعها الله أمانة في أعناقهم فكانوا أهلاً لها ورعوها حق رعايتها، ولاسيما إخوتنا الأشخاص ذوي الإعاقة ، الفئة الغالية على قلوبنا جميعًا.

اسمحوا لي اليوم أن أشارك بهذه الورقة، والتي تحمل عنوان: “ذوو الإعاقة: من التعريف بالحقوق إلى التمكين والاندماج”. قبل عقود من اليوم، كان المرء يتكبد الأمرّين للتوعية بحقوق ذوي الإعاقة، وتوصيل صوتهم واحتياجاتهم إلى الجهات المعنية وإلى الناس، أما اليوم، فلله الحمد، الدولة على أعلى مستوياتها تعقد المؤتمرات والملتقيات وتسن القوانين التي تضمن لهم حقوقهم.

قبل عقود من اليوم كان ذو الاعاقة عبئًا على الدولة، أما اليوم، وبعد عقود من الاهتمام والدعم المتواصل لهذه الفئة الغالية، أصبح ذو الاعاقة في بلادنا، فردًا منتجًا وقيمة مضافة إلى وطنه ومجتمعه. 

قبل عقود من اليوم، كان على ذي الاعاقة أن يبذل جهدًا مضاعفًا، وفوق ما يطيق أحيانًا، ليحجز لنفسه موطئ قدم في سوق عمل غير مهيأة لاستقباله، أما اليوم، فحقه في فرص العمل محجوز له، وفي انتظاره، وكل ما عليه أن يتخرج ليتسلم عمله.

قبل عقود من اليوم كانت الصورة ضبابية أمام ذو الاعاقة في كل ما يتعلق بمستقبله وحقوقه، أما اليوم، فحقوق ذو الاعاقة شغل الدولة الشاغل، وحصته من كل حوار وطني وكل مشروع تنمية مكفولة بقوة القانون.

ويبقى السؤال:

ما الذي ينقص ذي الاعاقة اليوم، بعد هذه النقلة الكبيرة التي تحققت له بعد عقود من زمن، كان كل شيء فيه ينقصه؟

بالرغم من كل ما تم تقديمه، وما تبذله الدولة لخدمة هذه الفئة العزيزة، لازال لدينا الكثير لتحقيقه للنهوض بهم ونقلهم من الإحسان إلى الحقوق ومن الاحتياج الى الإنتاج ومن الرعوية إلى التنموية ومن الاعتمادية الى الاستقلالية… وعليه يجب أن تتبدد الأوهام لدى الأفراد والأسر والمجتمع بأن الشخص ذو الاعاقة يمكن أن يظل عالة طوال حياته، يجب أن يكون محور اهتمامنا بالدرجة الأولى هو الشخص وجودة حياته وحياة أسرته، وليس الإعاقة في حد ذاتها، لأن البيئة تعد بذاتها أحد أهم أسباب الإعاقة. لذلك من الضروري تبني المقاربة الاجتماعية للإعاقةالتي تأخذ بعين الاعتبار الشخص ومحيطه، لأن الهدف الأساسي هو الاندماج والتكيف في المجتمع، وضمان كرامة العيش. والأهم أن يكون الهدف هو جعل الشخص ذو الاعاقة موردًا وليس عبئًا لأن الاختلاف لم يعد عائقا، فالبيئة هي المعيقة إذا لم تكن ملائمة لحاجيات ذوي الإعاقة.

نحن بحاجة إلى التعامل مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة ولأسرهم.فالإعاقة تفرض واقعًا جديدًا للمعيشة اليومية وتفرض تغييرًا في نمط الحياة وإعادة ترتيب الأولويات، في الغالببدون أن تكون الأسرة مستعدة لذلك. فتصبح الأسرة في حالة من الفوضى والارتباك والضياع، وتلجأ في كثير من الأحيان إلى وسائل غير مناسبة. ونتيجة لذلك، فإن العزلة والغربة عن الحياة الاجتماعية، والخوف من تضخيم الصعوبات أو الخوف من ردود أفعال المحيطين بها، تجعلها تشعر بالذنب ويغمرها الشعور بالإحباط. وبسبب المعاناةتهرب الأسرة بلا كلل بحثًا عن حلول طبية معجزة، وتتبنى استراتيجية الحماية المفرطة من الانعكاسات الضارة على الشخص المعاق، مما يحول دون أي مبادرة من جانب هذا الأخير. وبالتالي، فبدلا من تهيئة الشخص ذو الاعاقة للانخراط في المجتمع وإيجاد مكان له، يسعى عوضا عن ذلك للبحث عن الحماية والرعاية. علينا أن نعمل على توعية الأسر والمجتمع إلى أهمية تجاوز الإقصاء الاجتماعي الناتج عن الوصم من ناحية، وعلينا استغلال المتغيرات والظروف لتهيئة ذو الاعاقة للعب أدوار أكثر إيجابية في حياته وحياة أسرته ومجتمعه ككل.

واقع الأمر أن الدولة تتقدم بقوة وبسرعة وبإرادة سياسية على أفق حقوق ذوي الإعاقة، وما من شك في أننا في زمن قليل سنضع أبناءنا ذوي الاعاقة على قدم المساواة مع أقرانهم في أعرق دول العالم تقدمًا على هذا الصعيد. سأوضح هنا أمرا مهما من شأنه إحداث نقلة نوعية في حياة ذوي الإعاقة، وسأبدأ بمقاربة بسيطة. عندما اخترع صامويل كولت المسدس، ظهرت مقولة مفادها: “خلق الله البشر سواسية، لكن الكولونيل كولت جعلهم متساوين”… ويمكن أن نفهم هذه العبارة على أساس أن مبدأ تكافؤ الفرص من حيث المواجهة أصبح أقوى من ذي قبل. بمعنى أنه لم يعد مهما أن تكون عملاقا، ولا يهم أن تكون لديك عضلات مفتولة أو جسم رياضي، فعند الصراع يمكن لطفل صغير يعرف كيفية ضغط الزناد أن يهزمك في طرفة عين. الكلمة المفتاحية هنا هي “التمكين” أو Empowerment. نحن إذاً أمام منهاج جديد فرض المساواة في القدرة على الدفاع عن النفس أو حتى العنف بين العملاق والقزم، والصغير والكبير، على أساس “من يمتلك المسدس والمهارة اللازمة لاستخدام المسدس ففرصه في النصر والنجاح أكثر”.

والآن دعونا ننظر إلى هذه الفكرة من منظور أوسع، لاسيما ونحن نعيش عصر الثورة الرقمية، عصر تنفيذ أغلب أعمالنا بضغطة زر… من يغرف كيفية ضغطة الزر، ولديه المهارة للتعامل مع الرقمنة ومخاطبة الآلة رقميا، ففرصه بلا شك أكبر وأكثر. نحن نعيش حاليا فترة تحول مهولة، ونلمس آثارها في شتى جوانب الحياة. وفي العقود القادمة سيزيد عدد الوظائف التي تعتمد على المهارات الرقمية وتختفي بالمقابل الكثير من الوظائف التي تتطلب المجهود الجسدي – وهذا ديدن التطور منذ بداية عصر الثورة الصناعية في القرن السابع عشر الميلادي. وفي وقتنا الحاضر، فالعبارة المفتاحية هي “الترميز” أو “التخاطب الرقمي”، أو ما يمكننا تسميته باللغة الإنجليزية (Coding). فالشخص الذي لديه مهارات الترميز فرصه في النجاح أكثر في العالم الرقمي وفي مستقبل التطور التكنولوجي.

ولستُ في حاجة للتذكير بأن الترميز لا يحتاج لعضلات جسدية. لا يحتاج لرجلين، وقد لا يحتاج ليدين (خصوصا في وجود برمجيات يمكنها تحويل الكلام أو حتى نظرات العيون إلى لغة وأوامر مكتوبة). ما معنى هذا؟ معنى هذا أنه يمكن لذوي الإعاقة خوض مضمار المنافسة في العالم الرقمي شأنهم شأن غيرهم، ولديهم فرص متساوية. معنى هذا أن يصبح ذوو الإعاقة أفرادًا منتجين ومؤثرين بفعالية في محيطهم…. معنى هذا أننا جعلنا البشر متساوين أكثر مما جعلهم الكولونيل كولت، وذلك بمنحهم فرصة للحياة الكريمة، ناهيك عن الدفاع عن النفس. يجب أن نستغل الثورة الرقمية في تمكين وتأهيل أبنائنا ذوي الإعاقة، ففيها فرص عظيمة لتحقيق أحلامهم وأحلامنا. سيتمكنون من خلالها من تلبية احتياجاتهم وحل مشاكلهم بأنفسهم، بل وتلبية احتياجاتنا نحن والمساهمة في حل مشكلاتنا، ويصبح لهم أثر ملموس وبصمة واضحة في واقعنا ومستقبلنا.

وأتصور أنه ينقصنا بقوة العمل على تغيير النظرة الاجتماعية لمن لدبه اعاقة، وتثقيف المجتمع، بل تثقيف ذو الاعاقة نفسه حول قدراته، وإكسابه الثقة اللازمة في نفسه، في أشياء كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، لكن إجمالا ينقصنا العمل على حملة تثقيفية وطنية واسعة، تثقف المجتمع حول قدرات ذوي الاعاقة، ترفع كثيرا من المعاناة النفسية عن ذوي الاعاقة أنفسهم، وتعينهم على الاندماج أكثر في محيطهم، واندماج محيطهم فيهم، فالتجربة تكشف عن أن ذوي الاعاقة إجمالا، أكثر نضجا، من الأسوياء في هذا الجانب، بل إنهم هم من يوعون الأسوياء، لكن لم يزل أمامنا الكثير الذي يقدم بهذا الخصوص.

ما تم التطرق إليه يجعلنا نطرح ما يجب أن نتبناه وهو المقاربة الحقوقية بعيداً عن المقاربة الرعوية أو القائمة على العطاء والإحسان فقط، وبالتالي يصبح الشخص ذو الاعاقة مواطنًا كسائر أبناء الوطن وله كل الحقوق،ولذلك نحن اليوم هنا لنشر الوعي بقضاياهم ومشاكلهم التي أشرت إلى بعضها في البداية.

وفي هذا الصدد أسرد بعض مداخل تحقيق الوعي بحقوق ذوي الإعاقة:

  • التعليم : دمج ذوي الإعاقة وتمكينهم من حقهم في التعليم، ويحدث الدمج على ثلاثة مستويات:
  • المستوى المكاني
  • المستوى الاجتماعي
  • المستوى الوظيفي
  • العمل والتدريب والتأهيل المهني: وذلك بتوفير خدمات التدريب والتوظيف لجميع فئات ذوي الإعاقة
  • المعينات الفنية: من أجل التمكين والمشاركة المجتمعية يجب توفير ما يلي:
  • الاطراف الاصطناعية والاجهزة التعويضية ومنظومات الاجلاس المخصص وأجهزة الوقوف والمشي،
  • الاجهزة المعينة على السمع والإبصار،
  • الاجهزة المساعدة للمكفوفين،
  • الاجهزة المساعدة للعلاج الطبي،
  • توفير مساعد لبعض ذوي الإعاقة حسب الحاجة.
  • المسكن: مع التركيز على ضرورة أن تكون المساكن مهيأة بالأدوات اللازمة لمساعدة الأشخاص ذوي الاعاقة.
  • الرعاية الصحية: توفير أقسام خاصة حسب الحاجة لكل إعاقة:
  • العلاج الطبيعي،
  • إعادة التأهيل الطبي،
  • أقسام الكشف والتدخل المبكر بالنسبة لمرحلة الطفولة،
  • توفير خدمات متعددة التخصصات حسب الحاجة.
  • الرعاية الاجتماعية: والمقصود هنا تمكينهم من العيش بشكل مستقل في بيوتهم قدر الإمكان، وذلك بتأهيلهم داخل المجتمع من خلال تقديم مجموعة من الخدمات، مثل:
  • الخدمات المنزلية: التمريض، المساعدة في الاعمال المنزلية، خدمات التوصيل، توفير المرافقين … إلخ،
  • خدمات للأسر: توفير رعاية نهارية، توفيرمرافق، تقديم معونات لتغطية خدمات الكفالة.
  • الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية: وتشمل توفير خدمات التيسير من أجل المشاركة في:
  • الندوات،
  • زيارة المتاحف،
  • سيارات مكتبات متنقلة،
  • النوادي الرياضية.
  • وسائل التنقل والمواصلات:
  • توفير وسائل مصممة لذوي الإعاقة،
  • تجهيز وسائل النقل العام بما يسهل عليهم استعمالها،
  • حجز مقاعد خاصة بذوي الاعاقة بالنقل العمومي،
  • تخفيض أسعار التذاكر أو توفيرها مجانا.
  • تقديم دعم لدخل ذوي الإعاقة على اعتبار أن الإعاقة مكلفة، من أجل تغطية المصاريف اللازمة.
  • لابد من إدراج بُعد الإعاقة في جميع المخططات التنموية والتركيز على إتاحةالوصول الشامل (comprehensive accessibility)، وتنسيق جهود كل من القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي من أجل تمكين هذه الفئة من التمتعبحقوقها، وتأهيلها وجعلها عنصرا مساهما في التنمية المجتمعية.

بقي أن أشكر وكالة الإسكان التنموي والمشاركة المجتمعية بوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان هذا الجهد الذي تبذله لتيسير حياة ذوي الاعاقة وتمكينهم من خلال المسكن المؤهل، على غرار ما شاهدته في دول متقدمة حول العالم، ومعًا سنبذل قصارى جهودنا لنقل كل ما يقدم من خدمات حول العالم إلى بلادنا لخدمة هذه الفئة الغالية، بل سنزيد عليه، فقد تعلمنا في هذا الوطن، بألا نكتفي بما وصل إليه الآخرون، بل نزيد عليه، لأن همتنا تطاول قمة طويق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى